أكد وزير الخارجية المصري بدر عبد العاطي، الخميس، التزام بلاده بمعاهدة السلام الموقّعة مع إسرائيل، وتمسك القاهرة بالسلام بوصفه خياراً استراتيجياً، مشدداً في الوقت ذاته على استعداد مصر الكامل للدفاع عن حدودها، وأشار إلى أن الحلول الدبلوماسية تظل سبيلاً أساسياً لمعالجة الأزمات، وفي مقدمتها القضية الفلسطينية.
وقال عبد العاطي في مقابلة خاصة مع "الشرق"، على هامش اجتماعات الأمم المتحدة في نيويورك، إن مصر "ملتزمة التزاماً كاملاً بمعاهدة السلام الموقعة مع إسرائيل طالما الطرف الآخر ملتزم بها"، مضيفاً أن القاهرة ترفض "التصعيد أو الحلول العسكرية لأي من الأزمات في المنطقة".
وفي ما يتعلق بمطالب إسرائيل من واشنطن بالضغط على مصر لتقليص تعزيزاتها العسكرية الأخيرة في شبه جزيرة سيناء، أوضح عبد العاطي أن القاهرة ردّت على هذه "الادعاءات والأكاذيب (الإسرائيلية) عشرات المرات"، مؤكداً أن "كل ما يُقال عن حشود عسكرية أو انتهاكات مصرية لاتفاقية السلام لا أساس له من الصحة".
وبشأن احتمال نشوب حرب بين مصر وإسرائيل، أكد عبد العاطي "تمسك مصر بخيار السلام كخيار استراتيجي"، موضحاً: "نحن دعاة سلام لا دعاة حرب"، وأشار إلى أن مصر "هي الدولة الرائدة والأولى التي قادت المنطقة نحو السلام".
ولكنه شدد في الوقت ذاته على استعداد بلاده الكامل للدفاع عن حدودها، معلقاً: "هذا أمر مفروغ منه".
وذكر عبد العاطي أن أي تواجد مصري على أرض سيناء يتسق تماماً مع إطار معاهدة السلام، منوهاً إلى أن أي تحرك عسكري مصري في سيناء، يتم بـ"التنسيق الكامل والمستمر مع إسرائيل".
وأضاف: "هناك قوات متعددة الجنسيات موجودة في المنطقة، ولا يمكن أن يحدث أي تحرك دون إبلاغها أو دون علمها".
رسائل واضحة في اجتماع ترمب
وفي ما يتعلق بلقاء الرئيس الأميركي دونالد ترمب في نيويورك، قال عبد العاطي إن مواقف قادة وممثلي الدول العربية والإسلامية الذين شاركوا في الاجتماع كانت واضحة برفض كامل لضم الضفة وتهجير الفلسطينيين، مع التأكيد على ضرورة وقف الحرب الظالمة على الشعب الفلسطيني، وإيجاد أفق سياسي حقيقي لتجسيد الدولة الفلسطينية.
وأشار إلى أن ترمب استمع بـ"إنصات واهتمام"، وكان هناك توجه "إيجابي كبير" من جانبه، حيث تحدث عن أهمية إنهاء حرب غزة، إضافة إلى مسائل أخرى تعالج النقاط التي طرحها القادة العرب والمسلمون، دون توضحيها.
وأعرب عبد العاطي عن أمله في أن يتم خلال الأيام المقبلة بلورة هذه المواقف في إطار خطة أو مبادرة محددة يتم الإعلان عنها فور اعتمادها.
وحول السلوك الإسرائيلي في المنطقة بعد 7 أكتوبر وسط مواقف أميركية متبدلة، ومدى الاستعداد لتصعيد أكبر، أوضح عبد العاطي أن "كل الاحتمالات مطروحة"، لكنه أشار إلى أن "هناك اعتماد على الموقف الأميركي وقيادة الرئيس ترمب، الذي يؤكد دائماً بشكل واضح أنه رئيس للسلام وسيعمل على إنهاء الحرب".
وأضاف: "هناك ثقة في فرض رؤيته (ترمب) وعدم التسامح مع أي طرف يحاول عرقلة هذه الرؤية".
ومع ذلك، أوضح عبد العاطي أن "ثمّة قدر كبير من الشك في أن الجانب الإسرائيلي قد لا يتردد في محاولة الالتفاف على الأفكار والرؤية التي تبنتها الإدارة الأميركية"، ولفت إلى أنه "جرى إبلاغ الجانب الأميركي بهذا السلوك الإسرائيلي"، آملاً في أن يلتزم الجميع بما تعهدوا به ويفرضوا رؤيتهم وإرادتهم.
الاعتراف بالدولة الفلسطينية
وفي شأن موجة الاعترافات الأخيرة بالدولة الفلسطينية، اعتبر عبد العاطي ما حدث إنجازاً للدول العربية والمجموعة الإسلامية، مشيراً إلى أن مؤتمر حل الدولتين، وما تبعه من زخم في الاعترافات المتوالية من عدد من الدول الغربية، "حرّك المياه الراكدة" فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية.
وأَضاف: "ما نجم عن مؤتمر حل الدولتين، ليس مجرد إنجازات رمزية، وإنما بطبيعة الحال تؤشر لمرحلة جديدة، وتدل على وجود إنجازات موضوعية"، وأكد أن هذه رسالة واضحة لإسرائيل بأنها "ليس لها حق الاعتراض على حل الدولتين".
ومضى وزير الخارجية المصري بالقول: "ليس لدينا شريك في السلام داخل إسرائيل".
وأكد عبد العاطي أن "المجتمع الدولي يقف بجانب الشعب الفلسطيني، الذي أصبح لديه قدر من الأمل بأن المجتمع الدولي لن يدير ظهره له، كما حدث خلال عامين، منذ بداية الحرب في أكتوبر 2023".
اليوم التالي لحرب غزة
وفي ما يتعلق بموقف حركة حماس من المفاوضات، قال عبد العاطي: "في 18 أغسطس الماضي وافقت حماس على مقترح المبعوث الأميركي الخاص للشرق الأوسط ستيف ويتكوف، المتعلق بالتوصل إلى صفقة مؤقتة تقود إلى صفقة دائمة تنهي الحرب"، مؤكداً أن الجانب الإسرائيلي "هو من يرفض".
وشدد على أن "مصر ستستغل كل قنوات التواصل، للتوصل إلى صفقة لوقف هذه الحرب البغيضة"، موضحاً أن من يدفع الثمن هو الشعب الفلسطيني في غزة والضفة.
وأضاف: "لدينا رؤية واضحة فيما يتعلق باللجنة الإدارية المؤقتة" التي ستحكم القطاع، موضحاً أن هذه اللجنة "معروفة بالأسماء، وغير فصائلية، وغير سياسية، ولا علاقة لها بالفصائل".
وأشار إلى أن هذه اللجنة بـ"مجرد وقف إطلاق النار"، ستتولى المسؤولية في إدارة غزة، تمهيداً لتمكين السلطة الفلسطينية.
وتابع وزير الخارجية المصري: "خلال 4 أسابيع حسب أقصى تقدير، وفوراً بعد انتهاء الحرب، سنعقد مؤتمراً دولياً لتنفيذ الخطة العربية الإسلامية لتعافي القطاع، وتحسين الأوضاع التي تسببت فيها إسرائيل".
"نصائح"مصرية للحكومة السورية
وفي ما يتعلق بالتعامل مع الدولة السورية الجديدة، أوضح عبد العاطي أن مصر "قلباً وقالباً مع الشعب السوري والدولة السورية ومؤسساتها من أجل استقرارها".
وأكد أن مصر تقدم النُصح للدولة السورية، حول مكافحة الإرهاب والمقاتلين الأجانب، مشيراً إلى أن ما يحدث في سوريا يهم مصر.
وأوضح أن القاهرة "تنقل لدمشق ضرورة إدارة عملية سياسية شاملة لا تستثني أحداً مع توفير الحماية الكاملة للأقليات في سوريا، حتى لا يُعطى ذريعة لأي طرف خارجي، مثل إسرائيل التي تستغل ذلك لانتهاك السيادة السورية".
الأزمة اللبنانية
وحول لبنان، أكد عبد العاطي أن مصر منخرطة، بتكليف من الرئيس عبد الفتاح السيسي، في الأزمة اللبنانية، موضحاً أن لبنان أكثر دولة زارها، وأنه من المقرر قريباً عقد اجتماع للجنة العليا المشتركة المصرية اللبنانية.
وأشار إلى أنه تحدث مع المبعوث الأميركي الخاص إلى سوريا، توم باراك، ووزير الخارجية الأميركي ماركو روبيو، حول لبنان، حيث تمحور الحديث – وفق عبد العاطي- حول أهمية كبح انتهاكات الجانب الإسرائيلي، مؤكداً ضرورة مساعدة الجيش اللبناني على بسط وفرض سيطرته على كامل التراب الوطني اللبناني.
وأكد أيضاً الأهمية البالغة لانسحاب إسرائيل من المواقع الخمسة في جنوب لبنان، وإطلاق سراح الأسرى اللبنانيين، ووقف الانتهاكات الجوية المستمرة.
كما أوضح أن "هناك جهد يتم بذله للدفع نحو استقرار لبنان"، مشدداً على ضرورة دعم الجيش اللبناني وقدراته، وعلى أن تتوقف إسرائيل عن الانتهاكات السيادية اللبنانية، حتى تتمكن الدولة اللبنانية من فرض سيطرتها وصلاحيتها بشكل كامل.
وحدة السودان
وفي ما يتعلق بالسودان، أوضح وزير الخارجية المصري أن هناك تطلع لوقف هذه الحرب "السخيفة" التي يشهدها السودان، مؤكداً أنها حرب تمس مقدرات الشعب السوداني.
وأشار إلى أنه شارك في اجتماع الرباعية مع وزراء خارجية الولايات المتحدة والسعودية والإمارات، كما بيّن أنه تحدث 3 مرات مع مبعوث الإدارة الأميركية إلى إفريقيا، مسعد بولس، ومع روبيو حول الأهمية البالغة لوقف الحرب.
وأكد أن مصر تدعم وحدة السودان وترفض تماماً تقسيمه، إضافة إلى دعم المؤسسة العسكرية كما أنها "تعمل من أجل تنفيذ بيان الرباعية".
وتابع: "بيان الرباعية يتناول منظور (التتابعية) من خلال هدنة إنسانية تقود إلى وقف فوري لإطلاق النار، حيث أن وقف إطلاق النار يمهد الطريق لبدء عملية سياسية شاملة".
ولفت إلى وجود "عقدة" تتعلق بضرورة توفر الإرادة السياسية في السودان، لكنه أوضح أنهم سيكثفون الضغوط من أجل توفير هذه الإرادة السياسية.
وأشار إلى تأكيده مع رئيس الوزراء السوداني كامل إدريس، على تشجيع السودان في الانخراط في هذه الجهود لإنهاء الحرب، معربين عن أملهم في أن تتوج الجهود بالوصول إلى وقف فوري لإطلاق النار وبدء العملية السياسية الشاملة.
أزمة سد النهضة
أما عن تطورات أزمة سد النهضة، قال عبد العاطي إن مصر أعلنت موقفها بكل وضوح بأن المسار التفاوضي "مسدود".
وأكد أن مصر تحتفظ بحقها الكامل وفق القانون الدولي للدفاع عن نفسها، واتخاذ كل الإجراءات الممكنة بكل الأدوات المتاحة في حال تعرض الحقوق المائية المصرية لأي ضرر أو مساس.
وأوضح أن مصر نقلت هذا الموقف عشرات المرات إلى الجانب الأميركي وجميع الأطراف المعنية، مشيراً إلى أن موقف مصر حازم للغاية في هذه القضية، قائلاً: "لن نتردد في الدفاع عن مصالحنا إذا تعرض أمننا المائي للخطر".