ما كان يبدو "مستحيلاً" قبل أسابيع قليلة أصبح اليوم واقعاً سياسياً في الولايات المتحدة، في ظل تصاعد وتيرة المواجهات في الحرب بين إسرائيل وإيران، التي دخلت يومها السادس.
وقلبت المواجهة الأخيرة بين إيران وإسرائيل التحالفات السياسية التقليدية "رأساً على عقب" في واشنطن، حيث تحالف صقور السياسة الخارجية من الجمهوريين مع الديمقراطيين المؤيدين لإسرائيل لدعم التدخل العسكري في إيران، في حين اتفق أنصار حركة "اجعلوا أميركا عظيمة مجدداً" (MAGA) مع التقدميين من الديمقراطيين بشكل غير متوقع، على رفض أي تدخل أميركي في صراع جديد بالشرق الأوسط، وفق ما جاء في تقرير لمجلة "نيوزويك" الأميركية.
واتفق المذيع الأميركي من التيار المحافظ تاكر كارلسون مع السيناتور الديمقراطي التقدمي بيرني ساندرز على معارضة الحرب الإسرائيلية على إيران، وشاركت النائبة الديمقراطية ألكساندريا أوكاسيو-كورتيز في رعاية مشروع قرار مع زميلها الجمهوري توماس ماسي، يهدف إلى الحد من الصلاحيات الرئاسية في استخدام العمل العسكري.
في غضون ذلك، يجد الرئيس الأميركي دونالد ترمب، مُبتكر سياسة "أميركا أولاً"، نفسه اليوم ممزقاً بين اتجاهين متعارضين، فمن جهة يطالبه حلفاء إسرائيل بموقف أميركي أكثر دعماً، ومن جهة أخرى يحذره المحافظون الشعبويون من الانزلاق مجدداً في صراع جديد في الشرق الأوسط.
وبعد تردده في بداية الصراع، أشاد ترمب بالضربات الإسرائيلية، لكن هذا التحول أثار ردود فعل غاضبة من بعض حلفائه الإعلاميين الأكثر ولاءً، وكشف عن خلافات داخل قاعدته السياسية.
وكان تاكر كارلسون، المذيع السابق في شبكة Fox News، من أوائل من أشاروا إلى هذه الخلافات داخل حركة MAGA.
تحالف مناهضي الحرب
وقال كارلسون في مقابلة مع كبير مستشاري ترمب السابق ستيف بانون، الثلاثاء: "أخشى حقاً أن تزداد بلادنا ضعفاً بسبب ذلك.. نحن نشهد نهاية الإمبراطورية الأميركية".
وشكّل كارلسون وبانون، الحليفان القديمان لترمب، أبرز الأصوات اليمينية المعارضة لتدخل الولايات المتحدة في الحرب بين إسرائيل وإيران.
وأضاف كارلسون: "لقد فتحوا صنبور الدعاية بالكامل ويحاولون خداع مشاهدي FOX من كبار السن"، متهماً شخصيات معروفة في القناة، مثل شون هانيتي ومارك ليفين، باتباع نهج تصعيدي.
أما بانون، فذهب أبعد من ذلك، واتهم إمبراطورية روبرت مردوخ الإعلامية بالدفع نحو "حرب غير ضرورية"، مشيراً إلى أن Fox News لم تدعم ترمب بشكل كامل منذ انتخابات 2020.
ورداً على هذه التصريحات، قال ترمب خلال قمة مجموعة السبع في كندا، قبيل مغادرته المفاجئة: "لا أعلم ما الذي يقوله تاكر كارلسون... فليؤسس محطة تلفزيونية ويقول ما يريد حتى يستمع إليه الناس"، ووصفه لاحقاً عبر منشور على "تروث سوشيال" بـ"المجنون".
لكن كارلسون وبانون لم يكونا الوحيدين في دق ناقوس الخطر، ففي مجلس النواب، قدم النائب الجمهوري توماس ماسي، الذي يميل إلى التوجه الليبرالي، والنائبة الديمقراطية ألكساندريا أوكاسيو-كورتيز، مشروع قرار يستند إلى "صلاحيات الحرب"، بهدف منع أي تدخل عسكري أميركي في الصراع.
أما السيناتور الجمهوري من ولاية كنتاكي راند بول، فحذر من أن نفس المحافظين الجدد الذين قادوا الولايات المتحدة إلى العراق عادوا مجدداً، مؤكداً أن "الشعب الأميركي يرفض الحروب التي لا تنتهي"، ودعا ترمب إلى مقاومة الضغوط الخارجية في رسم سياسة بلاده.
وفي ولاية جورجيا، اتخذت النائبة الجمهورية مارجوري تايلور جرين نبرة أكثر روحانية، وكتبت في منشور لها: "صلوا ألا نتعرض لهجوم على أراضينا بعد أن ظلت حدودنا مفتوحاً لأربع سنوات، وتدفق من خلالها ملايين الأشخاص وملايين المتسللين".
ورغم دعمها الثابت لترمب، دعت جرين إلى التحلي بالحذر، وحضت الرئيس على عدم الاعتماد المفرط على "الروايات الإسرائيلية" بشأن إيران، مشيرة إلى إخفاقات استخباراتية سابقة باعتبارها دروساً تحذيرية. وأضافت: "الحرب لها عواقب وخيمة. لقد صوّتنا من أجل أميركا أولاً.. وأرفض المشاركة في الحروب الخارجية".
وحتى مات جيتس، النائب السابق عن ولاية فلوريدا وأحد أوفى أنصار حركة MAGA، انضم إلى صفوف المعارضين. وكتب على منصة التواصل "إكس": "هذا ليس عام 2003. لن نُخدع لندخل حرباً جديدة. ليس هذه المرة".
تحذير من الانجرار إلى "حرب نتنياهو"
أما في الجناح اليساري، وصف السيناتور بيرني ساندرز الهجوم الإسرائيلي بأنه "متهور وغير قانوني"، وقدم مشروع قانون تحت عنوان "قانون لا حرب ضد إيران"، يهدف إلى منع تمويل أي تحرك عسكري أميركي غير مصرح به. وقال ساندرز: "لن نُجر إلى حرب نتنياهو الاختيارية".
وأيّدت عضوة مجلس الشيوخ الديمقراطية إليزابيث وورن ساندرز. وقالت: "الدستور واضح، الكونجرس هو من يقرر متى نذهب إلى الحرب".
واعتبر السيناتور الديمقراطي كريس مورفي الضربة الإسرائيلية بأنها "محاولة لإغراق مفاوضات البرنامج النووي"، في حين اعتبر النائب الديمقراطي رو خانا أن ما يجري هو "تكرار لنفس الأخطاء التي زجت بالولايات المتحدة في حرب العراق".
والتزم زعيما الديمقراطيين في الكونجرس، حكيم جيفريز في مجلس النواب، وتشاك شومر في مجلس الشيوخ، الصمت إلى حد كبير. ولم يوقع شومر على مشروع ساندرز رغم رعايته لمشروع مشابه في عام 2020.
وفي صفوف اليمين، عبر الناشط المحافظ المؤثر في أوساط MAGA، تشارلي كيرك، عن مزاج القاعدة الشعبية قائلاً: "هناك انقسام كبير في مجتمع MAGA... أنصارنا لا يريدون الحرب، بل يريدون من رئيسهم أن يركز على إصلاح هذا البلد، لا القتال من أجل بلد آخر".
تحالف مؤيدي الحرب
ورغم التباين الأيديولوجي الكبير بينهما في معظم القضايا الداخلية، يجد صقور السياسة الخارجية في كلا الحزبين أرضية مشتركة بشأن الحرب بين إسرائيل وإيران.
ويمتد التكتل الجديد المؤيد للتدخل العسكري من معاقل الجمهوريين في الجنوب إلى الدوائر الديمقراطية في ولايتي نيويورك وبنسلفانيا، متحداً حول قناعة مفادها أن طموحات إيران النووية لم يعد بالإمكان كبحها من خلال الوسائل الدبلوماسية.
ونادراً ما يتفق السيناتور الجمهوري ليندسي جراهام، والسيناتور الديمقراطي جون فيترمان بشأن قضايا السياسة الخارجية، لكن كليهما يدعمان الضربات العسكرية الإسرائيلية، ويحضان ترمب على المضي قدماً.
كما أصدر النائب الديمقراطي ريتشي توريس، ورئيس مجلس النواب الجمهوري مايك جونسون تصريحات تكاد تكون متطابقة في تأييد الهجوم. وقال جونسون: "إسرائيل على حق، ولها الحق في الدفاع عن نفسها".
واتفق السيناتور الجمهوري تيد كروز، والنائب الديمقراطي من أوهايو جريج لاندسمان على أن الدبلوماسية استنفدت فرصها.
واعتبر كروز أن تحدي إيران "إهانة مباشرة لجهود إدارة ترمب"، بينما عبر لاندسمان عن أسفه قائلاً: "لقد مُنحت الدبلوماسية كل فرصة... والآن بات اللجوء إلى القوة أمراً ضرورياً".
وشنّت بعض الأصوات الصاعدة في حركة MAGA، وعلى رأسها المعلقة اليمينية المتطرفة لورا لومر، هجوماً على المحافظين الذين يعارضون التدخل العسكري. وتدافع لومر بشدة عن صلاحيات ترمب في اتخاذ القرار، ودعت أنصاره إلى فضح أي شخصية يمينية تنتقد الرئيس.