يستمر الهدوء الحذّر في العاصمة الليبية طرابلس، وسط مخاوف من تجدد الاشتباكات وتفجر الأوضاع مجدداً، في ظل إصرار "حكومة الوحدة الوطنية" برئاسة عبدالحميد الدبيبة، المُقالة من البرلمان، على تنفيذ قرارها بتفكيك التشكيلات المسلحة، إضافة إلى استمرار انتشار الأجهزة التي انخرطت في الاشتباكات الأخيرة، في مناطق متقابلة يتوسطها خطوط تماس، وفق ما أفاد مصدر ليبي رفيع المستوى في العاصمة "الشرق".
وأشار المصدر نفسه، إلى أن الاشتباكات تجددت الأحد الماضي، قبل أن يعود الهدوء الحذر، بعد دخول قوة من جهاز الأمن العام التابع لوزارة الداخلية في حكومة الدبيبة إلى منطقة سكنية وقريبة من تمركزات لقوة "جهاز الردع لمكافحة الإرهاب"، التابع للمجلس الرئاسي الليبي برئاسة محمد المنفي.
وفي الوقت الذي توقع فيه أكثر من خبير احتمال تجدد هذه الاشتباكات، اتفقت عدة آراء على استبعاد تفاقم الأمور إلى حد الانزلاق إلى "حرب أهلية".
وكانت طرابلس استيقظت على دوي الرصاص، في ذلك اليوم، ما أطاح بآمال الليبيين بصمود الهدنة بين المتناحرين؛ "جهاز الردع"، من جهة، و"الأمن العام" من جهة أخرى، وكان مسرحها مناطق متفرقة من العاصمة، بدءاً من محيط طريق "الطبي"، وجزيرة "الفرناج" وصولاً إلى بعض الشوارع الخلفية.
ووفق إفادات شهود عيان لـ"الشرق"، فقد تحولت تلك المواقع إلى ساحات اشتباك دامٍ، بالأسلحة الخفيفة والمتوسطة، خلال القتال الأخير، الأحد الماضي، فيما انتشرت مدرعات وآليات وسدت بعض الطرقات.
وامتدت "نيران" الاشتباكات لتصل إلى الأضرحة، حيث اندلع حريق في "مقبرة سيدي منيدر" في العاصمة، في مشهد صادم وثقته عدسات ليبيين كانوا متواجدين في المكان.
وبحسب مقاطع فيديو نشرها نشطاء ليبيون عبر مواقع التواصل الاجتماعي، ناشد الحاضرون السلطات، إرسال سيارات الإطفاء لإنقاذ القبور قبل أن تلتهم النيران المكان.
لماذا تجددت الاشتباكات؟
قال مصدر أمني رفيع من طرابلس لـ"الشرق"، إن "تجدد الاشتباكات مؤخراً سببه الأساسي دخول قوة تتبع لجهاز الأمن العام داخل منطقة سكنية وقريبة من تمركزات لقوة الردع".
وأضاف المصدر، الذي طلب عدم كشف هويته، كونه غير مخول بالتصريح للإعلام، أن "اللجنة المكلفة بمراقبة وقف إطلاق النار تواجه عدة صعوبات من بينها عدم التزام أغلب القوات المتقاتلة بالانسحاب".
وأشار إلى "وجود عدة تمركزات مسلحة في عدد من الأحياء ومنها على خطوط تماسٍ قريبة ما ينذر بحدوث مواجهة مجدداً".
وجزء من القوات المتقاتلة، بحسب المصدر، ينضوي ضمن حكومة الدبيبة مثل "اللواء 444" و"اللواء 111"، وقوة الأمن العام. في المقابل، هناك "قوة الردع" الخاصة، التي تتبع للمجلس الرئاسي وعدد من الكتائب الأخرى التي تساندها على غرار جهازي الهجرة والأمن القضائي.
وتطرّق المصدر إلى كواليس الأحداث، قائلاً إن قراراً حكومياً صدر بحل عدد من القوات التي تساند "قوة الردع"، منها "الأمن القضائي" و"جهاز مكافحة الهجرة"، غير أنها لم تلتزم به.
وأشار إلى "ضرورة وضع ترتيبات أمنية جديدة يتم من خلالها حل ودمج بعض التشكيلات المسلحة وإعادة هيكليتها".
ليبيا "خالية من التشكيلات المسلحة"
في خضم التوتر المتصاعد، تعهد الدبيبة بإقصاء من يهدد أمن الدولة، داعياً في الوقت نفسه إلى دعم المسار الرسمي. وحذّر، في كلمة ألقاها أمام مجلس وزراء حكومته عقب تجدد الاشتباكات، من أن "من يستثمر في الفساد أو في الابتزاز، والله بعون الله لن نتركه، مشروع ليبيا خالية من المليشيات وخالية من الفساد".
وأكد الدبيبة عزم حكومته المضي قدماً في مشروع "فرض سلطان الدولة"، و"إنهاء سلطة المليشيات".
من جانبه، أصدر رئيس المجلس الرئاسي محمد المنفي، بصفته القائد الأعلى للجيش الليبي (في الغرب)، قرارات بتشكيل لجنتين لمعالجة التوترات الأمنية ومسائل حقوق الإنسان.
الأولى لجنة مؤقتة لـ"الترتيبات الأمنية والعسكرية في طرابلس" برئاسته، وتُعنى، بحسب نص القرار، بـ"إعداد وتنفيذ خطة شاملة للترتيبات الأمنية والعسكرية في طرابلس وفقاً للتشريعات النافذة والمرجعيات السياسية المعتمدة".
وتهدف اللجنة إلى "إخلاء المدينة من كل المظاهر المسلحة، وتمكين الجهات النظامية الشرطية والعسكرية من أداء مهامها في مناخ آمن ومنضبط، وتعزيز سلطة الدولة، وترسيخ الأمن والاستقرار، وتكريس سيادة القانون".
والثانية لجنة حقوقية مؤقتة أيضاً، تتولى متابعة "أوضاع السجون ومواقع الاحتجاز، لمراجعة وحصر حالات التوقيف التي تمت خارج نطاق السلطة القضائية أو النيابة العامة".
وتأكيداً على أن تشكيل اللجنتين جاء بالتنسيق مع الدبيبة، نشر المكتب الإعلامي "لحكومة الوحدة الوطنية" مراسلة وجهها إلى المنفي قبل يومين من صدور القرارات.
وجاء نشر المراسلة مباشرة بعد نشر رئيس المجلس الرئاسي لنص قراراته، لكن اللافت هو أن مراسلة الدبيبة تضمنت النص على عضوية الجهات الواردة بالقرارين، من دون ذكر جهاز "الردع" ضمن لجنة الترتيبات الأمنية والعسكرية.
وبغض النظر عن كواليس تغييب اسم الجهاز من اللجنة، وتغاضي المنفي عن ذلك، وما قد يترتب عن هذا الأمر من تصعيد على الأرض، لكن بدا واضحاً أن الطرفين يسعيان لنزع فتيل التوتر بوأد أسبابه.
في غضون ذلك، رحبت بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا بتشكيل اللجنتين، مؤكدة، في بيان عبر موقعها على الإنترنت، التزامها بتقديم "الدعم الفني للجنتين، بما يتماشى مع المعايير الدولية وولايتها".
توتر متصاعد
رغم الجهود الرسمية لضبط الأمن، وبعد أيام فقط من إعلان رئيسي الحكومة والمجلس الرئاسي اتفاقاً على إخلاء طرابلس من المظاهر المسلحة، خيّم التوتر بظلاله مجدداً على العاصمة الليبية.
والاشتباكات الدامية تقض مضاجع الليبيين ممن كانوا حتى وقت قريب يعلقون آمالاً واسعة على حل الخلافات العالقة والذهاب نحو الانتخابات وإرساء مؤسسات دائمة.
وامتد لهيب التناحر إلى الشارع ليحركه، حيث تجمّع مئات الليبيين على مدار الأسابيع الثلاثة الماضية، في كل يوم جمعة، في وسط المدينة للمطالبة باستقالة حكومة الدبيبة.
وأوضح المصدر الأمني، الذي كان يتحدث لـ"الشرق"، أن "معظم هؤلاء المحتجين من حي سوق الجمعة، وهو معقل (قوة الردع)، التابعة للمجلس الرئاسي"، لافتاً إلى أن "هذا الأمر لا ينفي وجود العديد من المواطنين ممكن كان خروجهم للتظاهرات من منطلق إحباطهم ويأسهم من قدرة الطبقة السياسة على توفير حلول جذرية للتوتر والاقتتال".
في المقابل، خرجت تظاهرة مؤيدة لحكومة الدبيبة تطالب بحلّ كافة المجموعات المسلحة وترفض الحرب في طرابلس.
وما بين المناهضين للدبيبة والموالين له، توحدت مطالب الشارع تحت شعار اتخاذ إجراءات فعلية لضبط السلاح، ووقف القتال داخل الأحياء.
هل تصمد الهدنة؟
ورغم مساعي تثبيت الهدنة في طرابلس، أعرب المحلل السياسي الليبي، فرج دردور، عن اعتقاده بأنها "لن تصمد". وقال في تصريحات لـ"الشرق"، إن "الإشكال في العاصمة يكمن اليوم في معركة وجود: إما حكومة الوحدة الوطنية، أو قوة الردع".
وأضاف دردور، وهو باحث وأكاديمي من طرابلس، أن "قوة الردع تقوم بالضغط على الحكومة من خلال المظاهرات وتحريك الحاضنة في منطقة سوق الجمعة، لإزعاج الحكومة وإرغامها على الاستقالة".
أما العميد عادل عبد الكافي، المستشار العسكري في الأمن القومي بالمجلس الأعلى للدولة في ليبيا، فيعتبر أن "(المجلس) الرئاسي هو من سعى إلى وضع هدنة حتى يُحدث حالة من الاستقرار الأمني والعسكري على مستوى العاصمة والمنطقة الغربية".
وأوضح عبد الكافي، لـ"الشرق، أن "الجزء الكبير من المشكلات الأمنية والعسكرية يكمن في تداخل الصلاحيات"، موضحاً أن "المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق الوطني السابق الذي كان يرأسه فايز السراج أصدر قرارات بتبعية بعض التشكيلات المسلحة للمجلس آنذاك مما أعطاها صلاحيات أكبر من باقي الأجهزة".
وتابع "بناء على ما تقدم، بات هناك تداخل في الصلاحيات والمهام وترتب على ذلك عدة تجاوزات منها ما يحدث الآن".
وبحسب المستشار العسكري، فإن "هناك أيضا تجاوزات تحدث نظراً لهيمنة بعض التشكيلات على بعض الإدارات والوزرات في تنصيب بعض الشخصيات التابعة لبعض التشكيلات الأمنية والعسكرية، بل بلغ الأمر حد تجاوز المهام الأمنية".
وحض عبد الكافي المجلس الرئاسي على وضع خريطة من شأنها أن تساهم في التوصل لهدنة حقيقية من خلال إعداد ترتيبات أمنية كامل بطرابلس والمنطقة الغربية.
تفكيك الفصائل المسلحة.. إصلاح أم تفجير؟
مع ذلك، لم تكن الاشتباكات الأخيرة هي نقطة الارتكاز التي أعادت فتح جراح طرابلس الأمنية، بل شكلت امتداداً بديهياً لحالة مزمنة من التوتر والتناحر والصراع بين التشكيلات المسلحة بمختلف تفرعاتها وولاءاتها، وفق مراقبين.
ورغم أن تلك المواجهات كانت مفاجئة ظاهرياً، لكن مطلعين على مجريات الأمور يشبهون السلاح المنتشر في طرابلس بـ"قنبلة موقوتة". فعلى مدى سنوات طويلة، حكمت العاصمة الليبية مجموعات مسلحة تتقاسم النفوذ، بينما فشلت حكومات متعاقبة في نزع سلاحها، أو دمجها ضمن مؤسسات الدولة على أسس مهنية.
ولاحقاً، جاءت أحداث السادس من مايو الماضي، لتؤكد ذلك، وتكشف هشاشة الوضع حين انفجرت المدينة بجولة جديدة من العنف، عقب اشتباكات دامية استخدمت فيها الأسلحة الثقيلة، وأسفرت عن اغتيال عبد الغني الككلي، الشهير بـ"غنيوة"، قائد "جهاز دعم الاستقرار" التابع للمجلس الرئاسي.
وهذا الجهاز، هو عبارة عن تشكيل مسلح يتمركز في أبو سليم، أي بالقطاع الجنوبي من طرابلس، واكتسب نفوذاً واسعاً في قطاعات اقتصادية رئيسية.
ولم يكن "غنيوة" مجرد شخصية تتقلد منصباً أمنياً رفيعاً، لكنه كان من أبرز قادة التشكيلات المسلحة التي تمتلك نفوذاً طاغياً في طرابلس، ولذلك، كان من المتوقع أن يخلف اغتياله حالة من الارتباك والذعر، لأن الليبيين، وسكان العاصمة بوجه خاص، يدركون معنى استهداف هذا الرجل.
وفي اليوم التالي، اندلعت معارك منفصلة أشد عنفاً بين قوات حكومة الدبيبة، و"قوات الردع"، التشكيل النافذ الذي يسيطر على شرق طرابلس، والمطار، وأكبر سجون المدينة.
وبعد صمت، تبنى الدبيبة عملية اغتيال "غنيوة"، واصفاً إياها بأنها "عملية ناجحة"، ما أثار مخاوف من تفاقم الوضع.
ومنذ اغتيال "غنيوة"، لم تهدأ طرابلس، وحتى الهدنة المعلنة عقب ذلك كانت تقف على رمال متحركة، لأنه في الكواليس، كانت كل المؤشرات تنذر بالأسوأ.
ولاحقاً، جاء قرار حكومة الدبيبة بتفكيك "جميع المليشيات"، التي تتقاسم النفوذ بالعاصمة، متهمة إياها بأنها أصبحت "أقوى من الدولة".
قرار كان من البديهي أن يعيد صياغة وترتيب مناطق نفوذ التشكيلات المسلحة في طرابلس، لكن تضارب المصالح والولاءات جعل هذه الخطوة أشبه بـ"سيف ذو حدين"، كما يرى خبراء.
وفيما يعتقد البعض أن مشروع تفكيك المليشيات "شائك ومعقد"، ولن يقود إلا لتفجير الأوضاع بشكل أكبر، يدعم آخرون الخطوة ويرون أنها ضرورية لاجتثاث فتيل التوتر، وتوحيد عمل الدولة في سلطتها التنفيذية.
وفي هذا الإطار، يعود دردور للإشارة إلى أن حكومة الدبيبة "تضغط باتجاه تجميع كل المجموعات المسلحة الأخرى التي تنطوي تحتها للضغط على قوة الردع وحلها وتفكيكها".
وقال إن "الدبيبة ووزير داخليته عماد الطرابلسي عقدا العزم على حل قوة الردع لأنهم يعلمون جيداً أنها لن تقبل الانضواء تحت إدارتهما، وبالتالي أصبحت الفرصة سانحة لهم بعد تفكيك قوة عبدالغني الككلي، الذي كان يرأس قوة دعم الاستقرار".
واستعبد دردور إمكانية تفكيك التشكيلات المسلحة، قائلاً: "من خلال تجربتنا في السنوات الماضية، لا يمكن تفكيك التشكيلات المسلحة لأنها أصبحت تمتلك المال والنفوذ وباتت تسيطر على جزء من مؤسسات الدولة، بل أصبح للبعض منها امتدادات خارجية".
"مشروع شائك"
في تعقيبه على خطوة الدبيبة، قال المحلل السياسي الليبي، أحمد المهدوي، إن "مشروع تفكيك المليشيات في طرابلس شائك ويحتاج إلى ترتيبات دولية لإنجاحه".
وعزا المهدوي، في تصريحات لـ"الشرق"، ذلك، إلى أن "معظم المليشيات لديها تواصل دولي وتتلقى دعماً خارجياً"، معتبراً أن "الخطوة التي يسعي إليها الدبيبة لتفكيك المليشيات في العاصمه تظهر ما لا تبطن، بمعنى أنه يحاول إزاحة مليشيات من المشهد واستبدالها بأخرى من خارج طرابلس".
وقال المهدوي، وهو من الشرق الليبي، إن الدبيبة "يريد جهونة (إضفاء طابع جهوي/ محلي) الصراع في العاصمة وإقحام مدينه مصراتة (التي ينحدر منها) في الصراع".
وبالنسبة له، فإن خطوة التفكيك تتطلب "وضع خريطة واضحة وحصر المليشيات ليس في العاصمة فحسب، وإنما في كافه مدن الغرب الليبي وعلى رأسها مصراتة التي تعج بأكثر من 180 تشكيلاً مسلحاً".
تفكيك التشكيلات قد يعزز فرص الوحدة
في استشرافه للمشهد بالأيام المقبلة، توقع المهدوي "تجدد الاشتباكات وبشكل أكثر عنفاً في طرابلس"، مستنداً في ذلك إلى الحشود العسكرية الكبيرة"، التي قال إنها "جاءت من مصراتة إلى طرابلس".
ولكن المحلل السياسي استبعد "اندلاع حرب أهلية في ليبيا، لأن الصراع اليوم هو تناحر بين مليشيات مسلحة تحاول فرض وجودها والاستحواذ على مراكز السلطة في العاصمة".
واعتبر المهدوي تجدد الاشتباكات "دليلاً على إخفاق الترتيبات الأخيرة التي يشرف عليها المجلس الرئاسي، وعجزاً كاملاً من رئاسة أركان الجيش في الغرب في تثبيت الهدنة، ما يدعم التوقعات بتجدد الاشتباكات، لكنها قد تكون أكثر عنفاً".
لكن دردور يعتقد أنه في حال نجح الدبيبة في تفكيك المليشيات، وإن استبعد حصول ذلك، فإن ذلك سيعني أن "حكومته ستحصل على فرصة أكبر للتفاوض مع الشرق، ما قد يقود نحو توحيد ليبيا".
ولفت إلى أن الحكومة "لم تجد مفراً للتعامل مع التشكيلات المسلحة لضرب تشكيلات أخرى وتشكيل جيش وشرطة، لأن مسألة التفاهمات مع المجموعات المسلحة غير مجدية؛ خصوصاً أنها جربت خلال السنوات الماضية وفشلت".
التشخيص السليم.. بداية الحل
في رؤيته لملامح الحل، دعا المهدوي البعثة الأممية، إلى "العمل بشكل جاد بدلاً من الاكتفاء بإدارة الأزمة"، معتبراً أن "عليها تشخيص المشكلة بشكل صحيح واعتبار الأزمة أمنية بالأساس، والمضي لوضع ترتيبات دولية لنزع سلاح المليشيات وتفكيكها بإشراف دولي".
أما على الأرض، فإن "تمكين السلطات الرسمية من مؤسستي الجيش والشرطة أمر ضروري"، كما يقول المهدوي، من أجل "استلام زمام الأمور في طرابلس".
والبند الثالث من خريطة الحل بحسب الخبير السياسي "يشمل إطلاق حوار سياسي لتشكيل حكومة واحدة لليبيا من أطراف غير مستفيدة من الوضع السياسي اليوم، أي الابتعاد عن سلطات الأمر الواقع وإشراك الأحزاب والشخصيات الوطنية المستلقة في هذا الحوار".
وبالنسبة لعبد الكافي، فإن "الاستراتيجية التي وضعها المجتمع الدولي بشأن استقرار ليبيا كانت أولى خطواتها تفكيك التشكيلات المسلحة وإخراجها من العاصمة".
لكنه رأى أن "هذه الاستراتيجية تعارضت مع مصالح قادة بعض التشكيلات وقوتهم العسكرية نظراً لهيمنتها على القرارات السياسية، بدءاً من جهاز دعم الاستقرار وصولاً لباقي التشكيلات الأخرى".
وخلص العميد عبد الكافي إلى وجود "خلل أمني كبير، تسبب في فشل العديد من المسارات التي من المفترض أن تذهب بنا نحو حالة من الاستقرار بطرابلس".
وأشار إلى أهمية "إعادة هيكلة وتنظيم وتبعية تلك المجموعات المسلحة على أسس يمكن البناء عليها، لإعادة تنظيم العملية الأمنية والعسكرية سواء على مستوى العاصمة، أو المنطقة الغربية بالإضافة لتسمية قيادات جديدة لهذه التشكيلات".
متفقاً في الرأي مع المهدوي، استبعد عبد الكافي حدوث "حرب أهلية"، قائلاً: "لا أتصور ذلك، ربما هناك بعض المواجهات ستحدث بين الحين والآخر في ظل عدم انصياع بعض التشكيلات للحكومة وحالة الاستقطاب التي تمر بها طرابلس والمنطقة الغربية"، ولفت إلى "عدم وجود معطيات أو إحداثيات تشير لحدوث سيناريو مماثل".
وطالب عبد الكافي المجتمع الدولي "بالضغط على جميع الأطراف سواء في طرابلس أو المنطقة الغربية أو على مستوى كامل ليبيا إلى إحداث استقرار، والذهاب للانتخابات وتنظيم الحياة السياسية ومعالجة الأوضاع الأمنية والعسكرية".
معالجة جذرية
في رؤيته لخارطة الحل في ليبيا، قال زياد علي سلطان، رئيس مجلس سياسات النفط والغاز بـ"فريق الحوار والمصالحة السياسية"، إن "المشهد الأمني في طرابلس يعكس استمرار الأزمة السياسية وانعدام الثقة بين الأطراف المسلحة والسياسية".
وأضاف سلطان، في تصريحات لـ"الشرق"، أن ما سبق "يؤكد الحاجة الماسّة لتفكيك المجموعات المسلحة ودمجها ضمن مؤسسات الدولة وفق مشروع وطني جامع".
وحذّر من أن "تجدد الاشتباكات يدل على هشاشة الترتيبات الأمنية وغياب سلطة مركزية موحدة قادرة على بسط سيطرتها الكاملة على العاصمة".
وبخصوص خارطة الحل، اعتبر سلطان، أنها ينبغي أن تكون "شاملة وجذرية، وتقوم على أسس أبرزها حوار وطني شامل بمشاركة كافة الأطراف السياسية والاجتماعية دون إقصاء".
وشدد على أهمية "إعادة هيكلة السلطة التنفيذية وفق قاعدة دستورية توافقية، إضافة إلى إخراج كافة القوات الأجنبية والمرتزقة ودعم المؤسسة العسكرية الليبية الموحدة".
كما طالب سلطان "بإجراء انتخابات نزيهة تحت إشراف أممي وعربي، تضمن تداولًا سلميًا للسلطة"، إلى جانب "تحقيق العدالة الانتقالية والمصالحة الوطنية من خلال لجان مستقلة تحظى بثقة الليبيين".
وفي إطار المبادرات والجهود، التي تهدف لإنهاء الانقسام في ليبيا وتحقيق حلم السلام والاستقرار، عقد مؤتمر الحوار السياسي الليبي في تونس يومي 28 و29 مايو الماضي.
وقال سلطان، إن المؤتمر جاء "تتويجاً لجهود وطنية ودولية تهدف إلى إنهاء الانقسام السياسي وإرساء قواعد السلام والاستقرار في ليبيا"، وإن من "أهدافه توحيد المؤسسات السيادية للدولة، والاتفاق على خارطة طريق تؤدي إلى انتخابات وطنية شفافة، وتشكيل سلطة تنفيذية مؤقتة تمهّد الطريق لإنهاء المرحلة الانتقالية".
أما أبرز مخرجاته فشملت، وفق سلطان، "الاتفاق على إجراء انتخابات عامة (رئاسية وبرلمانية)، وتشكيل المجلس الرئاسي وحكومة وحدة وطنية، علاوة على تحديد أسس ومعايير توزيع المناصب السيادية بشكل عادل وشامل، والتأكيد على أهمية المصالحة الوطنية وإعادة دمج المهجرين والنازحين".
ومنذ الإطاحة بنظام الزعيم الراحل معمر القذافي في 2011، تكافح ليبيا من أجل استعادة الاستقرار، فيما تتنافس على السلطة "حكومة الوحدة الوطنية"، المُقالة من البرلمان، التي تتخذ من طرابلس مقراً، وأخرى في بنغازي (شرق) مدعومة من المشير خليفة حفتر.