أعلنت تايلندا، انضمام قواتها البحرية إلى الجيش في صدّ الهجمات الكمبودية على جبهة جديدة في منطقة حدودية متنازع عليها، فيما ارتفعت حصيلة الضحايا جرّاء تصاعد الصراع المسلح بين البلدين إلى ما لا يقل عن 30 شخصاً، وفق "بلومبرغ"، بينما أجلت السلطات في كلا البلدين، عشرات الآلاف من المدنيين في مناطق القتال.
وجاءت العملية البحرية في وقت مبكر من السبت، عقب توغل القوات الكمبودية في ثلاث نقاط مختلفة داخل محافظة "ترات" الواقعة شرق تايلندا، بحسب بيان لوزارة الدفاع التايلندية.
وأوضحت الوزارة، أن قوات مشاة البحرية التايلندية، تمكنت من دفع الجنود الكمبوديين، الذين انتهكوا الأراضي التايلاندية. وقالت الوزارة: "تايلندا تقف بثبات في الدفاع عن سيادتها. ولن يتم التسامح مع أي عدوان".
وأعلن الجيش التايلندي، السبت، أن الكمبوديين شنوا هجمات في منطقة جديدة بالقرب من الساحل في الجنوب، لكن البحرية صدت الهجوم. وفي وقت سابق، أفادت تايلندا باندلاع قتال في مقاطعات سورين وأوبون راتشاثاني وسريساكيت وترات، على طول الحدود مع كمبوديا.
واتهمت تايلندا كمبوديا بإطلاق النار على مناطق مدنية، وأخلت جميع القرى التي يُعتقد أنها تقع ضمن نطاق صواريخها.
من جانبها، اتهمت كمبوديا تايلندا، باستخدام الذخائر العنقودية. ويُحظر استخدام الذخائر العنقودية في معظم أنحاء العالم، نظراً لتأثيرها العشوائي على السكان المدنيين. ولم ترد تايلندا على هذه الادعاءات.
محاولات وساطة
ومع دخول القتال الحدودي بين تايلندا وكمبوديا يومه الثالث، لجأ عشرات الآلاف من الأشخاص إلى أماكن آمنة.
وعقد مجلس الأمن الدولي التابع للأمم المتحدة، اجتماعاً طارئاً مغلقاً، الجمعة، في نيويورك، بينما دعت ماليزيا، التي تتولى رئاسة تكتل إقليمي يضم 10 دول من بينها تايلندا وكمبوديا، إلى إنهاء الأعمال العدائية وعرضت الوساطة.
ولم يصدر المجلس بياناً رسمياً، لكن دبلوماسياً في المجلس قال إن الأعضاء الـ15 دعوا جميعاً إلى التهدئة وضبط النفس وحل النزاع بطريقة سلمية. كما حث المجلس رابطة دول جنوب شرق آسيا (آسيان – ASEAN) على المساعدة في تسوية القتال الحدودي، حسبما نقلت "بوليتيكو" عن الدبلوماسي الذي تحدث بشرط عدم كشف هويته لأن الاجتماع كان مغلقاً.
وقال سفير كمبوديا لدى الأمم المتحدة، شيا كيو، للصحافيين بعد الاجتماع، إن بلاده، التي دعت إلى الاجتماع الطارئ "طالبت بوقف فوري لإطلاق النار، دون شروط مسبقة، ودعت أيضاً إلى حل سلمي للنزاع".
وردّ السفير على الاتهامات بأن كمبوديا هي من هاجمت تايلندا قائلاً: "كيف لبلد صغير بلا سلاح جو أن يهاجم دولة أكبر منه بثلاثة أضعاف في القوة العسكرية؟ نحن لا نفعل ذلك".
وأضاف أن مجلس الأمن، دعا كلا الجانبين إلى ممارسة "أقصى درجات ضبط النفس واللجوء إلى الحلول الدبلوماسية"، وهو ما تطالب به كمبوديا كذلك.
إجلاء آلاف المدنيين
من جهتها، قالت وزارة الصحة التايلاندية، الجمعة، إن أكثر من 58 ألف شخص فروا من قراهم إلى ملاجئ مؤقتة في أربع محافظات حدودية متضررة، بينما أعلنت السلطات الكمبودية، إجلاء أكثر من 23 ألف شخص من مناطق قريبة من الحدود.
وقال رئيس الوزراء التايلاندي بالنيابة، فومتام ويتشاياتشاي، الجمعة، إن كمبوديا قد تكون مذنبة بارتكاب "جرائم حرب" بسبب سقوط مدنيين وتدمير مستشفى. وأضاف أن تايلندا مارست "أقصى درجات ضبط النفس والصبر في وجه الاستفزازات والعدوان" من قبل كمبوديا.
واندلعت التوترات في المنطقة الحدودية المتنازع عليها بعد انفجار لغم أرضي، الأربعاء الماضي، أدى إلى إصابة خمسة جنود تايلانديين، مما فجّر المواجهات الحالية.
ويمثل هذا النزاع واحدة من الحالات النادرة للمواجهة المسلحة بين دول أعضاء في رابطة آسيان، رغم أن تايلندا دخلت في اشتباكات سابقة مع كمبوديا حول الحدود، كما شهدت مناوشات متفرقة مع جارتها الغربية ميانمار.
وقف إطلاق النار
وقال رئيس الوزراء الماليزي، أنور إبراهيم، الجمعة، إن تايلندا وكمبوديا وافقتا على وقف لإطلاق النار وسحب قواتهما من الحدود، لكنهما طلبتا مزيداً من الوقت قبل تنفيذ ذلك، وفقاً لوكالة الأنباء الوطنية الماليزية "برناما".
وأوضح أنور، أنه تحدث إلى كل من زعيم كمبوديا، هون مانيت، ورئيس الوزراء التايلندي بالنيابة، فومتام، وحثّهما على فتح باب "الحوار السلمي والحل الدبلوماسي"، وعرض أن تتوسط ماليزيا في المحادثات.
كما دعا الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو جوتيريش، إلى ضبط النفس وحث البلدين على حل النزاع عبر الحوار، وفقاً لما صرّح به المتحدث باسم الأمم المتحدة، فرحان حق.
ويشترك البلدان في تاريخ طويل من التوترات الحدودية، رغم أن العلاقات بقيت مستقرة نسبياً منذ الصراع الدموي الذي اندلع في عام 2011 وأودى بحياة العشرات. وكان آخر تصعيد كبير قد دار حول معبد "بريا فيهير"، أحد بؤر التوتر القديمة التي تعود إلى الحقبة الاستعمارية الفرنسية.
ويرجع أصل النزاع الحالي إلى خرائط مختلفة تستند إلى تفسيرات متباينة لمعاهدات "فرانكو-سيامية" في أوائل القرن العشرين، والتي حددت الحدود بين تايلندا وكمبوديا، حين كانت كمبوديا جزءاً من الهند الصينية الفرنسية.