وجهت إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترمب، الوكالات الفيدرالية للاستعداد لموجة فصل "واسعة النطاق" لموظفي الحكومة الفيدرالية، في حال حدوث إغلاق جزئي محتمل للحكومة، الأسبوع المقبل، ما أثار موجة انتقادات ديمقراطية، وتحذيرات من تداعيات اقتصادية.
وفي مذكرة صدرت، ليل الأربعاء، قال مكتب الإدارة والميزانية في البيت الأبيض OMB، إنه ينبغي أن تدرس الوكالات تقليص عدد الموظفين في البرامج الفيدرالية التي سينتهي تمويلها الأسبوع المقبل، والتي لن يجري تمويلها بطريقة أخرى، و"لا تتفق مع أولويات الرئيس"، حسبما نقلت وكالة "أسوشيتد برس".
وذكرت الوكالة، الخميس، أن الإجراء سيكون أشد قسوة مقارنة بإغلاقات سابقة، عندما كان يجري تسريح الموظفين الفيدراليين الذين لا يعتبرون أساسيين، ولكنهم يعودون إلى وظائفهم بمجرد موافقة الكونجرس على الإنفاق الحكومي.
وأوضحت أن تخفيض القوى العاملة، لن يؤدي إلى تسريح الموظفين فحسب، بل سيؤدي إلى إلغاء وظائفهم، الأمر الذي سيؤدي إلى اضطراب هائل آخر في القوى العاملة الفيدرالية التي واجهت بالفعل موجات كبيرة من التقليص هذا العام بفضل جهود إدارة الكفاءة الحكومية DOGE، وهيئات أخرى في إدارة ترمب.
وبمجرد انتهاء أي إغلاق محتمل للحكومة، سيُطلب من الوكالات مراجعة خططها لتخفيض عدد الموظفين "حسب الحاجة للاحتفاظ بالحد الأدنى من الموظفين اللازمين لتنفيذ المهام القانونية"، بحسب المذكرة التي أوردتها مجلة "بوليتيكو" لأول مرة.
تداعيات محتملة
وأشارت "بلومبرغ"، إلى أن هذه الخطوة ستمثل تصعيداً كبيراً، يتجاوز بروتوكولات الإغلاق المعتادة خلال السنوات الأخيرة، التي بموجبها عادةً إقالة الموظفين الحكوميين الذين يُعتبرون غير أساسيين في حالة انقطاع التمويل، وإعادتهم في نهاية المطاف عند استعادة التمويل، وكذلك دفع رواتبهم المتأخرة.
وأوضحت أنه في حالة الإغلاق الاعتيادي، يُعتبر 6 من كل 10 موظفين فيدراليين أساسيين ويستمرون في العمل، أما البقية فهم ما يسمى بالموظفين الفيدراليين غير الأساسيين، الذين يُطلب منهم عدم العمل حتى استئناف التمويل، مشيرة إلى أن الفصل الجماعي للموظفين الفيدراليين ربما يكون له تأثير ملموس على النمو الاقتصادي.
ونقلت عن بوبي كوجان، المسؤول السابق في مكتب الإدارة والميزانية في إدارة الرئيس السابق جو بايدن، والذي يشغل الآن منصب كبير مديري سياسة الميزانية الفيدرالية في "مركز التقدم الأميركي" للأبحاث، ومقره واشنطن، قوله: "إذا وضعنا جانباً مسألة القانونية، فإن هذا سيكون عملاً ينطوي على ضرر ذاتي هائل يلحق بالبلاد، ويخلّص البلاد من المواهب والخبرات دون داعٍ. كما أنه ابتزازي. أعطنا ما نريده في معركة التمويل، وإلا سنلحق ضرراً بالبلاد".
وحذرت "أسوشيتد برس" من أن إجراء مكتب الإدارة والميزانية، يزيد إلى حد كبير من تداعيات الإغلاق الحكومي المحتمل الأسبوع المقبل، كما يزيد من الضغط على كل من زعيم الأقلية الديمقراطية في مجلس الشيوخ تشاك شومر، وزعيم الأقلية الديمقراطية في مجلس النواب حكيم جيفريز.
وأبقى الزعيمان الديمقراطيان في الكونجرس جميع نوابهما الديمقراطيين تقريباً متحدين ضد مشروع قانون التمويل، الذي دفع به الرئيس دونالد ترامب والجمهوريون في الكونجرس، والذي من شأنه أن يبقي الحكومة الفيدرالية تعمل لمدة 7 أسابيع أخرى، مطالبين بتحسينات فورية لتمويل الرعاية الصحية مقابل الحصول على أصواتهم.
انتقادات ديمقراطية
وفي تصريحات صدرت بعد فترة وجيزة من صدور المذكرة، لم يُظهر الزعيمان الديمقراطيان، شومر وجيفريز. أي علامات على التراجع عن موقفهما.
وكتب جيفريز في منشور على منصة "إكس": "لن نخاف من تهديدكم بالانخراط في عمليات فصل جماعي"، ووصف رئيس مكتب الإدارة والميزانية روس فوت بأنه "سياسي فاسد خبيث".
وقال جيفريز في تصريحات لـ"بلومبرغ": "يواصل دونالد ترمب اختلاق أسباب لممارسة صلاحيات طارئة غير موجودة، وقد فعل ذلك خارج سياق الإغلاق الحكومي".
وقال شومر في بيان، إن مذكرة مكتب الإدارة والميزانية هي "محاولة ترهيب"، وتوقع أن يلغي القضاء الأميركي "عمليات الفصل غير الضرورية"، أو "سينتهي الأمر بالإدارة إلى إعادة توظيف الموظفين".
وأشار مكتب الإدارة والميزانية في البيت الأبيض، إلى أنه عقد أول مكالمة هاتفية للتخطيط مع الوكالات الفيدرالية الأخرى في وقت سابق من الأسبوع الجاري للتخطيط للإغلاق.
ويلعب مكتب الميزانية دوراً مهماً في إدارة عمليات الإغلاق الحكومي الفيدرالي، لا سيما التخطيط لها مسبقاً. كما نشرت مكاتب الميزانية السابقة خطط طوارئ الإغلاق الحكومي، والتي من شأنها أن تحدد موظفي الوكالات الذين سيبقون في وظائفهم أثناء الإغلاق، وأيهم سيمنحون إجازات مؤقتة، على موقعه الإلكتروني، ولكن هذا المكتب لم يفعل ذلك.
وأشارت المذكرة إلى أن الديمقراطيين في الكونجرس، يرفضون دعم مشروع قانون تمويل حكومي سليم "بسبب مطالبهم الحزبية"، التي تشمل تمديد إعانات التأمين الصحي المعززة التي من المقرر أن تنتهي صلاحيتها في نهاية العام، بالإضافة إلى إلغاء تخفيضات برنامج برنامج "ميديكيد" Medicaid، التي أدرجت في قانون الجمهوريين الكبير لتخفيض الضرائب والإنفاق.
وأضافت المذكرة: "على هذا النحو، لم يكن من المهم أكثر من أي وقت مضى أن تكون الإدارة مستعدة للإغلاق إذا اختار الديمقراطيون السعي إلى ذلك"، كما أشارت أيضاً إلى أن القانون الذي وقع عليه الحزب الجمهوري، وهو حزمة ضرائب كبيرة وحزمة إنفاق حدودية كبيرة، يوفر "موارد كافية لضمان استمرار العديد من أولويات إدارة ترمب الأساسية دون انقطاع".
وذكر مكتب الإدارة والميزانية، إلى أنه طلب من جميع الوكالات تقديم خططها في حالة إغلاق الحكومة بحلول الأول من أغسطس الماضي، مضيفاً: "لقد تلقى مكتب الإدارة والميزانية العديد من طلباتكم ولكن ليس جميعها. يُرجى إرسال خططكم المحدّثة في أسرع وقت ممكن".
جمود في الكونجرس
وذكرت "بلومبرغ"، أن المشرعون حالياً في حالة جمود بشأن كيفية تمويل الحكومة بعد نهاية سبتمبر الجاري، إذ كان المشرعون الديمقراطيون يخططون للاجتماع مع ترمب، الخميس، لكن الرئيس أعلن إلغاء المحادثات بشكل مفاجئ، رافضاً التفاوض بشأن مطالبهم المتعلقة بزيادة تمويل الرعاية الصحية كجزء من صفقة لتفادي إغلاق محتمل للحكومة الفيدرالية.
وكتب ترمب في منشور على منصته "تروث سوشيال"، "أعتقد أنه لا يمكن لأي اجتماع مع قادتهم بالكونجرس أن يكون مثمراً".
ومع استمرار الجمود في الكونجرس، تقترب الحكومة من الإغلاق في الأول من أكتوبر المقبل، إذا فشل مجلسا النواب والشيوخ في تمرير تشريعات التمويل اللازمة لبداية السنة المالية الجديدة. وغادر المشرعون واشنطن وسط التعثّر، على أن يعودوا في 29 سبتمبر.
ولم يبد ترمب خوفاً من الإغلاق الحكومي، إذ سبق أن قاد أطول إغلاق في تاريخ البلاد خلال عطلة الكونجرس (2018-2019)، بسبب إصراره على تمويل الجدار الحدودي مع المكسيك. وأكد الرئيس الأميركي، خلال عطلة نهاية الأسبوع، أن الخدمات الأساسية، بما في ذلك خدمات قدامى المحاربين، ستبقى مفتوحة.
ويحاول الجمهوريون، (الذين يسيطرون على مجلسي النواب والشيوخ)، تفادي الإغلاق، حيث مرر رئيس مجلس النواب مايك جونسون، الأسبوع الماضي، مشروع تمويل مؤقت كان من شأنه إبقاء المؤسسات الحكومية "مفتوحة" حتى نوفمبر، لإتاحة وقت للمفاوضات، لكنه سقط في مجلس الشيوخ بعد رفض الديمقراطيين دعمه لغياب أولوياتهم الصحية.
ويقترح الديمقراطيون، صفقة تشمل تمديد دعم التأمين الصحي المعزز المقرر أن ينتهي نهاية العام، بالإضافة إلى إلغاء تخفيضات برنامج "ميديكيد"، التي أقرها الجمهوريون ضمن حزمة تخفيضات ضريبية وتقشفية سابقة، لكن الجمهوريين وصفوا هذه المطالب بأنها مرفوضة تماماً، معتبرين أن موضوع دعم التأمين الصحي يمكن معالجته لاحقاً خلال الأشهر المقبلة.
وكان الاجتماع المقرر الخميس، سيشكل مواجهة مباشرة في البيت الأبيض، على غرار ما حدث في عام 2018 حين دخل ترمب في جلسة علنية متوترة مع شومر ورئيسة مجلس النواب السابقة نانسي بيلوسي بشأن تمويل الحكومة.