المحكمة الدستورية في تونس: إصلاح مؤجل أم أداة سياسية؟

أعضاء البرلمان التونسي يجتمعون للتصويت على مشروع قانون انتخابي من شأنه تجريد المحكمة الإدارية من سلطتها للفصل في النزاعات الانتخابية بتونس العاصمة في تونس. 27 سبتمبر 2024 - Reuters
أعضاء البرلمان التونسي يجتمعون للتصويت على مشروع قانون انتخابي من شأنه تجريد المحكمة الإدارية من سلطتها للفصل في النزاعات الانتخابية بتونس العاصمة في تونس. 27 سبتمبر 2024 - Reuters
تونس-نضال عازم

تقدم نواب في البرلمان التونسي بمقترح لمشروع قانون يهدف إلى إرساء المحكمة الدستورية، التي يعتبر البعض استمرار غيابها، منذ إقرار دستور جديد للبلاد عام 2022، فراغاً دستورياً يهدد البناء الديمقراطي.

وتأتي مساعي 21 نائباً تونسياً لمبادرة قانون المحكمة الدستورية في يوليو، بعد مبادرة سابقة لمشروع قانون، تقدم به نواب تونسيون في شهر أبريل، وتم اسقاطها قبل النظر فيها من قبل لجنة التشريع العام في البرلمان بعد أن سحب بعض النواب توقيعاتهم، في خطوة اعتبرها معارضون نتاج ضغوط من قبل دوائر موالية للسلطة لتأجيل تفعيل المحكمة الدستورية، الذي قال مختصون إنه "خطوة متسرعة وغير متناغمة مع الدستور الجديد".

فشل برلماني

وفشلت البرلمانات والحكومات التونسية المتعاقبة منذ قرابة عقدٍ في إرساء المحكمة الدستورية، التي أقرها دستور 2014، وبعده البرلمان الذي صادق على القانون الأساسي عدد 50 لسنة 2015 الذي يضبط اختصاصاتها في الثالث من ديسمبر 2015، ليستمر الجدل حول أهميتها، وتهرب من اعتلوا سدة الحكم لما يمكن أن تفرضه من رقابة على السلطة التنفيذية، في نظام الحكم شبه البرلماني بقيادة الإسلاميين، ونظام الحكم شبه الرئاسي منذ تقلد الرئيس قيس سعيد زمام الأمور في 25 يوليو 2021.

ويقدّم مشروع القانون بحسب وثيقة، أطلعت عليها "الشرق" على نسخة منها، المحكمة الدستورية، على أنها "إحدى الدعائم الأساسية لضمان وحدة الدولة وسلامة نظامها الجمهوري"، وهي وفق المادة الثانية منه "هيئة قضائية مستقلة تضمن الدستور ومبادئه العليا وتحمي النظام الديمقراطي الجمهوري والحقوق والحرّيات في نطاق اختصاصاتها وصلاحياتها المقررة بالدستور والمبيّنة بهذا القانون".

أعضاء البرلمان التونسي يؤدون اليمين في تونس
أعضاء البرلمان التونسي يؤدون اليمين في تونس - REUTERS

تركيبة المحكمة وأعضائها وشروط اختيارهم

وجاء مشروع نص القانون في 4  أبواب، أولها باب الأحكام العامة، فيما يتطرق الباب الثاني إلى تركيبة المحكمة وأعضائها وشروط اختيارهم، وشرح الثالث طريقة انتخاب رئاسة المحكمة، وحالات الشغور، بينما خصص القسم الأخير لمراقبة الأنظمة الداخلية، لا سيما النظام الداخلي المنظم لعمل البرلمان بغرفتيه.

وقال رئيس كتلة الأحرار البرلمانية صابر المصمودي، في حديث لـ"الشرق"، إن مقترح القانون الذي تقدم به 21 نائباً في 15 يوليو، وأغلبهم من كتلة الأحرار بالبرلمان، يقوم على أن دستور 2022، وفي الباب الخامس منه، ينص في 8 مواد على أهمية دور المحكمة الدستورية كمؤسسة عليا، "واليوم مرّت ثلاث سنوات ولا تزال تونس بدون هذه المحكمة". 

وارتأى أن من الضروري التقدم بمقترح القانون هذا من أجل إرساء المحكمة الدستورية واستكمال البناء الدستوري للدولة.

وأضاف المصمودي، وهو عضو لجنة تنظيم الإدارة وتطويرها والرقمنة والحوكمة ومكافحة الفساد في البرلمان، أن تركيبة المحكمة الدستورية وفق دستور 2022، تتشكل من 9 أعضاء، وهم 3 رؤساء دوائر من أقدم قضاة محكمة التعقيب، و3 رؤساء دوائر من أقدم قضاة المحكمة الإدارية، و3 من أقدم قضاة محكمة المحاسبات.

ويواجه حكم الرئيس التونسي قيس سعيد، الذي يرفع شعار تطهير البلاد ومحاسبة الفاسدين، انتقادات بعد اتخاذه إجراءات استثنائية وسط أزمة اجتماعية واقتصادية خانقة، قبل وضعه دستوراً جديداً للبلاد، يرى معارضوه أنه جمع بمقتضاه السلطات في حكم يجنح نحو الاستبداد ويفرض قوانين يرون أنها تهدد حريات عامة وفردية، ويحاكم بمقتضاها العشرات.

ويشدد المتحدث باسم حزب العمال المعارض الجيلاني الهمامي على أن المحكمة الدستورية، باعتبارها هيئة قضائية، لا بد أن تتوفر على شروط استقلالية القضاء، وأن تكون مستقلة حتى تؤدي دورها على أكمل وجه.

ويرى القيادي اليساري المعارض أن قيس سعيد "هو رئيس لكل شيء، ولا رقابة عليه، ويتمتع بالحصانة أثناء أداء مهمته كرئيس للجمهورية وبعد أداء مهمته، ما يعني أن وجود المحكمة الدستورية لن يضيف اضافة كبيرة على النظام السياسي الحالي، واعتبر فضلاً على ذلك أن قيس سعيد ليس في حاجة إلى المحكمة الدستورية، فيتحاشى وجودها حتى لا يقع إحراجه بدرجة من الدرجات".

محكمة دستورية منتظرة

ويمثل تأخر إرساء المحكمة الدستورية فراغاً دستورياً انتقدته المعارضة، وحذر منه مختصون لدورها المحوري، وفق دستور 2022، في مراقبة دستورية القوانين، فضلاً عما ينص عليه الدستور في حالة شغور منصب رئيس الجمهورية، إذ يتولى رئيسها منصب رئيس البلاد لمدة لا تقل عن 45 يوماً وأقصاها 90 يوماً، خلافاً لدورها الرقابي على دستورية القوانين والمعاهدات والأنظمة الداخلية وإجراءات تنقيح الدستور.

واعتبر أستاذ القانون الدستوري رابح الخرايفي، في حديث لـ"الشرق"، أن إيداع مشروع القانون في مكتب البرلمان يعتبر ذو أهمية بالغة، باعتبار أن تونس تعاني من فراغ دستوري رهيب ومخيف، لا سيما ما يتعلق بدور رئيسها في حالة شغور منصب رئيس الجمهورية.

واعتبر الخرايفي أن تقديم مبادرة لإرساء محكمة دستورية، حتى وإن تضمن مشروع قانونها عيوباً، يظل أفضل في كل الأحوال، على أن يتم تطويرها مستقبلاً.

وأضاف المختص في القانون الدستوري بالجامعات التونسية أن "وجود محكمة دستورية ضروري من أجل التصدي للقوانين النافذة التي توصف بأنها غير دستورية، وضمان حقوق المتقاضين أمام فرضيات المس بحقوقهم الفردية والخاصة، والتي تهدد الحريات الأساسية للأفراد".

واعتبر رابح الخرايفي أنه لا بد من مناقشة نص مشروع القانون المقترح بعقل هادئ وبارد خلال الدورة البرلمانية القادمة، خصوصاً أن المبادرة لا تتضمن في مختلف موادها وفصولها القانونية، ما يمكن أن يثير الذعر والرعب لدى السلطة السياسية.

ويلفت أستاذ القانون العام عبد المجيد العبدلي، خلال حديثه لـ"الشرق"، إلى فشل برلمان 2014، رغم حكم التوافق بين الإسلاميين وحزب الرئيس الراحل الباجي قائد السبسي، في إرساء المحكمة الدستورية، بسبب أجواء عدم اليقين بين الكتل السياسية في البرلمان، وسط أجواء مشحونة وتوترات أمنية واجتماعية وانتشار الضربات الارهابية.

ويشير العبدلي إلى تفسيرات مراقبين ترجع تعطيلات إرساء المحكمة الدستورية آنذاك إلى توجس الفرقاء السياسيين من إمكانية توظيفها من جانب طرف ضد آخر.

وهناك من يرى أن المحكمة الإدارية تقوم حالياً بدور مقبول في الفصل في النزاعات الانتخابية، مما يجعل إرساء المحكمة الدستورية في هذا التوقيت "غير ضروري" أو "غير آمن سياسياً".

تصنيفات

قصص قد تهمك