مطالب ترمب من كوريا الجنوبية: مناورة سياسية أم تهديد فعلي؟

قوات أميركية بقاعدة كامب همفريز في بيونجتايك. كوريا الجنوبية. 20 ديسمبر 2024 - REUTERS
قوات أميركية بقاعدة كامب همفريز في بيونجتايك. كوريا الجنوبية. 20 ديسمبر 2024 - REUTERS
سول-ستيف برايس

يرى الرئيس الأميركي دونالد ترمب أن كوريا الجنوبية تدفع "مبالغ ضئيلة" مقابل بقاء القوات الأميركية على أراضيها، قائلاً: "يدفعون لنا القليل مقابل وجودنا العسكري"

وأثار ترمب، خلال اجتماع للحكومة في البيت الأبيض هذا الأسبوع، مسألة تقاسم تكاليف الدفاع ضمن نقاش أوسع بشأن الرسوم الجمركية، مطالباً كوريا الجنوبية بدفع 10 مليارات دولار سنوياً مقابل تكاليف الدفاع، وهو المبلغ الذي قال إنه طلبه من سول خلال ولايته الأولى.

وأضاف ترمب: "جعلتهم يدفعون مليارات الدولارات، ثم جاء (الرئيس السابق جو) بايدن، وألغى ذلك حين تولى الحكم".

وحدد الرئيس الأميركي مهلة تنتهي في الأول من أغسطس المقبل أمام كوريا الجنوبية ودول أخرى للتفاوض بشأن الرسوم الجمركية، ملوحاً بفرض رسوم تصل إلى 25% على الصادرات الكورية.

وبالنظر إلى اعتماد كوريا الجنوبية الكبير على السوق الأميركية، فإن مثل هذه الرسوم قد تلحق ضرراً بالغاً باقتصادها. ومع وصول حكومة جديدة في سول، لم يتم إحراز تقدم كبير في المفاوضات التجارية، ما يضعها في موقع تفاوضي ضعيف.

وتُعد مساهمة كوريا الجنوبية في تكاليف القوات الأميركية ورقة ضغط إضافية يمكن أن تستعملها إدارة ترمب.

وقال البروفيسور لي جونج-هو من جامعة كوريا لـ"الشرق"، إنه "من الواضح أن ترمب يسعى لإبرام صفقة شاملة من ضمنها الرسوم الجمركية، وترتيبات أوسع لتقاسم الأعباء"، مشيراً إلى أن "ضغوطه على كوريا الجنوبية واليابان قد تعكس فشله في انتزاع تنازلات كبيرة من الصين في ملف التجارة".

وذكر جونج-هو، أن "ترمب يعتبر سول وطوكيو أهدافاً سهلة في هذا السياق".

مطالب ترمب المتكررة

من جهته، أشار ستيفن ناجي الزميل الزائر في معهد الشؤون الدولية في اليابان في تصريحات لـ"الشرق"، إلى أن "كل رؤساء الولايات المتحدة بعد الحرب الباردة طالبوا الحلفاء بزيادة إنفاقهم الدفاعي، والمساهمة بشكل أكبر في أمن المنطقة"، لافتاً إلى أن "الوضع ما كان ليختلف كثيراً، حتى لو كانت (المرشحة الديمقراطية للانتخابات الأميركية الأخيرة) كامالا هاريس هي من فازت بالرئاسة" في نوفمبر الماضي.

وردت الحكومة الكورية الجنوبية على تصريحات ترمب بالقول، إنه "من غير المناسب تقييم أو الرد على كل تصريح يصدر عن رئيس دولة أجنبي"، مؤكدة التزامها بالاتفاق الحالي بشأن تقاسم تكاليف الدفاع.

ويوجد حالياً نحو 28 ألف جندي أميركي متمركزين في كوريا الجنوبية، معظمهم في قاعدة "كامب همفريز" في بيونجتايك، التي تمت توسعتها خلال العقد الماضي، لتصبح أكبر قاعدة أميركية خارج الولايات المتحدة.

وتُعد القاعدة منصة استراتيجية لإبراز النفوذ الأميركي في المنطقة، في حين دفعت كوريا الجنوبية الجزء الأكبر من تكاليف التوسعة.

واعتبر جونج-هو، أن "القاعدة حيوية لتمكين الولايات المتحدة من بسط نفوذها في شمال شرق آسيا، ومواجهة تنامي النفوذ الصيني"، مضيفاً أن "القيمة الاستراتيجية لسول بالنسبة لواشنطن قد ازدادت بالفعل".

وبموجب الاتفاق الحالي المعروف بـ"اتفاقية التدابير الخاصة الثانية عشرة"، والتي تمتد من عام 2026 حتى 2030، ستدفع كوريا الجنوبية 1.14 مليار دولار في العام المقبل مقابل التواجد العسكري الأميركي، على أن ترتفع هذه القيمة سنوياً حسب معدلات التضخم.

وتشمل الاتفاقية تكاليف العمال الكوريين العاملين مع القوات الأميركية، ومصاريف إنشاء المنشآت العسكرية، والدعم اللوجستي.

وتوقع جيمس جيه بي بارك، الباحث البارز في مركز دراسات منطقة المحيطين الهندي والهادئ، أن يضغط ترمب لـ"إعادة التفاوض على الاتفاقية قريباً"، وقال: "بالنسبة لجمهوره المحلي، من السهل عليه أن يقول: ألغيت الاتفاقية الغبية التي أبرمها بايدن".

ويرى بارك، أن "السؤال ليس ما إذا كان الاتفاق سيُعاد التفاوض عليه، بل كم ستدفع كوريا الجنوبية في النسخة الجديدة منه"، مشيراً إلى أن الرئيس لي جاي ميونج "يواجه ضغوطاً أميركية في ملفات أخرى، منها التهنئة المتأخرة من واشنطن له بعد انتخابه، وغياب أي قمة محتملة بينه وبين ترمب".

وتأتي مطالب الرئيس الأميركي بأن تدفع كوريا الجنوبية ما يقارب 10 أضعاف ما تدفعه حالياً، وسط مخاوف من تقليص الالتزام العسكري الأميركي في البلاد.

وكان قائد القوات الأميركية في كوريا الجنوبية الجنرال كزافييه برونسون، نفى مؤخراً في تصريحات لصحيفة "وول ستريت جورنال" وجود خطط لتقليص القوات، لكنه أشار إلى أن وجود القوات لا يقتصر على مواجهة كوريا الشمالية، بل يُعد جزءاً من استراتيجية أوسع في المحيطين الهندي والهادئ.

وحذر بارك، من الإفراط في التركيز على أعداد القوات، قائلاً إن الصورة ستتضح في سبتمبر المقبل، بعد أن تصدر وزارة الدفاع الأميركية "استراتيجية الدفاع الوطني".

وأضاف أن "المخاوف السابقة من تقليص القوات الأميركية لم تسفر سوى عن تغييرات طفيفة في أعداد الجنود، وحتى إن حدث تقليص، فسيكون محدوداً نسبياً".

كبح جماح كوريا الشمالية

وحذّر محللون من أن المكاسب السريعة التي قد يحققها ترمب من فرض مزيد من الأعباء المالية على الحلفاء، مثل كوريا الجنوبية واليابان، قد تُقوض الردع الأميركي تجاه كوريا الشمالية أو الصين.

ويُعتبر الرئيس الكوري الجنوبي الجديد أقل ميلاً للولايات المتحدة مقارنة بسلفه، ومع أنه يسعى للقاء ترمب في أقرب وقت ممكن، يخطط كذلك للقاء الرئيس الصيني شي جين بينج.

لكن البروفيسور جونج-هو لا يعتقد أن هذه التوترات ستقوض التحالف بين واشنطن وسول، والذي لا يزال "يشكل أساس السياسة الخارجية الكورية الجنوبية"، على حد تعبيره.

وذكر أن "كوريا الجنوبية تعتمد على الولايات المتحدة لكبح جماح كوريا الشمالية، فيما تعتمد واشنطن على سول لمواجهة طموحات بكين الإقليمية".

وتفضّل كوريا الجنوبية إبقاء ملف تقاسم تكاليف الدفاع خارج إطار التفاوض، خاصة وأن الاتفاق الحالي يمتد حتى 2030، لكنها تبدو منفتحة على إدراج ملفي التجارة والأمن في صفقة واحدة.

وقال مستشار الأمن القومي وي سونج لاك، عقب زيارته الأخيرة إلى ولايات المتحدة، إن "سول اقترحت التفاوض على التجارة والاستثمار والأمن كحزمة واحدة".

ومن الأوراق التي قد تستخدمها سول هي ميزانيتها الدفاعية، حيث يضغط ترمب على أعضاء حلف شمال الأطلسي "الناتو" لرفع إنفاقهم الدفاعي إلى 5% من الناتج المحلي الإجمالي، بينما تبلغ النسبة الحالية في كوريا الجنوبية 2.3% فقط، ولم تلتزم بعد برفعها إلى هذا المستوى.

وقال جونج-هو، إن واشنطن قد تُبدي استعداداً لتخفيف بعض القيود على تصدير التكنولوجيا المتقدمة إلى كوريا الجنوبية، مقابل زيادة الأخيرة لمساهمتها المالية في الحلف، ما قد يفتح "فرصاً جديدة أمام سول لتطوير قدراتها العسكرية والاستراتيجية".

ومع إعادة ترمب طرح قضية تقاسم التكاليف الدفاعية، يبدو أنه حتى التوصل إلى اتفاقية تجارية قبل الأول من أغسطس المقبل لن يُنهي سلسلة المفاوضات المعقدة بين واشنطن وسول.

تصنيفات

قصص قد تهمك