تراجع الملياردير الأميركي إيلون ماسك عن تأسيس حزب جديد، مبدياً تردده في تنفير الجمهوريين ذوي النفوذ من فكرة إنشاء حزب ثالث قد يجذب أصوات ناخبي الحزب الجمهوري، حسبما أفادت مصادر مطلعة لصحيفة "وول ستريت جورنال" الأميركية.
وأعلن ماسك، يوليو الماضي، تأسيس "حزب أميركا"، وذلك بعد يوم من توجيهه سؤالاً لمتابعيه على منصة "إكس" عمّا إذا كان ينبغي تأسيس حزب سياسي جديد في الولايات المتحدة، بعد تعمق خلافه مع الرئيس دونالد ترمب، بعد إقرار قانون التخفيضات الضريبية والإنفاق، المعروف باسم "القانون الكبير والجميل".
وذكرت الصحيفة أن ماسك ركز مؤخراً على الحفاظ على العلاقات مع نائب الرئيس جي دي فانس، واعترف لمقربين منه بأن تشكيل حزب سياسي من شأنه أن يضر بعلاقته مع فانس.
ويُمثل موقف ماسك الجديد تحولاً عن أوائل الشهر الماضي، عندما قال إنه سيُشكل حزباً ثالثاً، لتمثيل الناخبين الأميركيين غير الراضين عن الحزبين السياسيين الرئيسيين (الجمهوري والديمقراطي).
وقال مقربون من ماسك إنه لم يستبعد رسمياً تأسيس حزب جديد، وقد يغير رأيه مع اقتراب انتخابات التجديد النصفي، لكن ماسك وفريقه لم يتواصلوا مع العديد من الشخصيات البارزة التي أعربت عن دعمها لفكرة حزب جديد أو التي يمكن أن تكون مورداً أساسياً لمساعدته على الانطلاق، بما في ذلك من خلال المساعدة في وضع اسم الحزب على قوائم الاقتراع في الولايات الحاسمة.
وسيكون أي قرار يتخذه ماسك بإلغاء خطط تأسيس حزب ثالث فوزاً للجمهوريين قبل انتخابات التجديد النصفي العام المقبل.
ولم يجرِ مستشارو ماسك السياسيين لماسك أي محادثات مع الرئيس التنفيذي لشركة "تسلا" أو دائرته المقربة بشأن مساعدته في تشكيل حزب سياسي، لكن مخضرمي الحملات السياسية الجمهورية، قالوا إن ماسك "سيواجه صعوبة في توظيف شبكة مستشاري الحزب الجمهوري التي اعتمد عليها خلال انتخابات 2024، حين أنفق الملايين لدعم ترمب".
وقال السياسيون الجمهوريون إنه إذا ساعده هؤلاء المستشارون أنفسهم في تأسيس حزب، فإنهم سيخاطرون بتدمير علاقتهم بترمب وحلفائه بشكل دائم.
ويستخدم الحزب الليبرالي الأميركي منشورات على وسائل التواصل الاجتماعي لتشجيع ماسك على توحيد جهوده معه بدلاً من تأسيس حزبه الخاص، إذ يؤكد الحزب أنه يمتلك بالفعل الموارد والمعرفة اللازمة لتطبيق أفكار ماسك من خلال المساعدة في جمع توقيعات الناخبين اللازمة للترشح.
وفي الإطار، صرح ستيفن نخيلة، رئيس اللجنة الوطنية الليبرالية، في مقابلة أنه "لم يتلق أي أخبار من ماسك أو فريقه، ولم يتلق أي أنباء عن أي جهد جاد من قبل حلفاء الملياردير لتأسيس حزب جديد".
وقال نخيلة: "يسود صمتٌ غريب. لا يبدو أن أي شيء قد بدأ ينفذ، لا على مستوى الولاية ولا على مستوى القاعدة الشعبية".
"علاقات دافئة" مع فانس
وبينما كان يفكر في تأسيس حزب، ركز الرئيس التنفيذي لشركة "تسلا" جزئياً على الحفاظ على علاقاته مع نائب الرئيس جي دي فانس، الذي يُنظر إليه على نطاق واسع على أنه وريث محتمل لحركة "لنجعل أميركا عظيمة مجدداً" السياسية.
وظل ماسك على اتصال مع فانس في الأسابيع الأخيرة، وأقرّ لمساعديه بأنه إذا مضى قدماً في تشكيل حزب سياسي، فسيُضر بعلاقته مع نائب الرئيس.
وأفاد بعض المقربين من ماسك وشركائه بأنه يفكر في استخدام بعض موارده المالية الضخمة لدعم فانس، حال قرر الترشح للرئاسة عام 2028، إذ أنفق ماسك ما يقرب من 300 مليون دولار لدعم ترمب وجمهوريين آخرين في انتخابات 2024.
وعندما طُلب منه التعليق، أشار متحدث باسم فانس إلى مقابلة أجراها نائب الرئيس هذا الشهر مع موقع "جيت واي بونديت"، وهو موقع إلكتروني محافظ.
وقال فانس في المقابلة، إنه من الخطأ الانفصال عن ترمب والحركة المحافظة، مضيفاً: "لذا آمل أن يعود إلى صفوف المحافظين نوعاً ما بحلول موعد انتخابات التجديد النصفي".
وتاريخياً، غالباً ما تعمل الأحزاب الثالثة في دور "المفسد"، إذ تجذب الأصوات بعيداً عن الحزبين الرئيسيين، لكن بالنسبة لفانس، قد يكون الحفاظ على ماسك إلى جانبه أمراً محورياً لطموحاته الرئاسية المحتملة.
وفي عام 2024، أنفقت لجنة العمل السياسي التابعة لماسك America PAC، ملايين الدولارات في ولايات متأرجحة مثل بنسلفانيا لمساعدة ترمب على الفوز.
تقارب بين ترمب وماسك
وكان ماسك قد دخل في خلاف علني مع ترمب في وقت سابق من هذا العام، زاعماً أن الرئيس "لن يجلس في المكتب البيضاوي دون دعمه"، ومنتقداً حزمة الضرائب والإنفاق واسعة النطاق التي دافع عنها ترمب.
في يوليو الماضي، صرّح ماسك لأكثر من 200 مليون متابع له على منصة "إكس" بأنه سينشئ "حزب أميركا" بهدف المنافسة في انتخابات مجلسيْ النواب والشيوخ العام المقبل.
وجادل بأن القانون الكبير والجميل، الذي يدعمه ترمب يتضمن إنفاقاً حكومياً مفرطاً، وهدد ماسك، الذي أشرف على لجنة الكفاءة الحكومية قبل مغادرته إدارة ترمب في أواخر مايو الماضي، بدعم التحديات الأولية ضد الجمهوريين الذين صوتوا لصالح مشروع القانون.
وهناك مؤشرات على أن ماسك وترمب قد وصلا إلى حالة من التقارب على الأقل في الوقت الحالي، إذ توقفا عن المشاحنات على وسائل التواصل الاجتماعي، ولم ينشر ماسك مؤخراً أي شيء على منصة X ينتقد ترمب أو الجمهوريين.
وقال ترمب في منشور عبر منصة Truth Social أواخر يوليو، إنه يريد لماسك وشركاته أن تنجح، مضيفاً أن "نجاحها مفيد للبلاد".
وكان ترمب قد أثار سابقاً إمكانية إنهاء عقود ماسك الفيدرالية، لكن الإدارة أجرت مراجعة لعقود "سبيس إكس" وخلصت إلى أن معظم هذه الاتفاقيات ضرورية لعمل وزارة الدفاع والإدارة الوطنية للملاحة الجوية والفضاء.
وقد تستفيد شركة "سبيس إكس"، التي يشرف عليها ماسك بصفته رئيساً تنفيذياً، من الأمر التنفيذي الذي وقّعه ترمب الأسبوع الماضي، والذي وجّه الإدارة بتخفيف قواعد السماح برحلات الصواريخ.