واجهت الحكومة القبرصية سيلاً من الانتقادات والأسئلة والاتهامات بالتقصير، وذلك بعد أن ضرب حريق هائل جنوب الجزيرة في وقت سابق من يوليو الماضي، فيما لم يُفعّل نظام الإنذار المبكر الحكومي، حسبما أوردت مجلة "بوليتيكو".
وتباهت قبرص في مارس الماضي، باستعدادها أكثر من أي وقت مضى لمواجهة حرائق الغابات الهائلة التي تجتاح جنوب أوروبا بوتيرة مقلقة، إذ أعدت الحكومة 11 طائرة للإطفاء، وارتفع عدد فرق الإطفاء بنسبة 27%، كما أتاحت 25 سيارة إطفاء جديدة.
وتأجل التحديث الذي كان مقرراً في عام 2024، بعد أن اشتكى السكان المحليون من عدم وضوح استراتيجية الإخلاء، وقال متخصصون في حرائق الغابات إن البلاد "انتظرت طويلاً" قبل طلب مساعدة الاتحاد الأوروبي.
ولم يتلقَّ الرئيس القبرصي نيكوس خريستودوليديس، سوى إجابات قليلة، واعتذر فقط وسط موجة من الدعوات للمساءلة والاستقالة، إذ قال في تصريحات تلفزيونية: "في لحظة حرجة كهذه، لم تستجب الحكومة كما ينبغي... أعتذر"، متعهداً بأن يُجري المسؤولون تحقيقات، وأن "يُعالجوا نقاط ضعف النظام".
وفي حين أن الحكومة القبرصية نفت سوء استعدادها، مشيرةً إلى الموارد الجديدة، وترقية الموظفين، وتحديث البروتوكولات، إلا أن معاناتها تُجسّد الوضع الذي يجتاح جنوب أوروبا الآن.
في الوقت الحالي، تستعر حرائق الغابات في البرتغال وإسبانيا وجنوب فرنسا وسردينيا واليونان وبلغاريا وألبانيا ومقدونيا الشمالية وتركيا، وقد احترقت بالفعل أكثر من ضعف المساحة هذا العام مقارنةً بالفترة نفسها من العام الماضي، الذي كان موسم حرائق قياسياً، وفقاً لمركز الأبحاث المشترك التابع للاتحاد الأوروبي.
وأضاف المركز أن خطر اندلاع المزيد من الحرائق "لا يزال مرتفعاً"، إذ يحذر المتخصصون من أن الحكومات لا تزال غير مستعدة.
الانضمام إلى برنامج الإنقاذ الأوروبي
ومنذ عام 2022، تُخطط قبرص لتحديث هذا النظام ليتوافق مع قانون الاتحاد الأوروبي، بهدف استكماله بحلول عام 2024، لكن ذلك لم يتحقق، إذ منحت الحكومة العقد لشركة خاصة، لكن شركات أخرى طعنت رسمياً في القرار، ما دفع الحكومة إلى إلغاء العملية في مايو 2024 والبدء من جديد.
وقال وزير الداخلية كونستانتينوس يوانو، إن السلطات حاولت تسريع العملية، مُشيراً إلى مخاوف أمنية، لكنها لم تتمكن من استيفاء الحد القانوني المطلوب.
وأضاف يوانو: "إذا حدث خطأ ما، فهذا لا يعني بالضرورة أن المسؤول السياسي هو المسؤول".
وتقول الحكومة إنها تعمل الآن على تشغيل النظام الجديد بحلول أوائل العام المقبل، إذ ستسمح التحديثات، نظرياً، للحكومة بإرسال رسائل نصية جماعية إلى السكان المحليين تتضمن تحذيرات من حرائق الغابات ومعلومات وطرق إخلاء.
كما تهدف إلى تمكين السلطات من تحديد مواقع الأشخاص الذين يتصلون بخدمات الطوارئ بشكل أفضل، ولكن لم تكن التكنولوجيا وحدها هي التي عجزت عن ذلك، إذ اشتكى السكان المحليون من أن استراتيجية الإخلاء مُربكة ومُتأخرة.
إلا أن يوانو نفى ذلك، مؤكداً أن الخطط سارت على نحوٍ فعّال، مُشيراً إلى إخلاء العديد من القرى.
وقال مُتخصصون في حرائق الغابات، إن الحكومة تباطأت أيضاً في طلب مساعدة الاتحاد الأوروبي، رغم أن المفوضية الأوروبية والدول المجاورة أرسلت طائرات.
وتجدر الإشارة إلى أن قبرص ليست جزءاً من برنامج الإنقاذ الأوروبي، وهو مبادرة من الاتحاد الأوروبي لتخزين موارد الاستجابة للكوارث وتقاسمها.
أزمة سياسية
وصمدت قبرص بسبب خلافات سياسية بين رئيسها السابق، نيكوس أناستاسيادس، ومفوض الاتحاد الأوروبي السابق في بروكسل، كريستوس ستيليانيدس، الذي أنشأ البرنامج.
ومع اشتعال الحريق، الأسبوع الماضي، قال ستيليانيدس، إن الوقت قد حان لانضمام قبرص إلى البرنامج. وانتقد آخرون رفض الحكومة قبول المساعدة من الجزء الشمالي الذي تحتله تركيا من الجزيرة.
وعلى نطاق أوسع، يقول الباحثون في سياسة مكافحة الحرائق، إن قبرص لم تُطبّق آليات مراقبة حرائق الغابات بشكل كافٍ. وذكر تقرير أعده خبير الحرائق، جافريل زانثوبولوس، أن البلاد بحاجة إلى تعاون أفضل بين خدمة الإطفاء وإدارة الغابات.
بدوره، نفى المتحدث باسم الحكومة، كونستانتينوس ليتيمبيوتيس، إهمال الحكومة، قائلاً: "تم تفعيل جميع الخطط والبروتوكولات التي وُضعت في ظروف غير مسبوقة".
وانقضّ سياسيون من مختلف الأطياف على الحكومة القبرصية، في أعقاب الحرائق، إذ دعا ستيفانوس ستيفانو، زعيم حزب العمال التقدمي اليساري المعارض، الحكومة إلى الاستقالة، بحجة أنها فشلت في الوفاء بمسؤولياتها.
وقالت أنيتا ديميتريو، رئيسة التجمع الديمقراطي (يمين الوسط)، إن اعتذار الرئيس "غير كافٍ".
وقاوم الرئيس كريستودوليديس، السياسي المحافظ الذي ترك حزب التجمع الديمقراطي عام 2023 ليترشح مستقلاً، حتى الآن الدعوات لإسقاطه، لكن التعديل الحكومي أمر لا مفر منه، وفقاً لأندرياس ثيوفانوس، الأستاذ ورئيس المركز القبرصي للشؤون الأوروبية والدولية.
وبدأت الحكومة، الأربعاء الماضي، حملتها لمساعدة الناس على التعافي، إذ أعلن المسؤولون عن تقديم مساعدات مالية فورية لمن فقدوا ممتلكاتهم أو حقولهم الزراعية في حرائق الغابات، كما خصصوا أموالاً لإصلاح البنية التحتية الرئيسية.
وأفادت ماريا بانايوتو، وزيرة التنمية الريفية والبيئة القبرصية، بالخطوات التي اتخذتها الحكومة لتحسين بروتوكول مكافحة حرائق الغابات.
وتمتلك إدارة الغابات في البلاد الآن أكبر قوة عاملة لها منذ سنوات، بالإضافة إلى معدات إضافية للحماية من الحرائق كانت الإدارة تطلبها، كما تتخذ الحكومة خطوات وقائية جديدة، مثل الرعي المُتحكّم فيه والحرق، لأول مرة.