تواجه الولايات المتحدة موجة جديدة من "عدم اليقين"، بعدما فشل الرئيس دونالد ترمب والكونجرس في التوصل إلى اتفاق لتمديد تمويل الحكومة، ما أدى إلى إغلاق الحكومة الأميركية للمرة الأولى منذ 2018، بعد تجاوز الموعد النهائي في 1 أكتوبر، وسط غياب مخرج للأزمة أو مؤشرات على مفاوضات بين الطرفين، ما يزيد المخاوف من فترة إغلاق مطولة.
ويتوقع أن يُمنح 750 ألف موظف فيدرالي إجازة قسرية، وستغلق العديد من المكاتب الحكومية، ربما بشكل دائم بعدما توعد الرئيس دونالد ترمب بـ"إجراءات سيئة لا يمكن الرجوع عنها"، كرد على رفض الديمقراطيين الموافقة على تمرير حزمة الإنفاق الجمهورية.
ويتوقع أن تواصل أجندة ترمب لترحيل المهاجرين غير الشرعيين وتيرتها بـ"السرعة الكاملة"، فيما سيعرقل الإغلاق الحكومي خدمات وزارات التعليم والوكالات البيئية وخدمات أخرى.
وقالت "أسوشيتد برس"، إنه يتوقع أن تؤثر أصداء الإغلاق الحكومي على الاقتصاد عبر أنحاء البلد.
وقبل الإغلاق عند منتصف ليل الثلاثاء الأربعاء، قال ترمب: "نحن لا نريد إغلاقها"، ولكن الرئيس الذي التقى مع قادة الكونجرس الاثنين، في مكتبه، بدا أنه غير قادر على التوصل إلى اتفاق بين الحزبين لمنع هذه النتيجة.
وهذه هي ثالث مرة يواجه فيها ترمب نفاد تمويل الحكومة، وأول مرة في ولايته الثانية، في رقم "قياسي" يبرز حدة الاستقطاب بشأن أولويات الموازنة، ومناخ سياسي يكافئ المواقف السياسية المتصلبة، بدلاً من المساومات التقليدية.
واختار الحزب الديمقراطي الذي عادة ما يفضل إبقاء الحكومة تعمل، المواجهة في هذه المعركة، وسط تحمس ناخبيه لتحدي أجندة الرئيس في ولايته الثانية.
ويطالب الديمقراطيون بتوفير التمويل للرعاية الصحية والذي ينتهي لملايين الأميركيين تحت قانون الرعاية الصحية الميسرة ACA، ما سيرفع من أقساط التأمين لملايين الأميركيين في البلاد.
ورفض الجمهوريون التفاوض حتى الآن، وشجعوا ترمب على البقاء بعيداً عن أي محادثات. وبعد اللقاء في البيت الأبيض، نشر الرئيس فيديو مولد بالذكاء الاصطناعي يسخر فيه من قادة الديمقراطيين في مقطع وصف على نطاق واسع بأنه "غير جاد"، و"عنصري".
ولكن الشئ الذي لم يتمكن أي من الطرفين من بلورته هو مخرج سهل لتفادي ما قد يتحول إلى إغلاق مطوّل.
وقالت "أسوشيتدبرس"، إنه من المؤكد أن التداعيات ستتجاوز الساحة السياسية لتقلب حياة الأميركيين الذين يعتمدون على الحكومة في مدفوعات الإعانات، والعقود الوظيفية، والخدمات المتعددة التي تعيش حالة اضطراب.
وقالت رايتشل سنايدرمان، المسؤولة السابقة في مكتب الميزانية بالبيت الأبيض والمديرة التنفيذية للسياسات الاقتصادية في مركز السياسات الحزبية بواشنطن، إن: "ما تنفقه الحكومة من أموال يُجسّد أولويات بلادنا".
وأضافت أن الإغلاقات الحكومية "لا تجلب سوى تكاليف اقتصادية، ومخاوف، وحالة من الارتباك في أرجاء البلاد."
"أثر اقتصادي صادم"
وقد يشعر الأميركيون بأثر اقتصادي صادم خلال أيام قليلة، إذ يُتوقّع أن تُصدر الحكومة الجمعة، تقريرها الشهري حول الوظائف، وهو تقرير قد يصدر أو يتأجل.
وبحسب تحليل أجرله جولدمان ساكس، فإن الأسواق المالية لطالما أبدت قدراً من اللامبالاة خلال عمليات الإغلاق السابقة، لكن هذا الإغلاق قد يكون مختلفاً، جزئياً لغياب أي مؤشرات على وجود مفاوضات أوسع نطاقاً. وجاء في التحليل: "لا توجد أيضاً أمثلة جيدة يمكن مقارنتها بالإغلاق الحالي".
وعلى امتداد مؤسسات الحكومة، تجري الاستعدادات. فقد وجّه مكتب الإدارة والميزانية في إدارة ترمب، برئاسة روس فوت، الوكالات إلى تنفيذ خطط لا تقتصر على إجازات غير مدفوعة كما هو معتاد عند توقف تمويل الحكومة الفيدرالية، بل تشمل عمليات فصل جماعية للموظفين الفيدراليين.
ويأتي ذلك في إطار مهمة إدارة ترمب، بما في ذلك "وزارة كفاءة الحكومة"، لتقليص حجم الجهاز الحكومي الفيدرالي.
لوم متبادل
وألقى رئيس مجلس النواب مايك جونسون اللوم على زعيم الأقلية الديمقراطية في مجلس الشيوخ تشاك شومر لعدم حشد الديمقراطيين خلف مقترح التمويل الجمهوري. وقال جونسون في مقابلة مع CNN إنه لن يتفاوض مع الديمقراطيين إلا بعد إعادة فتح الحكومة، قائلاً: "لا يوجد ما يتم التفاوض عليه". وتابع: "السؤال الوحيد الليلة هو: إلى متى سيبقي تشاك شومر الحكومة مغلقة؟"، مضيفاً: "إنها مقامرة خطيرة".
بدوره، شدد زعيم الأقلية الديمقراطية في مجلس النواب حكيم جيفريز على أن الديمقراطيين ما زالوا مستعدين للتفاوض بشأن مشروع قانون تمويل الحكومة، وقال جيفريز لـCNN: "نحن نقول فلنموّل الحكومة. دعونا نجلس ونجري محادثة".
وعن استراتيجية الخروج بعد بدء الإغلاق الحكومي، تساءل جيفريز: "لقد كان الجمهوريون يلقون المحاضرات على أميركا طوال العام بأنهم يسيطرون على الحكومة... فكيف يمكن أن يكون الأمر الآن، في هذه اللحظة تحديداً، أنهم فجأة تحت رحمة الديمقراطيين الذين هم في موقع الأقلية في مجلسي النواب والشيوخ؟".
ورغم أن الديمقراطيين في موقع الأقلية في المجلسين، إلا أن الجمهوريين ما زالوا بحاجة إلى دعم بعض الديمقراطيين في مجلس الشيوخ لتمرير مشروع قانون التمويل الحكومي.