أعلن الرئيس الأميركي دونالد ترمب، الأربعاء، تنكيس أعلام بلاده بعد اغتيال الناشط اليميني البارز تشارلي كيرك، إثر تعرضه لإطلاق نار خلال فعالية داخل حرم إحدى الجامعات في ولاية يوتا.
كيرك، الذي توفي عن عمر ناهز الـ31 عاماً، كان رئيساً لمنظمة "تيرنينج بوينت يو إس إيه" (Turning Point USA) وهي منظمة يمينية غير ربحية، وأكبر وأكثر المنظمات الشبابية المحافظة نفوذاً في الأوساط اليمينية، لعب دوراً محورياً في زيادة شعبية ترمب بين الناخبين الشباب، ما حفظ له مكانة قريبة من الرئيس الأميركي.
كيرك.. ورقة ترمب الرابحة في الانتخابات
في تصريحات أدلى بها نهاية مايو، أرجع دونالد ترمب الفضل في فوزه بأصوات الناخبين الشباب في الانتخابات الأخيرة إلى ناشط ثلاثيني من تيار (لنجعل أميركا عظيمة مرة أخرى) MAGA، هو تشارلي كيرك.
لسنوات، ظل كيرك وجهاً بارزاً في أوساط اليمين الأميركي، لا سيما الشباب؛ إذ حقق جانباً من شهرته عبر منصات التواصل الاجتماعي، وهي الساحة التي نصح كيرك باستغلالها.
فبحسب ترمب، كان تشارلي كيرك أول من نصح بمد الحملة الانتخابية إلى "تيك توك"، ما كان له "الأثر الأكبر" ـ وفق تصريحات الرئيس ـ في الفوز بقطاع كبير من أصوات الناخبين الأصغر سناً.
وتعكس استجابة ترمب لنصيحة كيرك ثقة الرئيس في نجاحات حققها الناشط الشاب، الذي أسس وهو في الـ18 من عمره، منظمة Turning Point USA أو (TPUSA)، بهدف "تثقيف الطلاب على مبادئ الوطنية واحترام الحياة والحرية والأسرة والمسؤولية المالية".
TPUSA.. مشروع "صبيّ" لحشد الجمهوريين
وفق تقرير "بلومبرغ"، كان تشارلي كيرك، الشاب اليميني حديث التخرج من المدرسة الثانوية، في عام 2012، يوشك على مغادرة مؤتمر وطني للحزب الجمهوري في تامبا، بولاية فلوريدا، حين صادف المليونير الجمهوري فوستر فريس.
استجمع الشاب الصغير جرأته حينها، وبادر بعرض مقترح على الممول الثري، يتمثل في "منظمة متشعبة" لمواجهة المجموعات الليبرالية في الجامعات.
راقت الفكرة لفريس فقرر تمويلها، لتخرج منظمة Turning Point إلى النور، وبحسب تصريحات كيرك في عام 2015، ففي غضون 3 سنوات، تمددت المنظمة لأكثر من 800 موقع في الجامعات والمدارس الثانوية على مستوى الولايات المتحدة.
وتنوعت أنشطة المنظمة، بين تنظيم الفعاليات والحملات التي تهدف إلى مواجهة الأيديولوجيات الليبرالية أو المساعدة في حشد وتسجيل الناخبين الشباب المحافظين من طلبة الجامعات في قواعد الانتخابات.
وبعد ذلك بعام واحد، كان الجمهوريون على موعد مع سباق رئاسي محموم، سيتحدون فيه خلف مرشحهم، دونالد ترمب.
وخلال مؤتمر الحزب الجمهوري في عام 2016، قال تشارلي كيرك إنه "ليس ضمن أشد المعجبين بترمب"، لكنه تعهد بأن يسخّر منظمته الصاعدة لدعم مرشح الحزب لانتخابات الرئاسة آنذاك.
وفيما نجح ترمب في الوصول إلى البيت الأبيض، فقد ساعدت جهود TPUSA كيرك، بجانب شهرته كشخصية إعلامية ومقدم لبث إذاعي (بودكاست) بعنوان "ذا تشارلي كيرك شو" في دخول دائرة ترمب الضيقة، حين نشأت صداقته بدونالد ترمب الابن، نجل الرئيس ترمب، وهي الصداقة التي قرّبت كيرك من الرئيس، وفقاً لصحيفة "نيويورك تايمز".
وبحسب الصحيفة الأميركية، زادت عوائد منظمتين غير ربحيتين كان كيرك يرأسهما قبل اغتياله، وهما TPUSA، وTurning Point Action، من 4.3 مليون دولار في عام 2016 إلى 92.4 مليون دولار في عام 2023.
"أوقفوا السرقة".. انتخابات 2020
خلال إدارة ترمب الأولى، وفي عام 2019، أصبح كيرك رئيساً لرباطة تعرف باسم "طلاب من أجل ترمب"، التي انضوت لاحقاً تحت مؤسسته TPAction.
وبحسب شبكة FOX News الأميركية، كان هدف الرابطة آنذاك تسجيل "مليون طالب مؤيد لترمب" في سجلات الناخبين استعداداً لاستحقاق 2020.
وبميزانية بلغت 15 مليون دولار، جنّد كيرك 150 عضواً في تلك الرابطة، كما حدّد هدفاً لكل عضو منهم، تمثّل في تحديد وتسجيل 1400 طالب مناصر لدونالد ترمب في قوائم الناخبين على مستوى البلاد.
لكن نتائج انتخابات عام 2020، التي انتهت بهزيمة ترمب أمام جو بايدن، لم ترض مناصري تيار MAGA، ومن بينهم كيرك.
كان كيرك من المشككين في نتائج انتخابات 2020، التي أسفرت عن فوز المرشح الديمقراطي جو بايدن، كما رفع كيرك شعار "أوقفوا السرقة"، الذي تبناه ترمب وأنصاره حينها.
غير أن جهود الناشط اليميني لم تقف عند التصريحات؛ فقد ذكر تقرير لصحيفة "واشنطن بوست" أن منظمته TPUSA مولّت حافلات لنقل مؤيدي ترمب للاحتجاج أمام مقر الكونجرس في السادس من يناير، الذي شهد اقتحام الكابيتول الأمر الذي رفض كيرك مراراً، ووصفه بـ"التمرد".
ولاحقاً، شارك السياسي الشاب في مؤتمرات سياسية لترمب في عام 2021، وقتما وجّه بعض مسؤولي إدارته انتقاداتهم لعدم قبوله نتائج الانتخابات، وعلى رأس هؤلاء نائبه السابق، مايك بنس.
وفي حملة إعادة انتخاب ترمب للرئاسة، نظم تشارلي كيرك جولة لزيارة عشرات الجامعات، دعماً لزعيم حركة ماجا، ولمواجهة ما وصفه كيرك حينها بأنه "غسيل دماغ" تعرض له الطلبة الأميركيون لتشويه صورة دونالد ترمب.
اختبارات الولاء.. ولاية ترمب الثانية
وأفادت تقارير إعلامية بأن الخلافات بين ترمب وأعضاء إدارته السابقة كانت سبباً في أن يشدّد الرئيس الأميركي معايير اختيار مرشحيه لتولي المناصب المختلفة في الإدارة الثانية.
وبحسب تقرير نشرته "نيويورك تايمز"، مطلع العام، انضم كيرك إلى فريق مقرب من ترمب، عَهَدَ إليه الرئيس بمهمة "فحص ولاء" المرشحين المحتملين لشغل مناصب في البيت الأبيض.
كما أشارت الصحيفة إلى أن الناشط المقرب من ترمب كان حاضراً في اجتماعات الرئيس المنتخب آنذاك لمناقشة مرشحيه للمناصب الوزارية في إدارته الجديدة.
لكن هذه لم تكن المرة الأولى، التي يُشار فيها إلى ما تصفه "نيويورك تايمز" بأنه "اختبار للولاء". ففي ديسمبر، وبعد شهر من إعادة انتخابه، كشفت الصحيفة الأميركية عن لقاءات أجريت مع مرشحين لمناصب في وزارة الدفاع (الحرب حالياً)، ووكالات استخباراتية أخرى.
وشملت أسئلة اختبارات الولاء هذه نقاطاً، من بينها رؤية المرشحين لإصلاح "وزارة الدفاع"، وموقفهم من نتائج آخر 3 انتخابات رئاسية، فضلاً عن نظرتهم لأحداث اقتحام مبنى الكابيتول في السادس من يناير 2021.
وذكرت الصحيفة نقلاً عن مصادر في الفريق الانتقالي للرئيس المنتخب آنذاك، أن كيرك كان ضمن من المجموعة التي باشرت تلك الاختبارات على المرشحين للمناصب الكبرى.
وقال جون هورجان الأستاذ المختص في دراسات العنف السياسي بجامعة ولاية جورجيا لـ"الشرق"، إن كيرك كان بمثابة "نائب شبه رسمي" للرئيس ترمب، لافتاً إلى "دوره المحوري" في حشد الناخبين اليمنيين من الشباب في أنحاء البلاد.
المناظرة الأخيرة.. حق حمل السلاح
على مدار سنوات نشاطه السياسي، اعتاد تشارلي كيرك تنظيم فعاليات في الجامعات تحت مظلة منظمته TPUSA، تشمل مناظرات بينه وبين طلاب داخل الحرم الجامعي، حول قضايا من بينها حقوق المثليين والمتحولين جنسياً، والإجهاض وملفات أخرى ذات اهتمام من تيار اليمين المحافظ الأميركي.
وشهدت جامعة فالي يوتا، آخر تلك المناظرات تحت شعار "اثبت لي أنني مخطئ"؛ إذ نقلت شبكة CBS News عن شهود عيان أن كيرك كان يناظر أحد الرافضين لحوادث إطلاق النار الجماعي.
وقال شهود العيان إن كيرك كان يتحدث "بنبرة ساخرة" بشأن مدى انتشار الأسلحة، مشدداً على تمسّكه بالمادة الثانية من الدستور، والتي تضمن حق المواطنين في حمل الأسلحة، قبل أن تنطلق الرصاصة فوراً نحو رقبة كيرك، لتودي بحياته.
هل يزيد العنف السياسي بعد اغتيال كيرك؟
واعتبر جون هورجان، الأستاذ المختص في دراسات العنف السياسي بجامعة ولاية جورجيا، أن كيرك كان "تجسيداً حرفياً" للسياسي الذي "أثير حوله استقطاب واضح"، مشيراً إلى أن الناشط الراحل كان "حارساً لحرية التعبير" بالنسبة لليمينيين، ولذا فهم يعتبرونه "شهيداً" لرسالته.
في المقابل، لفت هورجان إلى نظرة معاكسة تجاه كيرك من أنصار التيار اليساري أو الديمقراطيين، الذين اعتبروه "محرضاً على الكراهية" ورأوا أن خطابه "ضار سياسياً". وأضاف هورجان أن قتله سيؤدي إلى مزيد من التطرف.
وأوضح جون هورجان، إن دوافع اغتيال كيرك لا تزال غير واضحة، لافتاً إلى أن قتل الناشط اليميني "يأتي ضمن سلسلة من حوادث الاعتداء والقتل التي طالت سياسيين بارزين محسوبين على اليمين واليسار في الأشهر الأخيرة".
وكانت ولاية مينيسوتا قد ألقت القبض، في شهر يونيو، على مشتبه في قتل النائبة الديمقراطية في مجلس الولاية التشريعي، ميليسا هورتمان وزوجها، بالرصاص، كما ألقت السلطات بالاتهام على المشتبه به في محاولة نواب ديمقراطيين آخرين في الولاية.
ووصف حاكم الولاية تيم والز، قتل هورتمان وزوجها بأنه "جريمة اغتيال لها دوافع سياسة".
مخاوف من تصاعد العنف
وقال هورجان، إن هذه الحوادث مجتمعة تبرز "كيف تحولت الولايات المتحدة مؤخراً إلى بؤرة للاضطراب السياسي".
بدوره، ذكر ماكس أبراهام، الباحث في مكافحة الإرهاب بمجلس السياسات الخارجية الأميركي، لـ"الشرق" أن كيرك، الذي حظي بشعبية كبيرة في أوساط المحافظين الأميركيين، قد يصبح "بطلاً أسطورياً" في خطاب اليمنيين بعد اغتياله.
وأشار أبراهام إلى منشور ترمب عبر منصة تروث سوشيال، والذي أعلن فيه اغتيال تشارلي كيرك برصاصة في الرقبة، ووصف الناشط الراحل بأنه "عظيم" و"أسطوري".
وحذّر ماكس أبراهام من أن يؤجج ذلك الحادث العنف السياسي في الولايات المتحدة، مرجحاً أن يزيد اغتيال كيرك من "تطرف" بعض أنصار اليمين الأميركي، قائلاً إن "الإرهاب دائما ما تكون له انعكاسات سياسية".
وأضاف ماكس أن اغتيال كيرك "لن يكون استثناءً لهذه القاعدة".
وألقى ترمب، الأربعاء، باللوم في اغتيال كيرك على ما وصفه بـ "اليسار المتطرف" خلال كلمة متلفزة للشعب الأميركي، وهو الوصف الذي تبناه نشطاء ينتمون لتيار MAGA.
واستبعد جون هورجان، أن تتراجع مستويات العنف السياسي في المستقبل القريب، "في ظل الافتقار إلى دعوات سياسية بارزة للتهدئة، واستخدام لغة تزيد الغضب وتنتزع الإنسانية عن الخصوم السياسيين".