صوّت البرلمان الفرنسي، الاثنين، بإسقاط حكومة رئيس الوزراء فرانسوا بايرو بسبب خططها لكبح جماح الدين العام المتضخم، ما فاقم الأزمة السياسية، وأوكل إلى إيمانويل ماكرون مهمة اختيار خامس رئيس وزراء في أقل من عامين، فيما قال قصر الإليزيه إن الرئيس الفرنسي سيعين رئيس وزراء جديداً في الأيام المقبلة.
وأوضح مصدر حكومي أن رئيس الوزراء الفرنسي سيقدّم استقالته رسمياً إلى ماكرون، الثلاثاء، وفق ما نقلت قناة "فرانس 24" الفرنسية.
وقالت الرئاسة الفرنسية في بيان إن رئيس الجمهورية أخذ علماً بنتيجة تصويت النواب بموجب المادة 49.1 من الدستور، وأنه سيستقبل بايرو، الثلاثاء، لقبول استقالة حكومته.
وتولى بايرو البالغ من العمر 74 عاماً، منصب رئيس الوزراء قبل 9 أشهر فقط. ويتعين عليه الآن تقديم استقالته، تاركاً ماكرون أمام خيارات محدودة، في ظل مؤشرات على قلق الأسواق المالية إزاء الأزمة السياسية والمالية في فرنسا.
من أصل 573 نائباً في الجمعية الوطنية (البرلمان)، صوّتت أغلبية كبيرة من النواب، بلغ عددهم 364 نائباً، لصالح إسقاط حكومة بايرو بسبب خططه لكبح الدين العام، في حين صوّت 194 نائباً فقط لصالحه.
فرط المديونية في فرنسا
وفي كلماته الختامية، قبل تصويت النواب بدا أن بايرو قد قبل مصيره، شاكراً فريقه على الأشهر التسعة الماضية.
وقال إن العمل كان يمضي بسلاسة كبيرة جداً، مشيراً إلى أن ما يحدث اليوم سيصبح الآن جزءاً من التاريخ، وسيؤثر على كيفية "الحكم" على الطبقة السياسية الفرنسية من قبل التاريخ.
كما حذر رئيس الوزراء الفرنسي من أن فرط المديونية في فرنسا يهدد استقرار الدولة واقتصادها، مؤكداً أن أي حكومة لاحقة ستواجه المشكلات نفسها.
وقال مخاطباً النواب: "لديكم القدرة على إسقاط الحكومة، لكن ليس لديكم القدرة على طمس الواقع. سيظل الواقع قاسياً... النفقات ستواصل الارتفاع وعبء الدين، الذي هو كبير جدا بالفعل، سيزداد ثِقلاً وكلفة".
"حكومة عابرة للأحزاب"
وخلال الجلسة دعا رئيس الوزراء السابق الذي يتزعم حزب الرئيس إيمانويل ماكرون الوسطي، إلى تشكيل حكومة عابرة للأحزاب تعمل للمصلحة العامة لمدة 18 شهراً لإدارة البلاد حتى بلوغ الانتخابات الرئاسية المقبلة في 2027 التي يتوقع أن يترشح فيها بحسب مجلة "بوليتيكو".
وأضاف: "للمستقبل، دعونا لا ننخدع. سنحتاج إلى إعادة فحص كل شيء، ومراجعة كل شيء، وإعادة بناء كل شيء".
وحث رئيس الوزراء السابق الأحزاب السياسية الأخرى على التعاون وإجراء تسويات، معتبراً أن عقد التسويات "شجاعة"، وأن فرنسا تختنق بسبب جبن أولئك الذين يفضلون الانتظار ورؤية الجمود كوسيلة انتخابية.
وتابع: "بلادنا تختنق من المعايير، والقيود، والشكوك التي تمنع العمل العام وتفسد حياة الناس".
وقال النائب البارز في حزب التجمع الوطني، جان-فيليب تانجي، للصحافيين إن حزبه اليميني المتطرف لن يدعم إنشاء حكومة تقنية تتألف من خبراء خارج المجال السياسي، مشيراً إلى أن التقنيين "غالباً هم الأقل كفاءة".
وقد طُرحت فكرة الحكومة التقنية في الصحافة الفرنسية، كوسيلة محتملة للخروج من الجمود السياسي الذي شل فرنسا في الأشهر الأخيرة.
وأضاف تانجي أنه يعتقد أن الحكومات التقنية "غير موجودة"، لأن الجميع يحمل آراء سياسية.
عزل ماكرون
وبعد دقائق من إعلان نتيجة تصويت النواب، تحدث زعيم الحزب الاشتراكي، بوريس فالو، في البرلمان، وأكد أن معسكره مستعد للحكم واقتراح "مسار سياسي آخر غير مسار إيمانويل ماكرون الذي قادنا إلى هذا المأزق".
ومضى يقول: "نقترح أيضاً طريقة أخرى لقدرة البرلمان على بناء أغلبية على أساس المقترحات التي سنعرضها لو دُعينا إلى الحكومة".
وأضاف: "نحن مستعدون لتحمّل مسؤولياتنا مع اليسار والناشطين البيئيين، بروح جمهورية وبرلمانية".
أما زعيم اليسار الراديكالي، جان لوك ميلنشون، فطالب ماكرون بالمغادرة بعد سقوط حكومة بايرو.
واتفقت معه رئيسة كتلة حزب "فرنسا الأبية"، ماتيلد بانو، قائلة: "المسألة التي تواجه البلاد هي رحيل رئيس الجمهورية".
وتابعت: "أمام هذا الخداع الذي يخرج إلى النور، فإننا لا نريد رئيس وزراء آخر يواصل نفس السياسة"، وذلك قبل أن تعلن أن كتلتها البرلمانية ستقدم الثلاثاء اقتراحاً لعزل رئيس الجمهورية، وفق ما جاء في صحيفة "لوموند" الفرنسية.
وندّدت بانو بأن ما يحدث هو "أوليجارشيا جشعة"، وقالت لبايرو: "المستقبل ليس لكم لأنكم تشعرون جيداً بأنكم من الماضي"، وأضافت بأن نحو ألف مليار يورو من الديون تراكمت تحت رئاسة إيمانويل ماكرون، وفق ما نقلت قناة "فرانس 24" الفرنسية.
من جانبها، طالبت زعيمة حزب الخضر، مارين توندولييه، ماكرون باستقبال زعماء أحزاب اليسار قبل تعيين رئيس وزراء جديد.