أبرمت الحكومة الإسبانية عقداً بقيمة 12.3 مليون يورو (14.3 مليون دولار أميركي) مع شركة هواوي لإدارة وتخزين التسجيلات الهاتفية التي تأمر بها السلطات القضائية وتُستخدم من قِبَل قوات الأمن وأجهزة الاستخبارات في البلاد، وذلك رغم التحذيرات المتزايدة من احتمال خضوع الشركة الصينية لـ"ضغوط من بكين"، للمساهمة في أنشطة استخباراتية لصالحها.
ومنحت وزارة الداخلية الإسبانية "هواوي" العقد رسمياً بعد عملية شراء حكومية اعتيادية. وينص العقد على أن تمتثل الشركة الصينية لإرشادات الأمن السيبراني الصادرة عن المركز الوطني للتشفير (CCN-STIC)، حسبما ذكرت صحيفة The Objective الإسبانية.
ووفقاً للصحيفة الإسبانية، فإن نظام هواوي المستخدم هو OceanStor 6800 V5، عبارة عن خط من خوادم التخزين عالية الأداء يُستخدم لحفظ وتصنيف الاتصالات التي يتم اعتراضها قانونياً من قبل قوات الأمن.
وهذه ليست المرة الأولى التي تشارك فيها هواوي في أنظمة حساسة داخل إسبانيا، فقد قدمت الشركة دعماً تقنياً سابقاً ضمن أنظمة التنصت القانوني (SITEL)، ما أثار قلقاً متزايداً في صفوف الشرطة الوطنية والحرس المدني بشأن دور الشركة الصينية في إدارة أنظمة ذات طبيعة شديدة الحساسية.
وكانت الشركة الصينية حصلت في وقت سابق على عقد لتقديم الدعم الفني لمنظومة SITEL (النظام المتكامل لاعتراض الاتصالات القانونية)، وهو النظام المستخدم في إسبانيا لاعتراض الاتصالات لأغراض أمنية وقضائية.
"ضد التيار"
وتُعد هذه الخطوة مثيرة للجدل في سياق أوسع من القيود المفروضة على شركة هواوي في عدد من الدول الغربية، حيث تم حظر الشركة من المشاركة في مشاريع شبكات الجيل الخامس (5G) داخل الاتحاد الأوروبي، كما فُرضت قيود متفاوتة في شبكات دول حلف شمال الأطلسي (الناتو) مثل الولايات المتحدة والمملكة المتحدة.
ورغم ذلك، أظهرت حكومة رئيس الوزراء الإسباني بيدرو سانشيز انفتاحاً أكبر تجاه الشركة الصينية مقارنة بباقي الحكومات الأوروبية. ووفقاً لتقارير إعلامية، يُعد سانشيز من أكثر الزعماء الأوروبيين دعماً لهواوي، فقد تصدّى لمحاولات داخل الاتحاد الأوروبي تهدف إلى تقييد مشاركة الشركة في البنية التحتية لشبكات الجيل الخامس (5G).
وتُعد هواوي، التي افتتحت مراكز أبحاث في العاصمة مدريد، من أبرز الموردين التقنيين للحكومة الإسبانية، حيث توفر خدمات تقنية لعدد من الإدارات العامة، ما يعزز من مكانتها كمشغل رئيسي داخل السوق الإسبانية.
وفي تعقيبها على هذا التوجه، قالت ناتاشا باكلي، الباحثة في المعهد الملكي للخدمات المتحدة (RUSI) والمحاضِرة في الأمن السيبراني بجامعة كرانفيلد البريطانية، إن موقف إسبانيا تجاه الشركة الصينية يختلف جذرياً عن مواقف حلفائها في الناتو ومعظم دول الاتحاد الأوروبي.
وأضافت: "النهج الإسباني في التعامل مع مورّدي التكنولوجيا ذوي المخاطر العالية يضع أولوية أكبر على موثوقية سلاسل الإمداد مقارنة بالاعتبارات الجيوسياسية، وهو ما يجعله مختلفاً عن السياسات الأكثر تقييداً والمعتمدة في دول مثل المملكة المتحدة وهولندا وبولندا".
وأوضحت باكلي أن "أداة الأمن السيبراني الخاصة بشبكات الجيل الخامس التي أصدرها الاتحاد الأوروبي توصي بالحد من الاعتماد على مورّدين ذوي مخاطر مرتفعة مثل هواوي، إلا أن تنفيذ هذه التوصيات في إسبانيا لا يزال غير متّسق. ورغم أن هواوي مُستبعدة من بعض مشاريع 5G العامة، إلا أنه تم منحها الضوء الأخضر لتخزين بيانات التنصّت التابعة للشرطة، ما يعكس نهجاً يعتمد على كل حالة على حدة ويفتقر إلى سياسة واضحة تجاه الموردين مرتفعي المخاطر".
ورغم الاتهامات الغربية المتكررة التي تربط هواوي بالحكومة الصينية، تُصرّ الشركة على أنها لم تُسجّل ضدها أي حالات لاكتشاف أبواب خلفية أو ثغرات في معداتها الخاصة بالاتصالات. وامتنعت الشركة عن التعليق عند الاستفسار منها بشأن مشاركتها في نظام التنصّت الإسباني.
في المقابل، تتهم الحكومة الصينية الغرب باستخدام مزاعم أمنية ملفقة لتبرير إجراءات حمائية تهدف إلى تقييد النفوذ الاقتصادي والتكنولوجي الصيني، معتبرة أن "القيود المفروضة على شركات مثل هواوي ما هي إلا تدابير تجارية محضة مغطاة بدوافع أمنية".
وتأتي المخاوف الغربية في سياق تصاعد أنشطة التجسس السيبراني الهجومية التي تُتهم بها بكين، بالإضافة إلى قانون الاستخبارات الصيني الصادر عام 2017، والذي يُلزم بموجبه أي فرد أو كيان داخل الصين بالتعاون مع الأجهزة الأمنية متى ما طُلب منه ذلك.
ووفقاً لما أورده المركز الوطني البريطاني للأمن السيبراني، فإن هذا القانون يُخوّل الدولة أن "تجبر أي شخص في الصين على القيام بأي شيء".