وقّع الرئيس الأذربيجاني إلهام علييف ورئيس الوزراء الأرميني نيكول باشينيان بحضور الرئيس الأميركي دونالد ترمب بالبيت الأبيض، الجمعة، على اتفاق سلام يهدف لإنهاء 4 عقود من الصراع.
وقال ترمب خلال اجتماع مع علييف وباشينيان، إن البلدين اتفقا على الالتزام بوقف القتال لـ"الأبد"، مشيراً إلى أنهما سيعملان على فتح المجال أمام التعاملات التجارية والعلاقات الدبلوماسية، كما سيحترمان سيادة البلدين.
كما أعلن عن "مبادرة ترمب للسلام والازدهار الدوليين" الهادفة لـ"تسهيل الحوار وبناء العلاقات بين أذربيجان وأرمينيا، ما يسمح بالتواصل دون عوائق بين البلدين وشعبيهما".
وكان البلدان قد أعلنا في مارس الماضي، أنهما اتفقا على نص مسودة اتفاق سلام، لكن التقدم منذ ذلك الحين كان بطيئاً.
وفيما يلي نظرة على تاريخ الصراع بين أرمينيا وأذربيجان، وأبرز العقبات التي كانت تحول دون إبرام اتفاق سلام دائم.
لماذا تتصارع أرمينيا وأذربيجان؟
أرمينيا وأذربيجان، الجارتان في منطقة جنوب القوقاز، خاضتا صراعاً منذ السنوات الأخيرة للاتحاد السوفيتي حول منطقة ناجورنو قره باغ الجبلية والتي تقع في الجهة الجنوبية من سلسلة جبال قره باغ، ضمن حدود أذربيجان.
المنطقة، التي يسميها الأرمن "آرتساخ"، معترف بها دولياً كجزء من أذربيجان، لكن حتى عام 2023 كان سكانها البالغ عددهم قرابة 100 ألف نسمة في غالبيتهم العظمى من الأرمن.
وتحت مظلة الاتحاد السوفيتي، أصبحت ناجورنو قره باغ منطقة ذات حكم ذاتي ضمن جمهورية أذربيجان، وتمتعت باستقلال حقيقي لعقود بعد انهيار الاتحاد السوفيتي عام 1991.
ويعود الصراع الدموي حول قره باغ إلى أكثر من قرن، لكن هناك حربان كبيرتان اندلعتا منذ أواخر ثمانينيات القرن الماضي.
الحرب الأولى
الحرب الأولى في قره باغ كانت بين عامي (1988-1994)، وأودت بحياة أكثر من 30 ألف شخص، وتشريد أكثر من مليون آخرين، معظمهم من الأذريين الذين أُجبروا على مغادرة منازلهم عندما سيطر الجانب الأرمني على قره باغ إضافة إلى 7 مناطق محيطة بها.
ومنذ عام 1994 وحتى 2015، أظهرت الحوادث المميتة المتقطعة، بما في ذلك استخدام أسلحة ثقيلة على الخطوط الأمامية، وأنشطة قوات العمليات الخاصة، الخطر الدائم المتمثل في اندلاع الحرب.
ثم في أبريل 2016، هزت 4 أيام من القتال العنيف عند الخط الفاصل، المنطقة، وأودت بحياة المئات من الجانبين، في ظل روايات متضاربة حتى اليوم عن العدد الدقيق للضحايا.
وبدأ التصعيد في وقت مبكر من صباح الثاني من أبريل 2016 بصدامات بين القوات الأرمينية والأذربيجانية على طول الخط الفاصل، ثم تطورت إلى قتال مباشر.
وعلى الرغم من توسط روسيا للتوصل إلى وقف لإطلاق النار في الخامس من أبريل، إلا أن الاضطرابات استمرت حتى الحادي عشر من أبريل.
وأدَّى هذا التصعيد الأخير إلى سيطرة أذربيجان على المزيد من الأراضي في إقليم ناجورنو قره باغ والأراضي المجاورة لأول مرة منذ وقف إطلاق النار في عام 1994.
حرب ثانية في قره باغ
وبعد عقود من الاشتباكات المتقطعة، بدأت أذربيجان عملية عسكرية عام 2020 تحولت إلى حرب ثانية في قره باغ، حيث حققت "انتصاراً حاسماً" خلال 44 يوماً، من خلال استعادت المناطق السبع ونحو ثلث قره باغ نفسها.
وفي نوفمبر 2021، أسفر اشتباك حدودي بين البلدين عن سقوط 15 من جنود أرمينيا وأسر 12 وفقد يريفان لموقعين قتاليين.
وفي سبتمبر 2023، شنّت القوات الأذربيجانية هجوماً على ما تبقى من قره باغ، وسرعان ما وافق الطرف الأرمني على وقف إطلاق النار.
وغادر تقريباً جميع الأرمن الباقين في المنطقة، البالغ عددهم نحو 100 ألف شخص، إلى أرمينيا كلاجئين.
محادثات السلام
أما خطوات التقدم باتجاه التوصل إلى اتفاق سلام فكانت بطيئة نوعاً ما، رغم أن الجانبين أبديا رغبتهما بالتوقيع على معاهدة لإنهاء النزاع، وذلك عقب نزوح الآلاف من سكان قره باغ.
وفي عام 2024، بدأت أرمينيا إعادة بعض الأراضي المتنازع عليها إلى أذربيجان، بما في ذلك عدة قرى غير مأهولة على طول الحدود المشتركة.
وقد أثار هذا التحرك جدلاً واسعاً في أرمينيا، وأشعل احتجاجات في شوارع العاصمة يريفان.
المسألة الدستورية
وكانت مسألة الدستور الأرميني تُعد إحدى العقبات الرئيسية أمام توقيع اتفاق سلام، إذ تطلب أذربيجان من أرمينيا تغيير ديباجة الدستور التي تتضمن إشارة إلى إعلان الاستقلال الصادر عام 1990 والذي تحدث عن قرار مشترك عام 1989 يدعو إلى إعادة توحيد أرمينيا وناجورنو قره باغ التي كانت حينها منطقة ذات حكم ذاتي داخل أذربيجان السوفيتية.
وبينما ترى باكو، أن الإشارة إلى قره باغ في الدستور الأرميني تمثل مطالبة ضمنية بأراضٍ أذربيجانية، دعا رئيس الوزراء الأرميني باشينيان هذا العام، إلى إجراء استفتاء لتغيير الدستور، لكن لم يتم تحديد موعد له بعد.
ومن المقرر أن تجري الانتخابات البرلمانية بأرمينيا في يونيو 2026، وسط توقعات بأن يتم صياغة الدستور الجديد قبل التصويت.
ممر بري
عقبة أخرى كانت أمام إبرام اتفاق السلام وهي ممر عبور مقترح يمتد نحو 32 كيلومتراً عبر أرمينيا، ويربط الجزء الرئيسي من أراضي أذربيجان بإقليم نخجوان الأذربيجاني، وهو جيب على حدود تركيا.
وترغب أذربيجان بإنشاء هذا الممر، لكنها لا تريد أن تتحكم أرمينيا فيه خشية أن تقوم الأخيرة بإلغاء حق المرور بسرعة.
وقد اقترحت الولايات المتحدة تولي إدارة الممر المزمع إنشاؤه، لكن أرمينيا تعاملت بحذر مع الفكرة، نظراً لحساسيتها السياسية بالنسبة لباشينيان قبل انتخابات العام المقبل.