أدى إغلاق الحكومة الأميركية، الأربعاء، إلى تعطيل إصدار بعض البيانات الاقتصادية الرئيسية، في وقت يمر فيه الاقتصاد بمرحلة غير مستقرة، ما قد يحرم مجلس الاحتياطي الفيدرالي من معلومات أساسية قبل اجتماعه المقرر في وقت لاحق من الشهر الجاري، لتحديد مستوى أسعار الفائدة، بحسب ما أوردته شبكة ABC News.
وعبّر خبراء لشبكة ABC News، عن قلقهم من فقدان البيانات الحكومية المحتمل، بينها تقرير الوظائف المنتظر صدوره، الجمعة، والذي يحظى بمتابعة دقيقة، إذ أشاروا إلى المسار الاقتصادي غير الواضح والخلاف القائم بين مسؤولي البنك المركزي حول الاستجابة الملائمة.
في الإطار، قال كينيث كوتنر، أستاذ الاقتصاد في كلية ويليامز والمتخصص في سياسات البنوك المركزية: "ربما يكون هذا أسوأ توقيت يضطر فيه الاحتياطي الفيدرالي لاتخاذ قرارات دون بيانات... الاقتصاد قد يكون عند نقطة تحول".
وقالت ييفا نيرسيسيان، أستاذة الاقتصاد في كلية فرانكلين ومارشال، للشبكة: "هذا يصعب الأمور على الاحتياطي الفيدرالي"، مضيفة: "لو كنت صاحبة القرار، ونظرت إلى البيانات المتوفرة، فلن أعتقد أن بيانات شهر إضافي ستُحدث فارقاً كبيراً... هناك أدلة طويلة الأمد على أن سوق العمل قد ضعف بشكل ملحوظ".
وحذر داريل دافي، أستاذ الاقتصاد في كلية الدراسات العليا لإدارة الأعمال بجامعة ستانفورد، من أن هذا "وقت حساس لفقدان الوصول إلى البيانات، بسبب وجود خلاف واضح".
وأضاف: "هذا يجعل من الصعب على أعضاء اللجنة التوصل إلى توافق في الآراء، ويمنح كل عضو مساحة أكبر لتكوين موقفه الخاص في غياب البيانات".
وبدأ إغلاق الحكومة الأميركية عند الساعة 12:01 بعد منتصف ليل الثلاثاء الأربعاء، بتوقيت الساحل الشرقي، بعدما صوت مجلس الشيوخ ضد مشروعيْ تمويل متنافسين تقدم بهما الحزبان الديمقراطي والجمهوري، وأعاد المجلس التصويت على المشروعين في اليوم التالي، ورفضهما مجدداً، ما عمق حالة الجمود.
وكانت وزارة العمل الأميركية، قالت الاثنين، إن بعض البيانات لن تصدر في حال حدوث الإغلاق، بما في ذلك تقارير التوظيف والتضخم الشهرية التي يعتمد عليها مسؤولو الاحتياطي الفيدرالي.
وقال رئيس مجلس الاحتياطي الفيدرالي جيروم بأول، الأسبوع الماضي، إن صانعي السياسات يواجهون "وضعاً صعباً" أثناء محاولتهم التعامل مع "مرحلة مضطربة"، كما أعلن مكتب التحليل الاقتصادي ومكتب الإحصاء، وهما مصدران أساسيان لبيانات أخرى، أنهما سيعلقان إصداراتهما المجدولة طوال فترة الإغلاق.
أسعار الفائدة ومخاوف من "الركود"
ومن المقرر أن يعلن الاحتياطي الفيدرالي قراره المقبل بشأن أسعار الفائدة في 29 أكتوبر الجاري، عقب اجتماع اللجنة الفيدرالية للسوق المفتوحة، وحال استمر إغلاق الحكومة حتى ذلك الحين، فقد يجد مسؤولو البنك أنفسهم من دون المعلومات اللازمة لوضع السياسة الأنسب.
ويأتي فقدان البيانات في فترة يسودها القلق بين صانعي السياسة النقدية، فقد شهد الاقتصاد في الأشهر الأخيرة تباطؤاً حاداً في التوظيف إلى جانب ارتفاع في التضخم، وهو مزيج يصفه الاقتصاديون بحالة "الركود التضخمي"، إذ أثار التباطؤ الأخير في وتيرة التوظيف مخاوف من دخول الاقتصاد في حالة ركود، بينما ما زال احتواء التضخم بشكل كامل يشكل تحدياً.
ووضعت هذه الظروف مسؤولي الاحتياطي الفيدرالي في مأزق، فإذا رفع البنك أسعار الفائدة لحماية الاقتصاد من التضخم الناتج عن الرسوم الجمركية، فإنه يخاطر بدفع الاقتصاد نحو الركود، أما إذا خفض أسعار الفائدة لتحفيز النمو في ظل تباطؤ التوظيف، فقد يؤدي ذلك إلى زيادة الإنفاق وتفاقم التضخم.
وكان البنك قد خفض سعر الفائدة الأساسي بمقدار ربع نقطة مئوية الشهر الماضي، في أول خفض هذا العام، في محاولة لإنعاش سوق العمل المتباطئ.
وتوقعت اللجنة الفيدرالية للسوق المفتوحة، وهي الجهة المسؤولة عن وضع السياسة النقدية، تنفيذ خفضين إضافيين بمقدار ربع نقطة مئوية خلال ما تبقى من العام.
لكن هذه التوقعات كشفت عن خلافات واضحة بين أعضاء اللجنة، إذ أيد بعضهم خفضين إضافيين، بينما فضل آخرون الإبقاء على الأسعار دون تغيير، وعارض أحد الأعضاء خفض الفائدة من الأساس.
ومع ذلك، يرى بعض الخبراء أن غياب البيانات المحتمل لن يغير المسار المتوقع للاحتياطي الفيدرالي بشأن خفضين إضافيين لأسعار الفائدة هذا العام، إذ إن التباطؤ الحاد في التوظيف لا يترك للبنك المركزي خيارات كثيرة.
وأشار هؤلاء أيضاً إلى أن البيانات الصادرة عن القطاع الخاص ستظل متاحة، رغم أن المراقبين عادة ما يعتبرونها "أقل دقة" من الإحصاءات الحكومية.
وأظهر تقرير الوظائف الصادر الشهر الماضي، تراجعاً حاداً في التوظيف خلال أغسطس الماضي، ما مدد فترة الضعف في سوق العمل.
كما كشفت مراجعة لاحقة لتقديرات التوظيف أن الاقتصاد الأميركي أضاف وظائف أقل بكثير مما كان مُقدراً في عام 2024 وبداية 2025، مما عمق المخاوف. ورغم ذلك، حذر باول الشهر الماضي، من استمرار مخاطر التضخم المرتفع، متعهداً باحتواء ارتفاع الأسعار.