تايلندا وكمبوديا.. ما سر الاشتباكات الحدودية الدامية؟

جندي تايلندي على متن مركبة عسكرية في مقاطعة بوريرام شمال شرق تايلندا. 25 يوليو 2025 - REUTERS
جندي تايلندي على متن مركبة عسكرية في مقاطعة بوريرام شمال شرق تايلندا. 25 يوليو 2025 - REUTERS
دبي -الشرق

اندلعت اشتباكات مسلحة بين تايلندا وكمبوديا في مناطق حدودية متنازع عليها منذ فترة طويلة، ما أدى إلى تصعيد سريع للتوترات المستمرة منذ أشهر، وأرسلت بانكوك مقاتلة طراز F-16 لمهاجمة قواعد للجيش الكمبودي.

وشمل القتال تبادلاً لإطلاق نار وقصفاً مدفعياً وصاروخياً بحسب تقارير، ما أسفر عن سقوط 15 شخصاً على الأقل في تايلندا، وشخص واحد في كمبوديا وإصابة العشرات، بينما اضطر عشرات الآلاف من الأشخاص إلى الفرار من منازلهم القريبة من الحدود.

وأفاد الجيش التايلندي بوقوع اشتباكات في 12 موقعاً على طول الحدود بالقرب من 4 مقاطعات تايلندية، الجمعة.

وكانت هذه هي المواجهة المسلحة الثانية منذ سقوط جندي كمبودي بالرصاص في مايو الماضي، في تصعيد كبير جاء بعد ساعات من خفض البلدين للعلاقات الدبلوماسية بعد انفجار لغم أرضي أدى إلى إصابة جنود تايلنديين.

ويعد هذا الاشتباك جزءاً من خلاف أوسع تعود أصوله إلى أكثر من قرن، ويشمل أجزاء من المنطقة المعروفة باسم "المثلث الزمردي"، حيث تلتقي حدود تايلندا، وكمبوديا، ولاوس، في حين تتشارك تايلندا وكمبوديا أكثر من 800 كيلومتر (500 ميل) من الحدود البرية.

اشتباكات تايلندا وكمبوديا.. كيف بدأت؟

بعد المناوشات التي وقعت في مايو، تبادل الطرفان اتهامات بشأن بدء الاشتباك، وحشد البلدان قواتهما على طول معظم حدودهما المشتركة، التي تشكل طرقاً تجارية حيوية، وأدت إجراءات متبادلة لتقييد التحركات الحدودية إلى إشعال فتيل القتال الذي اندلع في يوليو.

كانت الشرارة التي أشعلت فتيل القتال، انفجار لغم أرضي أثناء عبور جندي تايلندي خلال دورية روتينية في 23 يوليو، وفقد ساقه، فيما أصيب 4 آخرون بجروح، وجاء ذلك في أعقاب حادث مماثل وقع في الأسبوع السابق، وفق "بلومبرغ".

وزعمت بانكوك أن "قوات معادية" زرعت الألغام المضادة للأفراد مؤخراً، وأصدرت بيانات إدانة شديدة اللهجة، في حين رفضت كمبوديا تلك الاتهامات باعتبارها "لا أساس لها".

ونفت كمبوديا أن تكون الألغام جديدة، وقالت إن الجنود التايلنديين انحرفوا عن مسارات دورياتهم وغامروا بالدخول إلى الأراضي الكمبودية.

بدأ القتال في وقت مبكر صباح الخميس 24 يوليو، بالقرب من معبد "براسات تا موين ثوم"، وادعى كلا الجانبين مرة أخرى أن الطرف الآخر هو من بدأ بالهجوم.

كيف رد البلدان؟

خفضت تايلندا مستوى العلاقات الدبلوماسية، واستدعت سفيرها وطردت كبير مبعوثي كمبوديا، وبدورها، سحبت كمبوديا معظم دبلوماسييها وطلبت من تايلندا القيام بالمثل.

وقالت الحكومة التايلندية إنها مستعدة "لتكثيف" تدابير الدفاع عن النفس إذا واصلت كمبوديا هجماتها، وقدمت إحاطات إلى ملحقين عسكريين ودبلوماسيين أجانب في بانكوك، وسعت إلى اتخاذ إجراءات بموجب اتفاقية الأمم المتحدة لحظر الألغام المضادة للأفراد.

وفي الوقت نفسه، طلب رئيس وزراء كمبوديا هون مانيه من مجلس الأمن الدولي عقد اجتماع عاجل لوقف "الاعتداءات التايلندية البالغة الخطورة".

وفرضت تايلندا قيوداً مشددة على الحدود مع كمبوديا، أوقفت جميع المعابر تقريباً باستثناء السماح بمرور الطلاب والمرضى وغيرهم من ذوي الاحتياجات الأساسية، وأعلنت السلطات التايلندية، الخميس، أنها أغلقت الحدود بالكامل، بحسب وكالة "أسوشيتد برس".

كما حظرت كمبوديا الأفلام والبرامج التلفزيونية التايلندية، وأوقفت استيراد الوقود والفواكه والخضروات التايلندية، وقاطعت بعض روابط الإنترنت الدولية، وإمدادات الطاقة لجارتها.

القدرات العسكرية لكمبوديا وتايلندا

تمتلك تايلندا قوة عسكرية أكبر بكثير، إذ يبلغ عدد أفراد قواتها المسلحة 360 ألف جندي نشط، مقارنة بنحو 124 ألف جندي في كمبوديا، وفق "المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية".

وينفق قادة الجيش في تايلندا، الذين سيطروا في عدة مناسبات على السلطة من الحكومات المدنية في البلاد، سنوياً نحو 4 إلى 5 أضعاف ما تنفقه كمبوديا على قواتها المسلحة. 

وبنت تايلندا أحد أكثر الجيوش قدرة في المنطقة، وتشتري أغلب المعدات من الولايات المتحدة وأوروبا، ومن ناحية أخرى، تحصل كمبوديا على جميع أسلحتها تقريباً من الصين، ومعظمها يعتمد على تقنيات قديمة.

في معركة جوية، سيكون لدى تايلندا أفضلية واضحة، حيث تمتلك سربين من مقاتلات F-16s الأميركية، وسرب من مقاتلات Gripen C/Ds السويدية، بحسب المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية. 

ولا تمتلك كمبوديا أي طائرة مقاتلة في ترسانتها، كما تعد منظومة صواريخ أرض جو KS-1C صينية الصنع المكون الرئيسي لدفاعها الجوي، وهي ليست متقدمة مثل الأسلحة الغربية فيما يتعلق بقنية التتبع بالرادار، ويبلغ مداها نحو 70 كيلومتراً.

ما هي جذور النزاع الحدودي؟

تعود جذور التوتر إلى الحقبة الاستعمارية والخرائط التي رُسمت بناءً على المعاهدات في أوائل القرن العشرين، التي وضعت الحدود بين تايلندا وكمبوديا، التي كانت آنذاك جزءاً من الهند الصينية الفرنسية، ونصت اتفاقية عام 1904 على أن الحدود ستتبع خط تقسيم المياه بين البلدين.

لا تزال السيادة على عدة مناطق نقاط خلافية بعد مرور عقود، إذ فشلت الجهود المختلفة لتسوية المسألة. كانت إحدى النقاط الخلافية على مر السنين هي "معبد برياه فيهيار" الذي يعود تاريخه إلى القرن الحادي عشر، والذي تدعي كمبوديا أحقيتها فيه بناءً على خريطة رسمها الفرنسيون عام 1907، لكن تايلندا تؤكد أنه يقع على جانبها من خط تقسيم المياه.

رفعت كمبوديا القضية أمام محكمة العدل الدولية، التي حكمت لصالحها في عام 1962 بأن المعبد ينتمي إلى كمبوديا. ومع ذلك، كان معبد "برياه فيهيار" سبباً في نزاع متقطع منذ عام 2008، عندما تقدمت كمبوديا بطلب لإدراج المعبد في قائمة منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة "اليونسكو"، للتراث العالمي.

كان الموقع محور آخر اشتباك دموي كبير بين البلدين في عام 2011 حول من يملك المنطقة المحيطة بالمعبد، وعادت كمبوديا إلى المحكمة، بعد عدة اشتباكات بين جيشها وبين القوات التايلندية أسفرت عن سقوط نحو 20 شخصاً وتشريد الآلاف، وقررت المحكمة تأييد الحكم بسيادة كمبوديا على هذه الأرض في عام 2013.

في أعقاب مناوشات وقعت في مايو من العام الجاري، قدمت كمبوديا التماساً إلى محكمة العدل الدولية للمساعدة في التوصل إلى تسوية بشأن 4 من مناطق الأراضي المتنازع عليها، بما في ذلك "براسات تا موين ثوم"، و"تشونج بوك". 

لكن تايلندا لم تعترف بالولاية القضائية للمحكمة منذ قرارها في الستينيات، وأصرت على استخدام آليات تسوية ثنائية، مثل لجنة الحدود المشتركة التي أنشأها البلدان عام 2000.

دور النزاع في الأزمة السياسية بتايلندا

أوقفت المحكمة الدستورية رئيسة الوزراء التايلندية بايتونجتارن شيناواترا عن العمل في مطلع يوليو الجاري على خلفية التحقيق في انتهاكات محتملة للأخلاقيات، بسبب تعاملها مع النزاع الحدودي.

وفي مكالمة هاتفية مسربة مثيرة للجدل في يونيو مع زعيم كمبوديا السابق هون سين، الذي حكم البلاد طيلة عقود قبل أن يسلم الشعلة لنجله هون مانيه، ألقت بايتونجتارن باللائمة في المواجهة الحدودية المحتدمة على الجيش التايلندي.

وأثارت هذه التصريحات التي اعتذرت عنها بايتونجتارن احتجاجات في تايلندا، ودعوات باستقالتها، وقدمت مجموعة من أعضاء مجلس الشيوخ التماساً للمحكمة لتحديد ما إذا كانت قد انتهكت المعايير الأخلاقية. 

وفي حال ثبتت إدانتها، سيتم استبعاد بايتونجتارن من المنصب الرفيع، حيث يحظر الدستور التايلندي تعيين أي شخص في مجلس الوزراء إذا كان سلوكه يمثل "انتهاكاً خطيراً للمعايير الأخلاقية، أو فشلاً في الامتثال لها".

في غضون ذلك، كانت الحكومة على شفا الانهيار بعد انسحاب ثاني أكبر حزب في الائتلاف الحاكم الذي يقوده حزب "فيو تاي" الذي تتزعمه بايتونجتارن، في أعقاب فضيحة المكالمات الهاتفية، ما أدى إلى تقليص كتلتها إلى أغلبية برلمانية ضئيلة.

تصنيفات

قصص قد تهمك