المتظاهرون استخدموا BitChat باتصالاتهم وDiscord في اختيار رئيسة الحكومة المؤقتة

وسائل التواصل الاجتماعي في نيبال.. "برلمان بديل" ومنصة احتجاج لـ"جيل زد"

فتاة تستخدم هاتفها الذكي في تصوير القاعة الرئيسية لمبنى البرلمان في نيبال بعد أن أضرم فيه المتظاهرون النار خلال احتجاجات مناهضة للفساد في كاتماندو. 11 سبتمبر 2025 - REUTERS
فتاة تستخدم هاتفها الذكي في تصوير القاعة الرئيسية لمبنى البرلمان في نيبال بعد أن أضرم فيه المتظاهرون النار خلال احتجاجات مناهضة للفساد في كاتماندو. 11 سبتمبر 2025 - REUTERS
القاهرة -محمد عادل

شهدت نيبال أكبر أحداث عنف سياسي منذ عقود، بعد أيام من احتجاجات مناهضة للفساد، أُطلق عليها "احتجاجات جيل زد"، استخدم فيها الشباب المحتجون الإنترنت والتقنيات الحديثة، ومنصات التواصل الاجتماعي، في الإطاحة بالحكومة وتحقيق مطالبهم بشأن الحكومة الجديدة المؤقتة التي ستقود البلاد خلال فترة الانتقال السياسي.

وحضت رئيسة وزراء نيبال المؤقتة الجديدة، سوشيلا كاركي، التي تولت منصبها، قبل أيام، على "الهدوء والتعاون لإعادة بناء" البلاد بعد أيام من احتجاجات شبابية غير مسبوقة، اندلعت الأسبوع الماضي، وأودت بحياة عشرات الأشخاص، وتدمير مبانٍ حكومية ومنازل سياسيين.

وتولت رئيسة المحكمة العليا السابقة، سوشيلا كاركي، رئاسة الحكومة مؤقتاً، بعد أن طرح قادة الاحتجاج الشباب، اسمها على منصة "ديسكورد" للتواصل الاجتماعي، وجرى تكليفها بإجراء انتخابات برلمانية جديدة تحدد موعدها في الخامس من مارس المقبل.

بدأت المظاهرات الحاشدة، التي أطلق عليها اسم "احتجاجات جيل زد"، في إشارة إلى مواليد منتصف تسعينيات القرن الماضي، في 8 سبتمبر بسبب حظر منصات التواصل الاجتماعي الذي لم يدم طويلاً، بعد أن خرج النيباليون ومعظمهم من الشباب الغاضبين إلى شوارع العاصمة ومدن أخرى الأسبوع الماضي، في أكبر أحداث عنف سياسي تشهدها البلاد منذ عقود.

وخلال الأسابيع التي سبقت الحظر، انتشرت حملة على منصات التواصل الاجتماعي بعنوان "أبناء المحسوبية" Nepo Kids، سلطت الضوء على أنماط الحياة المترفة لأبناء القادة السياسيين، إلى جانب اتهامات بالفساد.

وسرعان ما تحولت الاحتجاجات إلى أعمال عنف، حيث هاجم المتظاهرون مبنى البرلمان وردت الشرطة بإطلاق الغاز المسيل للدموع والرصاص المطاطي لتفريق المحتجين، الذين أحرق بعضهم مباني حكومية، منها المحكمة العليا والبرلمان ومراكز للشرطة، إضافة إلى منازل سياسيين ومقرات شركات خاصة ما دفع رئيس الوزراء، كيه بي شارما أولي، الذي فر من مقر إقامته الرسمي إلى الاستقالة، الثلاثاء الماضي.

وعاد الهدوء بعد أن سيطر الجيش على الشوارع في تلك الليلة، وبدأت المفاوضات بين المتظاهرين والجيش والرئيس بشأن تشكيل حكومة مؤقتة.

وعُيّنت كاركي (73 عاماً)، رئيسة جديدة للوزراء في 12 سبتمبر، وكانت شخصية مشهورة بعدما أصبحت أول رئيسة للمحكمة العليا في عامي 2016 و2017، وعُرفت بمواقفها ضد الفساد.

وسيلة بديلة للتواصل

في مطلع سبتمبر الجاري، أقدمت حكومة نيبال على حظر 26 منصة للتواصل الاجتماعي، شملت كبرى التطبيقات مثل فيسبوك وإنستجرام ويوتيوب و"إكس".

وبررت السلطات قرارها بضرورة التزام الشركات الأجنبية بقوانين جديدة تفرض تسجيل عملياتها داخل البلاد، وتعيين ممثل محلي لها، إلا أن هذه الخطوة أشعلت الشارع النيبالي، خصوصاً بين جيل الشباب المعروف بـ"Gen Z"، الذي اعتبر القرار "اعتداءً مباشراً" على حرية التعبير وتقييداً لفضائه الرقمي.

قبل إعلان الحكومة قرارها في الرابع من سبتمبر، تحوّلت خدمة التراسل BitChat، المعتمدة على البلوتوث دون الحاجة إلى إنترنت، فجأة إلى أداة مركزية في حياة آلاف الشباب.

سودان جورونج مؤسس حركة
سودان جورونج مؤسس حركة "هامي نيبال" التي كانت عنصراً رئيسياً في الاحتجاجات عقب مؤتمر صحافي في العاصمة كاتماندو. 14 سبتمبر 2025 - REUTERS

وشكّل التطبيق وسيلة بديلة للتواصل في ظل توقعات بقطع الإنترنت بالكامل، وأصبح يُوصى باستخدامه في منتديات مثل Reddit حيث تبادل النيباليون طرقاً للتغلب على الحجب.

في ذروة الاحتجاجات في يوم 8 سبتمبر، سجّل BitChat أكثر من 48 ألف تحميل داخل نيبال في يوم واحد، وهو ما يعادل نحو 38% من إجمالي تنزيلاته حول العالم في ذلك الوقت. 

كما انتشر التطبيق في إندونيسيا، التي كانت تشهد بدورها احتجاجات سياسية، ليتجاوز عدد مرات تحميله هناك 11 ألف عملية تحميل.

ويؤكد مطوّر إصدار الخدمة على أندرويد، المعروف باسم Calle، أن التطبيق ليس مجرد أداة تواصل، بل مشروع مقاوم للرقابة على غرار بيتكوين، إذ يتيح للمستخدمين التواصل بحرية بعيداً عن أي سلطة مركزية.

وأضاف أن فريق التطوير يعمل حالياً على دمج وظائف مالية عبر بروتوكول Cashu الذي يتيح إرسال واستقبال مدفوعات بعملة بيتكوين بشكل مشفّر، بحيث يمكن حتى لإيموجي أن يحمل قيمة مالية.

هذا التوجه يعكس طموحاً لتحويل التطبيق من مجرد وسيلة مراسلة محلية إلى بنية تحتية للتواصل والتجارة الآمنة، خصوصاً في البيئات الخاضعة للرقابة الحكومية. وقد وصف جاك دورسي مؤسس منصة "تويتر" التي تحولت لاحقاً إلى "إكس"، والمشارك في تطوير التطبيق، BitChat بأنه "هناك عندما تحتاجه"، مشيراً إلى الطفرة المفاجئة في التنزيلات سواء في نيبال أو في إندونيسيا.

شرارة الاحتجاجات

لم تمض أيام قليلة على الحظر حتى اندلعت مظاهرات ضخمة في العاصمة كاتماندو، حيث نزل آلاف الطلاب والشباب إلى الشوارع، معبّرين عن غضبهم ليس فقط من الحظر، بل أيضاً من الفساد السياسي والفوارق الاجتماعية.

وانتشرت وسوم مثل #NepoKids على منصات التواصل قبل الحجب، في إشارة إلى أبناء السياسيين الذين يتفاخرون بحياة البذخ والسفر المترف على منصات مثل Instagram، بينما يعاني معظم الشعب من صعوبات معيشية.

هذه الحملة الرقمية ساهمت في إذكاء الغضب الشعبي، وأدت إلى اتساع نطاق المظاهرات.

في الثامن من سبتمبر، شهدت البلاد يوماً دموياً، سقط فيه ما لا يقل عن 19 متظاهراً خلال مواجهات مع قوات الأمن، بينما أصيب مئات آخرون. وبدلاً من أن ينجح الحظر في تهدئة الشارع، أدى إلى نتائج عكسية، إذ اتسع نطاق الاحتجاجات ليشمل فئات أخرى من المجتمع، ما دفع رئيس الوزراء، كي بي شارما أولي، لتقديم استقالته، فيما تولى الجيش فرض النظام في العاصمة.

برلمان رقمي مواز

في ظل هذا الفراغ السياسي، تحولت منصة "ديسكورد" Discord إلى ما يشبه "برلماناً افتراضياً"، إد اجتذب خادم أنشأته منظمة مدنية تُعرف باسم Hami Nepal أكثر من 145 ألف مستخدم خلال أربعة أيام فقط، ليصبح مركزاً للنقاش السياسي المفتوح.

داخل هذا الفضاء الافتراضي، جرى تنظيم قنوات متخصصة للإعلانات والتحديثات والأخبار العاجلة والتأكد من صحة المعلومات، إضافة إلى قنوات للنقاشات العامة وتبادل الآراء.

ومع اشتداد الأزمة، بدأ المشاركون في المنصة، التصويت على أسماء مرشحين محتملين لقيادة المرحلة الانتقالية. برزت أسماء عدة من بينها السياسي السابق، ساجار دهاكال، والمدير السابق لهيئة الكهرباء، كول مان جيسينج، لكن التوافق استقر على سوشيلا كاركي، الرئيسة السابقة للمحكمة العليا.

ولم يقتصر الأمر على النقاش الافتراضي، بل انتقلت قرارات هذا "البرلمان الرقمي" إلى الواقع، إذ التقت كاركي بالرئيس، رام تشاندرا بوديل، وقائد الجيش، أشوك راج سيجديل، قبل الإعلان رسمياً في 12 سبتمبر عن توليها منصب رئيسة الوزراء، لتصبح أول امرأة تشغل هذا المنصب في تاريخ نيبال. ومن المقرر أن تستمر حكومتها الانتقالية حتى موعد الانتخابات البرلمانية في مارس 2026.

دور حاسم

لعبت التكنولوجيا دوراً حاسماً في تشكيل مسار تطورات التغيير السياسي في نيبال. فقد وفرت BitChat أداة مقاومة للرقابة تُمكّن المحتجين من التواصل حتى في غياب الإنترنت، بينما أتاح Discord منصة للنقاش السياسي وصناعة القرار، بل والمشاركة في اختيار قيادة مؤقتة للبلاد.

ويرى مراقبون أن الحكومة النيبالية "أساءت تقدير" قوة منصات التواصل الاجتماعي، إذ لم تدرك أن محاولة تقييدها قد تتحول إلى شرارة لانفجار سياسي واسع.

كما أكدت منظمات دولية مثل Access Now، وهي منظمة غير ربحية مقرها نيويورك، تركز على الحقوق المدنية الرقمية، أن السلطات كانت تسعى من خلال التشريعات إلى فرض صلاحيات واسعة تسمح لها بمنع فئات كاملة من المحتوى بحجة "معلومات مضللة" أو "تهديد السلم الاجتماعي"، لكن النتيجة جاءت عكسية تماماً.

ففي غضون أيام فقط، قفزت اشتراكات خدمات الشبكات الافتراضية الخاصة (VPN)؛ مثل ProtonVPN بنسبة 6000%، ما يعكس حجم التمسك الشعبي بالفضاء الرقمي الحر.

ورغم أن هذه التجارب الرقمية لا تضمن بالضرورة استقراراً سياسياً طويل الأمد، فإنها أبرزت أن مستقبل الاحتجاج والحوار السياسي قد يتشكل في فضاءات افتراضية، حيث تتقاطع الحرية مع التكنولوجيا في صياغة نموذج جديد للديمقراطية في القرن الحادي والعشرين.

تصنيفات

قصص قد تهمك