لندن ودبلن تطويان خلافاتهما بخطة شاملة لكشف حقائق صراع إيرلندا الشمالية

وزير الدولة البريطانية لشؤون إيرلندا الشمالية هيلاري بين ونائب رئيس الوزراء الإيرلندي سيمون هاريس يتحدثان إلى وسائل الإعلام عقب نشر إطار عمل مشترك فيما يتعلق بالتعامل مع إرث الصراع في أيرلندا الشمالية. 19 سبتمبر 2025 - reuters
وزير الدولة البريطانية لشؤون إيرلندا الشمالية هيلاري بين ونائب رئيس الوزراء الإيرلندي سيمون هاريس يتحدثان إلى وسائل الإعلام عقب نشر إطار عمل مشترك فيما يتعلق بالتعامل مع إرث الصراع في أيرلندا الشمالية. 19 سبتمبر 2025 - reuters
دبي-الشرق

توصلت الحكومتان البريطانية والإيرلندية إلى اتفاق قد يمهّد الطريق لإعادة فتح التحقيق في مئات جرائم القتل المثيرة للجدل التي وقعت خلال صراع إيرلندا الشمالية، بحسب مجلة "بوليتيكو".

ويشمل اتفاق "إرث الصراع" الفترة الكاملة الممتدة على مدى ثلاثة عقود من العنف في إيرلندا الشمالية، التي أودت بحياة أكثر من 3600 شخص قبل اتفاق "الجمعة العظيمة" للسلام عام 1998 الذي توسطت فيه الولايات المتحدة، إذ يشمل ذلك قرابة 250 شخصاً قتلتهم تفجيرات وعمليات إطلاق نار في إنجلترا وجمهورية إيرلندا. 

وأعلن وزير شؤون إيرلندا الشمالية البريطاني هيلاري بين ووزير الخارجية الإيرلندي سيمون هاريس، في مؤتمر صحافي مشترك، الجمعة، عن خطط لتأسيس مسار غير مسبوق لتقصي الحقائق، يتيح للعائلات التي أنهكتها التفجيرات وعمليات إطلاق النار معرفة المسؤولين الحقيقيين عن تلك الجرائم.

وقال هاريس في المؤتمر الصحافي الذي عُقد في مقر إقامة وزير شؤون إيرلندا الشمالية الرسمي في قلعة "هيلز بورو" قرب بلفاست: "واجبنا المشترك هو ضمان ألا تنتقل الصدمات والآلام إلى جيل آخر". 

من جانبه، قال بين إن منح الحصانة "لم يكن ليحظى أبداً بقبول شعبي كافٍ، وكان سيتسبب بألم ومعاناة عميقة لكثيرين في إيرلندا الشمالية". وأضاف أن أي أدلة تكشفها لجنة الإرث يمكن استخدامها لاحقاً في قضايا جنائية محتملة. 

وأكد المسؤولان أن الهدف الرئيسي هو مساعدة العائلات في الحصول أخيراً على أجوبة من خلال مزيج من التحقيقات الجديدة، وشهادات من شهود أو مشاركين في الهجمات، إضافة إلى مراجعة سجلات حكومية كانت سرية لفترة طويلة. 

ورغم صمود وقف إطلاق النار بين الجيش الجمهوري الإيرلندي والجماعات شبه العسكرية الموالية لبريطانيا منذ منتصف التسعينيات، لا يزال المحاربون القدامى في تلك التنظيمات المحظورة يرفضون الاعتراف بمسؤوليتهم عن فظائع بعينها. 

ويعكس تمسكهم بالصمت، رغبتهم في تفادي السجن جراء الإقرار بجرائمهم، إضافة إلى خشيتهم من أن تستخدم عائلات الضحايا أي اعترافات كأساس لدعاوى تعويض.  

"لا حصانة" 

ولن تمنح الهيئة الجديدة المقترحة لتقصي الحقائق، والتي ستُعرف باسم "لجنة الإرث"، أي عفو مشروط للمسلحين السابقين مقابل الإدلاء بالحقيقة، بدعوى أن هذا النهج كان سيعرض الحكومتين لمخاطر سياسية كبيرة، في حال كشف المقاتلون السابقون عن مدى تعاونهم مع الشرطة أو الجيش أو أجهزة الاستخبارات. 

فقد جندت مجموعة من الأجهزة الأمنية البريطانية والإيرلندية عملاء داخل جميع الجماعات المسلحة غير الشرعية، ويؤكد بعض ممثلي الضحايا أن تلك الأجهزة لعبت أحياناً دوراً رئيسياً في تقرير من يعيش ومن يُقتل بهدف حماية عملائها، لكن الخطط التي كُشف عنها لم توضّح ما إذا كانت "لجنة الإرث" ستلاحق هذه الاتهامات بالتحقيق.

وكانت حكومة المحافظين السابقة في بريطانيا قد حاولت طي هذا الملف نهائياً عبر "قانون الإرث" الذي أنهى التحقيقات الجنائية والاستقصاءات القضائية المتعلقة بجرائم "الصراع". 

وصدر هذا القانون عام 2023 بهدف أساسي هو حماية الجنود البريطانيين السابقين من ملاحقات قضائية بشأن جرائم قتل تعود لعقود، إذ واجه معارضة شاملة من جميع الأحزاب السياسية في إيرلندا الشمالية، كما رفعت جمهورية إيرلندا دعوى قضائية ضده أمام المحكمة الأوروبية، فضلاً عن إدانته من مجلس أوروبا. 

ويمثل ذلك تحولاً عن النهج الذي تبنته حكومة المحافظين عام 2023، إذ كانت تخطط لهيئة لتقصي الحقائق مخوّلة بمنح حصانة للمسلحين السابقين مقابل اعترافات كاملة وصادقة لضحاياهم. لكن محكمة في بلفاست رفضت سريعاً مبدأ الحصانة هذا واعتبرته غير قانوني. 

شراكة متساوية 

ومن أبرز ما يميز الاتفاق الحكومي الجديد عن تشريع المحافظين السابق، أنه يُطرح باعتباره شراكة متكافئة بين لندن ودبلن، في انعكاس لمستوى الثقة والتعاون الذي سبق أن مهّد الطريق لتحقيق اختراق تاريخي في اتفاق "الجمعة العظيمة". 

ووصف هاريس الاتفاق الجديد بأنه "تحسن جذري" مقارنة بتشريع المحافظين، مؤكداً أن حكومته ستتيح الوصول إلى سجلات كانت محجوبة سابقاً تتعلق بجرائم "الصراع"، كما ستؤسس وحدة تحقيق خاصة في مقر الشرطة الوطنية الإيرلندية "جاردا شيوكانا" لدعم هذا الجهد. 

وسيتطلب تنفيذ الالتزامات تمرير تشريعات جديدة في كل من دبلن ولندن، وهو ما سيستغرق عدة أسابيع على الأقل. ومن المتوقع أن تسحب الحكومة الإيرلندية دعواها القضائية ضد بريطانيا في إطار هذه العملية. 

وستتجنب أي تحقيقات لـ"لجنة الإرث" ازدواجية العمل مع التحقيقات المدنية والجنائية الجارية بالفعل، بما في ذلك لجنة تقصي الحقائق حول تفجير "الجيش الجمهوري الإيرلندي الحقيقي" في منطقة أوماغ عام 1998، ومحاكمة جندي بريطاني في قضية "الأحد الدامي" عام 1972.

تصنيفات

قصص قد تهمك