تصاعدت وتيرة التوتر السياسي في لبنان عقب اتخاذ حكومة نواف سلام قراراً بتكليف الجيش اللبناني إعداد خطة لحصر السلاح بيد الدولة قبل نهاية العام، في خطوة اعتبرها "حزب الله" بمثابة استهداف مباشر لما وصفه بـ"سلاح المقاومة"، واعتبرته حركة أمل استعجالاً "لتقديم المزيد من التنازلات المجانية".
وفي بيان شديد اللهجة، وصف "حزب الله" القرار بأنه "خطيئة كبرى" تمس بأسس الدفاع الوطني في وجه العدوان الإسرائيلي - الأميركي، واعتبر قرار حصر السلاح بيد الدولة اللبنانية بمثابة "مخالفة ميثاقية واضحة"، بدعوى انتهاكه للبيان الوزاري الذي التزمت فيه الحكومة بتحرير الأراضي اللبنانية عبر القوى الذاتية، لا عبر الاستجابة لمطالب خارجية، بجسب البيان.
واتهم حزب الله الحكومة بـ"الاستسلام" أمام ضغوط الموفد الأميركي توم براك، واعتبر أن تمرير هذا القرار بمثابة "منح إسرائيل فرصة للعبث بأمن لبنان وجغرافيته"، وانتهى إلى أن الحزب سيتعامل مع القرار على اعتبار أنه "غير موجود"، مشدداً في الوقت نفسه على انفتاحه على الحوار، "لكن فقط في مناخ بعيد عن الضغوط والعدوان"، بحسب تعبيره.
جلسة مجلس الوزراء: قرار مفاجئ وانسحاب وزاري
وخلال جلسة امتدت لأكثر من خمس ساعات، اتخذ مجلس الوزراء اللبناني، الثلاثاء، قراراً بتكليف الجيش اللبناني بإعداد خطة لحصر السلاح بيد الدولة وعرضها قبل نهاية الشهر، في وقت شهد انسحاب وزيري "حركة أمل" و"حزب الله" – تمارا الزين وراكان ناصر الدين – احتجاجاً على تمرير القرار، وسط تضارب بالمواقف داخل الجلسة.
وكشفت مصادر حكومية لـ"الشرق" أن رئيس الحكومة نواف سلام أصرّ على طرح الملف رغم غياب توافق مسبق، معتبراً أن مسار الدولة يفرض اتخاذ هذا القرار.
وجاء القرار مغايراً لتوقعات الثنائي الشيعي، أي "حركة أمل" و"حزب الله"، فبحسب المصادر، دخل وزيرا الثنائي (2 من أصل 4 بسبب سفر وزيري المال ياسين جابر والعمل محمد حيدر في ارتباطات مسبقة) إلى الجلسة على وقع مشاورات واتصالات استمرت حتى اللحظات الاخيرة قبل بداية الجلسة دون الاتفاق على صيغة محددة للتعامل مع ملف السلاح.
وبدلاً من أن تبدأ الحكومة بنقاش البند الأول من جدول الأعمال، وهو بند حصر السلاح، ارتأى الرئيس اللبناني جوزاف عون تأجيله ليصبح البند الأخير.
وعند الوصول إليه استغرق النقاش حوله أكثر من ثلاث ساعات. وقبل أن تنتهي الجلسة بوقت قصير خرج وزيرا الثناني، أي وزير الصحة راكان ناصر الدين والبيئة تمارا الزين من الجلسة ليتبيّن أنهما انسحبا من الجلسة اعتراضاً على قرار الحكومة بملف حصر السلاح، بحسب ما أعلن وزير الاعلام بول مرقص في كلمته.
موقف حزب الله: تصعيد محتمل وتحذير
وأكد حزب الله، في بيانه، الأربعاء، أن خروج ممثليه هو وحركة أمل من الجلسة كان "تعبيراً عن الرفض لهذا القرار، وتعبيراً عن رفض المقاومة بما تمثل من شرائح وازنة من المجتمع اللبناني من كل المناطق والطوائف والأحزاب".
ونقلت مصادر قريبة من "حزب الله" أنه يدرس الخطوات القادمة بالتنسيق مع رئيس مجلس النواب نبيه بري (زعيم حركة أمل)، معتبراً أن ما حصل في الجلسة "تجاوز المسار المتفق عليه".
ولم تستبعد المصادر تصعيداً سياسياً أو شعبيًا في حال تطور الأمور.
ومن المقرر أن تستكل الحكومة اللبنانية، الخميس، النقاش حول ما بات يعرف بـ"الورقة الأميركية"، التي طرحها الموفد الأميركي توماس براك.
وفي ظل تباين المواقف، يبقى مسار ملف السلاح نقطة اختبار حساسة لتماسك الحكومة والواقع اللبناني الذي يرزح تحت ضغوط إقليمية ودولية متشابكة.
حركة أمل: جلسة الخميس فرصة للتصحيح
من جانبها، اتهمت حركة أمل الشيعية، في بيان، حكومه نواف سلام بأنها "تعمل عكس ما جاء في خطاب القسم لرئيس الجمهورية ومخالفة لبيانها الوزاري"، واعتبرت بذلك جلسة الحكومة، المقررة الخميس، "فرصة للتصحيح وعودة للتضامن اللبناني كما كان".
وذكرت الحركة أنه، في ضوء الاعتداءات الإسرائيلية على الأراضي اللبنانية منذ إقرار اتفاق وقف إطلاق النار في 27 نوفمبر عام 2024، كان أولى أن تسخر الحكومة جهودها "لتثبيت وقف النار أولاً ووضع حد لآلة القتل الإسرائيلية التي حصدت حتى الساعة المئات من المواطنين"، بدلاً مما اعتبرته الحركة استعجالاً "لتقديم المزيد من التنازلات المجانية للعدو الإسرائيلي باتفاقات جديدة".
القوات اللبنانية: حصر السلاح قرار متأخر
في المقابل، وصف حزب "القوات اللبنانية" قرار حصر السلاح بيد الدولة بأنه "قرار تاريخي تأخر 21 عاماً".
وقال، في بيان، إن القرار "وَجب اتّخاذه منذ 35 عاماً لولا الانقلاب على وثيقة الوفاق الوطني التي نصّت حرفياً على بسط سلطة الدولة اللبنانية على كامل الأراضي اللبنانية بواسطة قواتها الذاتية”، أو "يصبح نافذاً منذ 21 عاماً لولا الانقلاب على القرار 1559 الذي ارتكز في بنوده على اتفاق الطائف ونصّ حرفياً على حلّ جميع الميليشيات اللبنانية وغير اللبنانية ونزع سلاحها”.
وأضاف أن القرار الحكومي بتكليف الجيش إنهاء السلاح غير الشرعي "وَجب أن يصبح نافذاً منذ 19 عاماً لولا الانقلاب على القرار 1701 الذي نصّ حرفياً على أهمية بسط سيطرة حكومة لبنان على جميع الأراضي اللبنانية وفقاً لأحكام القرار 1559 (2004) والقرار 1680 (2006)، والأحكام ذات الصلة من اتفاق الطائف، وأن تمارس كامل سيادتها، حتى لا تكون هناك أي أسلحة دون موافقة حكومة لبنان ولا سلطة غير سلطة حكومة لبنان".
وتابع بيان "القوات اللبنانية": "وَجب أن يصبح القرار الحكومي نافذاً منذ ثمانية أشهر لولا الانقلاب على اتفاق وقف إطلاق النار الذي نصّ حرفياً على نزع سلاح جميع الجماعات المسلحة في لبنان، بحيث تكون القوات الوحيدة المسموح لها بحمل السلاح في لبنان هي القوات المسلحة اللبنانية (LAF) وقوى الأمن الداخلي ومديرية الأمن العام والمديرية العامة لأمن الدولة والجمارك اللبنانية والشرطة البلدية”.
وانتقد حزب "القوات اللبنانية" موقف جماعة حزب الله من ملف حصر السلاح بيد الدولة اللبنانية، وقال: "بدلاً من أن يعتذر، خرج مهاجماً بوقاحة تامة رئيس الجمهورية جوزاف عون ورئيس الحكومة نواف سلام، وكأن رئيس الجمهورية هو من تسبّب بحرب تموز (يوليو) 2006، أو هو من اتّخذ قرار حرب 7 أيار (مايو) 2008، أو هو مَن اتخذ قرار الحرب ضدّ الشعب السوري، أو هو مَن تسبّب في “حرب الإسناد” وتداعياتها الكارثية على لبنان؛ وكأن أيضاً رئيس الحكومة هو مَن تسبّب في تعطيل الحياة السياسيّة، وهو مَن أخّر تشكيل الحكومات، وهو مَن قاد البلد إلى الانهيار المالي والاقتصادي بسبب حروبه وتحالفه مع أفسد الفاسدين".
وتابع بيان "القوات اللبنانية: "وبعد كل ما أصاب البلد من موت ودمار وخراب وكوارث وويلات وانهيار وتهجير بسبب محور الممانعة، وبعد أن تخلى حلفاء الممانعة عنه وبعدما أصبح عاجزاً عن تأمين مصالحهم، وبعد أن أصبحت الأكثرية الساحقة من الشعب اللبناني مصرةّ على خيار الدولة الفعلية، وبعد أن كان مطلوباً من هذا المحور أن يقوم بمراجعة شاملة لكل ما تسبّب به بحق الوطن والشعب وبيئته تحديداً، وبدلاً من أن يبدِّل في سلوكه التخريبي ومساره الانتحاري، صبّ جام غضبه ضدّ رئيس الجمهورية لأنه التزم بخطاب قسمه، وأظهر أنّه لم يحد قيد أنملة عنه، وصبّ جام غضبه على رئيس الحكومة، لأنّه التزم بالبيان الوزاري ولم يحد قيد أنملة عنه".
واختتم البيان: "لقد وضعت جلسة مجلس الوزراء في 5 آب (أغسطس) لبنان على سكة العودة إلى دولة فعليّة وطبيعيّة، والمدخل لهذه العودة هو الالتزام بالنصوص المرجعية، وهذا تحديداً ما فعله رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة".