وجه المبعوث الأميركي توم باراك إهانة للصحافيين اللبنانيين خلال المؤتمر الذي عقده في القصر الرئاسي ببيروت الثلاثاء، بعد لقائه ووفد من الكونجرس مع الرئيس جوزاف عون، ووصف سلوكهم بأنه "فوضوي" و"حيواني".
وقال باراك للصحافيين وسط محاولات توجيه الأسئلة له وللوفد إن عليهم أن "يتصرفوا بتحضر ولطف، وإنه في اللحظة التي يصبح فيها الوضع فوضوياً وحيوانياً، سنغادر من هنا". وكان المؤتمر يهدف للتعريف بنتائج اللقاءات التي أجراها في إسرائيل بشأن الانسحاب من جنوب لبنان، ومشاوراته في لبنان بشأن حصر السلاح.
وألقى الوفد الأميركي الذي ضم السيناتور ليندسي جراهام، والسيناتور جين شاهين وعضو مجلس النواب جو ويلسون كلمة أولاً، ثم طلبت منسقة المؤتمر من باراك أن يصعد إلى المنصة، ليلقي كلمة، وطلبت من الجميع العودة إلى مقاعدهم.
ورد باراك الذي أمسك بالمايكروفون قائلاً: "لا، لا، لا، لن أصعد إلى هناك"، وطلب من نائبته مورجان أورتاجوس الصعود للمنصة، قبل أن يقول "انتظروا دعونا نضع قاعدة واحدة".
"هذه هي مشكلة ما يحدث بالمنطقة"
وصعد باراك على المنصة وقال: "اصمتوا للحظة، أريد أن أخبركم بشيء، في اللحظة التي يصبح فيها الأمر فوضوياً وحيوانياً، سنغادر. إذا أردتم أن تعرفوا ما الذي يحدث (في زيارته للبنان ولإسرائيل)، تصرفوا بشكل متحضر، بلطف، بتسامح، لأن هذه هي المشكلة في ما يحدث في المنطقة".
وتابع: "أرجوكم، هل تعتقدون أن هذا ممتع بالنسبة لنا؟ هل تظنون أنه من المجدي لي ولمورجان (أورتاجوس)، أن نكون هنا، وأن نتحمل هذا الجنون؟ سنعطيكم إجابات، بما يتوافق مع لطفكم، واهتمامكم، وأسئلتكم المدروسة، إذا لم يكن هذا هو الأسلوب الذي تفضلون التعامل به، فسوف نغادر".
وواصل باراك كلامه بالقول: "هل هذا مقبول للجميع؟"، وبعدها قاطعه صحافي بسؤال، ليرد "لا يمكنني حتى الحصول على دقيقتين"، قبل أن يتابع حديثه بالثناء على نائبته، ويبدأ الإجابة عن الأسئلة في المؤتمر.
غضب من تصريحات باراك
وأثارت طريقة باراك، موجة انتقادات واسعة في بيروت، كما عبّرت الرئاسة اللبنانية عن أسفها للوصف الذي وُجِّه للإعلاميين، وطالبت نقابة محرري الصحافة باعتذار علني من باراك، ولوّحت بخطوات تصعيدية.
وقالت نقابة محرري الصحافة اللبنانية، في بيان، إن الإعلام اللبناني تعرض خلال مؤتمر صحافي في القصر الرئاسي اللبناني في بعبدا لمعاملة "خارجة عن أصول اللياقة والدبلوماسية"، مشيرة إلى أنه "من المؤسف أكثر أنها صدرت عن مبعوث دولة عظمى يقوم بدور دبلوماسي كما هو معروف".
واستغربت النقابة أن "يبادر باراك بوصف تصرّف رجال وسيدات الإعلام في القصر الجمهوري "بالحيواني"، مؤكدة أن الأمر" غير مقبول على الإطلاق، بل مستنكر جداً".
وذكرت النقابة أن البيان "موجّه إلى شخص باراك خاصة، وإلى مسؤولي الدبلوماسية الأميركية عموماً"، داعية فيه إلى تصحيح ما بدر عنه من خلال إصدار بيان اعتذار علني".
ورأت النقابة أن "عدم صدور مثل هذا البيان قد يدفع نقابة محرري الصحافة اللبنانية إلى الدعوة لمقاطعة زيارات واجتماعات الموفد الأميركي كخطوة أولى على طريق إفهام من يلزم أن كرامة الصحافة والصحافيين ليست رخيصة، ولا يمكن لأي موفد مهما علت درجته أن يتجاوزها".
الرئاسة اللبنانية تأسف للواقعة
بدورها، عبّرت رئاسة الجمهورية اللبنانية، عن أسفها بشأن الوصف الذي صدر من توم باراك، مشددة على احترامها المطلق لكرامة الشخص الإنساني بشكل عام.
وقالت الرئاسة اللبنانية في بيان: "نجدد تقديرنا الكامل لجميع الصحافيين والمندوبين الإعلاميين المعتمدين لدينا بشكل خاص" موجهة إليهم كل التحية على جهودهم، وتعبهم لأداء واجبهم المهني والوطني.
"كرامة الإعلام اللبناني"
وفي السياق، عبر مكتب وزير الإعلام بول مرقص، عن أسفه لما بلغه من تصريح صدر عن "أحد الموفدين الأجانب"، تجاه مندوبي وسائل الإعلام في القصر الرئاسي.
وقال البيان: "يأسف مكتب وزير الإعلام بول مرقص، الموجود خارج لبنان، لما بلغه من تصريح صدر عن أحد الموفدين الأجانب تجاه مندوبي وسائل الإعلام في القصر الجمهوري".
وأضاف: "نؤكد على أن الإعلام اللبناني والزميلات والزملاء الإعلاميين يقومون برسالة نبيلة في نقل الخبر والحقيقة، رغم كل الصعوبات والتحديات، ضمن المهنية والالتزام"، مشدداً على أنّه يحرص على كرامة كل فرد منهم ومكانتهم على نحو مطلق ويعتزّ بهم.
فيما قالت النائبة اللبنانية المستقلة بولا يعقوبيان، الثلاثاء، إن ما صدر عن باراك "مُستهجَن، ولا ينتقص من مكانة الصحافة اللبنانية، بل يكشف مدى انهيار صورة الدبلوماسية الغربيّة، وانحطاطها في أبسط قواعد الاحترام والتخاطب الدبلوماسي".
وأضافت: "الصحافة في لبنان، رغم كلّ الصعوبات، تبقى ركيزة الحرية وصوت الناس، أما ذهنية الاستعلاء والتعاطي المتعجرف مع هذا البلد وصحافته، فهي سقوط مدوٍّ أخلاقياً ودبلوماسياً قبل أن تكون إساءة للصحافة اللبنانيّة".
وقال النائب غياث يزبك على منصة "إكس": "مهما علا شأن الشخصية السياسية أو غير السياسية، ومهما بلغ انزعاجها من الإعلاميين، فللجسم الصحافي وممثلي وسائل الإعلام حصانتهم".
وأضاف: "أمام هذه الحصانة تتهاوى الأمزجة وتنهار الفوقيات، ما قاله توم باراك للصحافيين، ومن قصر بعبدا، مرفوض ويتعين عليه الاعتذار، وعلى الصحافة، إن لم يحصل ذلك، أن تتوقف عن تغطية ما تبقى من نشاطه، وكل نشاط مقبل له، فالبكاء من دون موقف يشجع المرتكب على المزيد".