لم ينجُ إقليمي كردفان ودارفور من نيران الحرب الدائرة في السودان منذ اندلاعها في أبريل 2023، وامتد لهيب الصراع إليهما، تارة عبر المعارك المباشرة ومحاولات فرض السيطرة من الأطراف المتنازعة، وتارة أخرى عبر تداعيات إنسانية خلّفتها الحرب، وأثقلت كاهل المدنيين.
وتكمن الأهمية الاستراتيجية لهذين الإقليمين في موقعهما الجغرافي، حيث تمثل دارفور بوابة السودان نحو دول الجوار الغربية، بينما تمثل كردفان مركز الثقل الجغرافي الذي يربط شرق البلاد ووسطها بغربها، ما يجعلها مفتاحاً لأي تمدد عسكري في اتجاه دارفور.
خريطة سيطرة الجيش والدعم السريع
في إقليم كردفان، تشهد خريطة السيطرة تقلبات مستمرة بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع، تختلف من ولاية لأخرى، ففي شمال كردفان، تسيطر قوات الدعم السريع على محلية بارا بشكل كامل، بالإضافة إلى حوالي 80% من محليتي أم دم حاج أحمد، وجبرة الشيخ، مع سيطرة كاملة على سودري، وفي المقابل، يحتفظ الجيش بمحليات أم روابة، والرهد أبو دكنة، وشيكان.
أما غرب كردفان، الغلبة تميل للدعم السريع، باستثناء بابنوسة، التي تُعد آخر معقل استراتيجي للجيش بعد انسحابه من الفولة، والنهود، والخوي عقب معارك كرّ وفر.
وفي جنوب كردفان، تسيطر قوات الدعم السريع على الدبيبات، والحمادي، بينما تبسط الحركة الشعبية- شمال بقيادة عبدالعزيز الحلو نفوذها على كاودا، ومناطق محيطة، ويحتفظ الجيش بالمدن الكبرى مثل كادقلي، والدلنج.
أما في إقليم دارفور، فإن الدعم السريع يسيطر على جنوب، وغرب، وشرق، ووسط دارفور، بالتنسيق مع حركة تحرير السودان – جناح عبد الواحد محمد نور، بينما يسيطر الجيش على مدينة الفاشر، وبعض المناطق القريبة منها مثل واحة العطرون.
مناطق المواجهة الملتهبة
تُعد ولاية غرب كردفان إحدى أبرز ساحات المواجهة المفتوحة، وتحديداً بابنوسة التي تشهد قتالاً عنيفاً باعتبارها آخر مواقع الجيش المهمة، ومن جانبه، يحاول الجيش كسر الحصار انطلاقاً من الأبيض إلى بقية أجزاء الإقليم.
وفي شمال دارفور، تحولت المناطق الصحراوية المحاذية لحدود ليبيا إلى ميدان اشتباك جديد بين الطرفين، وسط سعي الدعم السريع لتعزيز وجوده العسكري والسياسي عبر "تحالف تأسيس"، الذي يضم حركات الهادي إدريس، والطاهر حجر، والحركة الشعبية بقيادة الحلو.
في المقابل، يقاتل إلى جانب الجيش كل من مني أركو مناوي، وجبريل إبراهيم، وصلاح آدم، وعبد الله يحيى، ضمن تحالف عسكري.
انسحاب تكتيكي واستعداد للعودة
في هذا الإطار، قال الصادق علي، الناطق باسم حركة تحرير السودان بقيادة حاكم دارفور مني أركو مناوي لـ "الشرق" إن قوات حركته تقدمت في ولايات كردفان الثلاث، وحررت مناطق استراتيجية، خاصة في شمال كردفان.
وأضاف أن هذه القوات انسحبت لتقديرات عسكرية، وأن بعض المناطق تحت سيطرة الدعم السريع، إلا أن الجيش والقوات المشتركة على أهبة الاستعداد لـ "تحريرها مجدداً".
تحالف تأسيس
في المقابل، قال علي جاد الله، عضو "تحالف تأسيس" الذي يضم الدعم السريع، ورئيس تحالف القوى الشعبية إن تحالفه يسيطر على منطقة أم اندرابة غرب أم درمان، لافتاً إلى أن مدينة الأبيض، عاصمة ولاية شمال كردفان تحت الحصار.
وأضاف أنهم يخططون "لإعلان تحرير كامل شمال كردفان قريباً، وبابنوسة في غرب كردفان أيضاً" على حد قوله..
وأشار جاد الله إلى أن قوات الدعم السريع، والحركة الشعبية سيطرت على مناطق حيوية في جنوب كردفان ومنها أم دحيليب، والدكة، مع العمل على استكمال السيطرة على أبو جبيهة، ورشاد، والعباسية، وكادقلي.
هل اقترب سيناريو الانفصال؟
وقال رئيس تحرير موقع "مشاوير نيوز" محمد الأسباط لـ"الشرق" إن المعطيات كلها تشير إلى أن السودان يمضي نحو التقسيم.
وأضاف: "ما يحدث في كردفان ودارفور، ليس مجرد حرب نفوذ والشاهد في ذلك حالة الاستنفار الأهلي التي تصاحب القتال ما بين الجيش والدعم السريع، وهي خطوات أولى نحو واقع الانفصال، خاصة مع تزايد الاعتراف الضمني من بعض القوى بهذا الاتجاه، ما يجعل البلاد ساحة لتصفية صراعات إقليمية ودولية، يسعى فيها الدعم السريع نحو تعزيز نفوذه".
أزمة المساعدت في الفاشر
ووسط تصاعد القتال في الإقليمين، تبقى مدينة الفاشر، في شمال دارفور، نقطة حرجة في إيصال المساعدات، بحسب ليني كينزلي المتحدثة باسم برنامج الأغذية العالمي التي قالت في حديثها لـ"الشرق" إن منظمتها تطالب بالتحقيق في قصف استهدف قافلة كانت في طريقها للمدينة.
وأشارت كينزلي إلى أن الإقليمين يشهدان "حالات مجاعة موثقة"، لا سيما في جبال النوبة الغربية والفاشر، ما يضاعف من حدة الأزمة.
وأضافت أن البرنامج اضطر للجوء إلى التحويلات البنكية، في ظل تعذر وصول المواد الإغاثية بسبب الحصار والقتال.