تعيين قيادة جديدة في هايتي وسط تهديدات العصابات بالإطاحة بالحكومة

رجل الأعمال لوران سانت سير يتلقى صورة بعد توليه رئاسة المجلس الرئاسي الانتقالي في هايتي، في بورت أو برنس، هايتي. 7 أغسطس 2025 - Reuters
رجل الأعمال لوران سانت سير يتلقى صورة بعد توليه رئاسة المجلس الرئاسي الانتقالي في هايتي، في بورت أو برنس، هايتي. 7 أغسطس 2025 - Reuters
دبي-الشرق

تولى رجل أعمال ثري، الخميس، رئاسة المجلس الرئاسي الانتقالي في هايتي، وهو الكيان المكلف بإعادة النظام إلى بلد يعاني من الانهيار، في وقت تعهد فيه أحد قادة العصابات البارزين بالإطاحة بالحكومة، في مؤشر على التحديات الهائلة التي تواجه القيادة الجديدة.

وجاء تعيين لوران سان سير في المكتب المحصن للمجلس بالعاصمة بور أو برنس، حيث تسيطر العصابات على نحو 90% من الأحياء، ليشكل سابقة في تاريخ هايتي، إذ يتولى أفراد من القطاع الخاص في آن واحد منصبي الرئاسة الدورية ورئاسة الوزراء، وهما المنصبان اللذان يتقاسمان السلطة التنفيذية في البلاد، بحسب "أسوشيتد برس".

وكان سان سير قد بدأ مسيرته المهنية في شركة تأمين محلية، في حين أن رئيس الوزراء الحالي أليكس ديدييه فيلس-إيميه سبق له أن أدار شركة إنترنت في هايتي.

وقال سان سير خلال مراسم تنصيبه: "بلادنا تمرّ بإحدى أخطر الأزمات في تاريخها، ليس وقت الخطابات الجميلة... بل وقت التحرك". 

قائد عصابة يتوعد الحكومة

وقبيل تنصيب سان سير بساعات، صعّدت فيدرالية العصابات المسلحة "فيف أنسانم" من نبرتها، إذ توعّد زعيمها جيمي شيريزييه، الشهير بلقب "باربيكيو"، بالإطاحة بالحكومة.

وظهر شيريزييه في مقطع مصوّر بثّ عبر وسائل التواصل الاجتماعي، مرتدياً سترة واقية للرصاص وحاملاً بندقية آلية، موجهاً نداءً إلى السكان: "يا شعب هايتي، احموا أنفسكم وساندونا في معركتنا من أجل تحرير البلاد".

وطالب السكان بالسماح لعصابته بالتحرك بحرية عبر الأحياء للوصول إلى مكتب المجلس الانتقالي، فيما شهدت مناطق من العاصمة إطلاق نار كثيف.

بعثة أممية تتصدى لمحاولات الهجوم

وأصدرت البعثة الأمنية المدعومة من الأمم المتحدة والتي تقودها قوات كينية بياناً أكدت فيه إحباطها لمحاولات هجوم عبر تسيير دوريات على مدار الساعة، وتعزيز وجودها المسلح حول البنية التحتية الحيوية.

وقال البيان: "كانت العصابات المسلحة تخطط لزعزعة الاستقرار الوطني وجعل البلاد غير قابلة للحكم".

دعوات لاستعادة هيبة الدولة 

وخلال كلمته، شكر سان سير جميع الجهات الوطنية والدولية التي دعمت هايتي، مشدداً على أهمية دور القطاع الخاص الذي وصفه بـ"محرك الاقتصاد"، رغم تأكيده أنه سيمثل جميع المواطنين دون تمييز.

وسبق لسير أن ترأس غرفة التجارة الأميركية في هايتي وغرفة التجارة والصناعة الوطنية، وسيعمل جنباً إلى جنب مع رئيس الوزراء فيلس-إيميه، الذي تولى سابقاً رئاسة نفس الغرفة.

وأكد سان سير أن الأمن هو الأولوية القصوى، داعياً القوات المسلحة إلى تكثيف عملياتها، والمجتمع الدولي إلى إرسال مزيد من الجنود وتوفير التدريب والدعم لمهمة تفتقر إلى الموارد والمعدات. 
 
وقال بلهجة حادة: "يجب أن نستعيد سلطة الدولة... إن التحديات التي نواجهها لا ترتبط فقط بانعدام الأمن، بل أيضاً بنقص الشجاعة والرؤية والمسؤولية".

ووجه انتقاداً حاداً إلى الحكومة متسائلاً عن سبب عجزها في تقديم خدمات أساسية مثل الصحة والتعليم، قبل أن يختم بالقول: "سيدي رئيس الوزراء، تحمّل مسؤولياتك!".

اتهامات بتجاهل العنف الجنسي

في سياق متصل، وجهت 58 منظمة من الولايات المتحدة ودول أخرى رسالة إلى سان سير، اتهمت فيها المجلس بتجاهل التزاماته القانونية تجاه النساء والفتيات في هايتي، مشيرة إلى أن الاغتصاب الجماعي بات ظاهرة مستشرية نتيجة الانفلات الأمني.

وقالت المنظمات في رسالتها: "العنف الجنسي تصاعد بشكل مقلق، والحكومة غائبة تماماً عن مراكز الإيواء حيث تحتاج الناجيات إلى أبسط الخدمات".

تشكيك في نوايا النخبة الاقتصادية

وفي الشارع الهايتي، بدأ البعض بالتعبير عن قلقهم من تسلُّم القطاع الخاص زمام الحكم، وسط اتهامات قديمة للنخب السياسية والاقتصادية بتمويل وتسليح العصابات. 
 
وقالت مارلين جان-بيير، معلمة تبلغ من العمر 44 عاماً، وهي تزور صديقة لها في أحد مستشفيات العاصمة: "النخب كانت دائماً تريد السيطرة على السلطة، والآن حصلت عليها... لم أعد أملك أي أمل في التغيير. النساء الشابات يتعرضن للاغتصاب، والأسر تتفكك".

لكن في المقابل، احتشد عشرات المواطنين مرتدين قمصاناً بيضاء ويحملون صور سان سير تأييداً له، قبل أن تندلع اشتباكات بين مؤيديه ومعارضيه في وقت لاحق من اليوم.

وعلّق أحد أنصاره بالقول: "حتى وإن كان من ذوي البشرة الفاتحة والشعر الناعم، فهو هايتي".

الوضع الأمني يزداد تأزماً

مع اقتراب مراسم التنصيب، انتشرت تحذيرات على وسائل التواصل الاجتماعي تدعو المواطنين إلى توخي الحذر. 
 
وجاء في إحدى الرسائل: "من هم في العاصمة، ستسمعون إطلاق نار من أمامكم وخلفكم… كونوا على أهبة الاستعداد!". 
 
وسجلت تقارير محلية سقوط شخص وإصابة آخر أثناء دخولهما بور أو برنس، فيما أظهرت مقاطع فيديو جثة امرأة داخل سيارة. 

كما استمر إطلاق النار الكثيف في وسط العاصمة، وأفادت وسائل إعلام محلية بوقوع إصابات، فيما سُمعت انفجارات لطائرات مُسيّرة تابعة للشرطة. 
 
وفي منطقة كينسكوف الزراعية التي كانت هادئة يوماً ما، وردت تقارير عن تجدد أعمال العنف.

وقالت البعثة الأممية إنها فقدت مدرعتين بعد أن علقتا في خنادق حفرتها العصابات، مضيفة أن الشرطة الكينية تعرضت لهجوم بزجاجات المولوتوف لكنها "صمدت بشجاعة وألحقت أضراراً جسيمة بالمهاجمين"، بينما أُصيب 3 عناصر بجروح طفيفة.

وظهرت مشاهد لمسلحين يضحكون ويحتفلون حول مدرعة محترقة، وأحدهم يهتف متحدياً: "تعالوا وخذوها إن استطعتم!".

نداء لتوفير مزيد من القوات

في تقرير نُشر، الخميس، أوضحت البعثة الأممية أنها تضم 991 عنصراً فقط، أي أقل بكثير من الهدف المحدد بـ 2500، كما أن صندوقها المالي يحتوي على 112 مليون دولار فقط من أصل 800 مليون سنوياً. 
 
وأشارت إلى أنها لا تملك دعماً جوياً، ولا يمكنها نشر أكثر من 200 عنصر في وقت واحد بسبب نقص الآليات والمعدات.

وأضاف التقرير أن الحكومة لا تزال "هشة"، وأن الخلافات السياسية داخل المجلس الانتقالي شلت عمل الحكومة وشجعت العصابات.

ومؤخراً اختطفت العصابات في كينسكوف 8 أشخاص من دار أيتام، بينهم مبشرة أيرلندية وطفل يبلغ 3 سنوات، ولا يزال مصيرهم مجهولاً.

الأزمة مستمرة منذ اغتيال الرئيس

وتفاقمت الأزمة الأمنية منذ اغتيال الرئيس جوفينيل مويس في يوليو 2021، ما أدى إلى نزوح أكثر من 1.3 مليون شخص خلال السنوات الأخيرة.

وبحسب مكتب الأمم المتحدة في هايتي، فقد سقط ما لا يقل عن 1520 شخصاً وأُصيب أكثر من 600 بين أبريل ويونيو، 60% منهم خلال عمليات أمنية ضد العصابات، و12% في هجمات نفذتها مجموعات دفاع ذاتي. 

تصنيفات

قصص قد تهمك