وجهت هيئة محلّفين فيدرالية أميركية لائحة اتهام إلى المدير السابق لمكتب التحقيقات الفيدرالي (FBI)، جيمس كومي، بشأن قضية التدخل الروسي في الانتخابات الرئاسية عام 2016، وذلك بعد أيام من تصعيد الرئيس دونالد ترمب ضغوطه على وزارة العدل لملاحقة أبرز خصومه.
وتتعلق التهم بشهادة كومي أمام مجلس الشيوخ عام 2020 خلال تحقيقاته بشأن علاقات حملة ترمب الانتخابية عام 2016 مع روسيا، وهو التحقيق الذي طالما وصفه الرئيس الأميركي بأنه "حملة مطاردة ساحرات".
في حين قدّم مسؤولو وزارة العدل لائحة الاتهام على أنها خطوة نحو المساءلة، قال كومي إن "قلبه محطم" من أجل الوكالة، مؤكداً براءته.
ومن المقرر أن يمثل كومي أمام المحكمة في 9 أكتوبر، بمقاطعة ألكسندريا بولاية فيرجينيا، تحت إشراف القاضي الفيدرالي مايكل ناخمانوف، الذي عيّنه الرئيس السابق بايدن.
ما لائحة الاتهام الموجهة لمدير التحقيقات الفيدرالية؟
تتضمن لائحة الاتهام تهمتين هما الإدلاء ببيانات كاذبة أمام الكونجرس وعرقلة إجراءاته. وكل تهمة تصل عقوبتها القصوى إلى 5 سنوات سجن، لكن في حال الإدانة من المرجح أن يتلقى كومي عقوبة أخف بسبب سجله الخالي من العقوبات.
وأثناء جلسة استجواب، سأله السيناتور تيد كروز عما إذا كان قد أجاز تسريب معلومات بشأن تحقيقات الـFBI في رسائل هيلاري كلينتون الإلكترونية أو صلات حملة ترمب بروسيا.
وتعارض جواب كومي مع رواية نائبه السابق أندرو مكابي، الذي أشار إلى أن كومي كان على علم بالتسريب وأجاز نشره لصحيفة "وول ستريت جورنال" قبل انتخابات 2016.
وأنكر كومي علمه بذلك، فيما خلص تقرير المفتش العام بوزارة العدل الأميركية عام 2018، إلى أن مكابي هو من أجاز التسريب وأنه لم يكن صريحاً في تصريحاته لرئيسه وللمحققين.
وتتطلب تهمة "التصريحات الكاذبة" من الادعاء إثبات أن كومي أدلى عمداً وبإرادة واعية ببيان زائف ومؤثر، أما "عرقلة العدالة" فتتطلب إثبات أنه حاول التأثير أو عرقلة الإجراءات القانونية عبر أقواله.
هل تدخل ترمب في القضية؟
وجّه ترمب، خلال عطلة نهاية الأسبوع الماضي، نداءً علنياً لوزيرة العدل بام بوندي لتوجيه التهم إلى كومي وآخرين من خصومه السياسيين، بمن فيهم آدم شيف ولتيشا جيمس، وهما عضوان في الحزب الديمقراطي.
وكتب ترمب: "هناك قضية قوية جداً.. لا يمكننا التأخر أكثر".
جاء ذلك بعد استقالة المدعي العام لمنطقة شرق فيرجينيا إريك سايبيرت بسبب رفضه تقديم لائحة اتهام ضد جيمس كومي لعدم كفاية الأدلة.
وعين ترمب سريعاً ليندسي هاليجان بدلاً منه، وهي محامية من البيت الأبيض لم يسبق لها أن تولت قضية فيدرالية.
وبعد أيام فقط، تم الإعلان عن لائحة الاتهام، وقالت بوندي: "لا أحد فوق القانون".
كيف رد جيمس كومي؟
في شريط فيديو قصير على "إنستجرام"، أكد كومي أنه بريء ولن يخضع للترهيب، مشيراً إلى كلمات ابنته مورين كومي التي قالت: "الخوف هو أداة الطغاة".
وأضاف: "قلبي ينفطر على وزارة العدل، لكنني واثق في النظام القضائي الفيدرالي.. أنا بريء، فلنذهب إلى المحاكمة".
ما سر العداء مع ترمب؟
يمثل هذا الاتهام أحدث تصعيد في العداء بين الطرفين، بعد أن أقال ترمب كومي عام 2017 خلال التحقيق في قضية روسيا، وهو ما أدى إلى تعيين المحقق الخاص روبرت مولر.
ولطالما وصف ترمب كومي بـ "الشرطي الفاسد"، بينما أصبح الأخير من أبرز منتقدي الرئيس الأميركي، مؤيداً بايدن في انتخابات 2020 وهاريس في انتخابات 2024.
وانتقد الديمقراطيون بشدة الاتهام، إذ قال السيناتور مارك وارنر، إن ترمب يستخدم وزارة العدل كسلاح ضد معارضيه، واعتبر النائب جيم هايمز الخطوة "أحد أبشع أشكال إساءة استخدام السلطة في تاريخ الوزارة".
وكان كومي مدير مكتب التحقيقات الفيدرالي (FBI) عندما تم تنصيب ترمب في يناير 2017. وتم ترشيحه قبل ذلك بحوالي 4 سنوات تقريباً من قبل الرئيس باراك أوباما.
وتشير "أسوشيتد برس" إلى أنه في تلك الفترة كان المكتب متورطاً في السياسة الأميركية بطرق غير عادية، إذ واجه كومي انتقادات بسبب تعامله مع تحقيق الـFBI في استخدام المرشحة الديمقراطية هيلاري كلينتون لخادم بريد إلكتروني خاص، بينما كان يشرف في الوقت نفسه على تحقيق منفصل بشأن العلاقات بين روسيا وحملة ترمب الانتخابية الناجحة في انتخابات 2016.
وأُقيل كومي فجأةً في مايو 2017 أثناء حضوره فعاليةً في لوس أنجلوس، وصرح ترمب لاحقاً بأنه كان يفكر في "مسألة روسيا" عندما قرر إقالته.
وفي عام 2018، نشر كومي مذكراته بعنوان "ولاء أعلى" A Higher Loyalty، والتي صور فيها ترمب بشكل سلبي للغاية، مشبهاً إياه برئيس مافيا، وواصفاً إياه بأنه غير أخلاقي و"منفصل عن الواقع".