تحذير من التداعيات على مستقبل الاقتصاد.. والقبض على 12 ألف أجنبي في عام واحد

اليابان.. العداء للأجانب يتصاعد ونفوذ السياسيين القوميين يتزايد

أنصار حزب سانسيتو يرفعون قبضاتهم خلال جولة في شيبا بارك بطوكيو في اليابان باليوم الأخير من الحملة الانتخابية لانتخابات مجلس الشيوخ الياباني. 19 يوليو 2025 - REUTERS
أنصار حزب سانسيتو يرفعون قبضاتهم خلال جولة في شيبا بارك بطوكيو في اليابان باليوم الأخير من الحملة الانتخابية لانتخابات مجلس الشيوخ الياباني. 19 يوليو 2025 - REUTERS
دبي-الشرق

تشهد اليابان تصاعداً ملحوظاً في مشاعر العداء للأجانب، فيما يتزايد نفوذ السياسيين القوميين، في وقت تواجه فيه البلاد أزمة سكانية حادة تهدد مستقبلها الاقتصادي والاجتماعي، بحسب وكالة "أسوشيتد برس". 

وأشارت الوكالة إلى أن حزب "سانسيتو" القومي الناشئ تمكن من تحقيق مكاسب كبيرة في انتخابات البرلمان، التي جرت في يوليو، رغم كونه حزباً صغيراً، فيما تكتسب منصة "اليابان أولًا"، التي يقودها رئيس الحزب سوهي كاميا، وتركز على مناهضة العولمة والهجرة والليبرالية، دعماً متزايداً قبيل تصويت الحزب الحاكم المقرر السبت، لاختيار رئيس وزراء محتمل جديد. 

وأوضحت الوكالة أن السياسات المناهضة للهجرة تلاقي قبولاً متزايداً بين اليابانيين، الذين يعانون تدنياً في الأجور وارتفاعاً بالأسعار وتوقعات مستقبلية قاتمة، ما يدفعهم لتوجيه غضبهم نحو "أهداف سهلة"، في إشارة إلى الأجانب.

وأشارت إلى أن الحزب الحاكم، الذي روَّج سابقاً للعمالة الأجنبية وتعزيز السياحة، بات يدعو الآن إلى تشديد القيود على الأجانب، لكنه لم يقدم حلولاً واضحة حول كيفية تمكّن اليابان، التي تُعد من بين أسرع دول العالم تقدماً في العمر وتناقصاً في عدد السكان، من الحفاظ على استقرارها الاقتصادي في غياب هؤلاء العمال. 

ويأتي هذا التصاعد في التيار القومي بوقت تواجه فيه اليابان، التي تميل تقليدياً إلى الانغلاق وتُعلي من قيم التوافق والانسجام الاجتماعي، ارتفاعاً غير مسبوق في أعداد الأجانب اللازمين لدعم قوة العمل المتراجعة. 

وفي سبتمبر، أوقفت احتجاجات غاضبة، مدفوعة بمعلومات مضللة عبر وسائل التواصل الاجتماعي عن تدفق مرتقب للمهاجرين الأفارقة، برنامجاً حكومياً للتبادل الثقافي بين 4 بلديات يابانية ودول إفريقية. 

تصاعد خطاب "مناهضة الهجرة"

وفي تجمع انتخابي في يوكوهاما، وهي منطقة سكنية كبرى للأجانب، قال كاميا: "نريد فقط حماية حياة اليابانيين السلمية وسلامتهم العامة". 

وأضاف أن اليابانيين يتسامحون مع الأجانب الذين يحترمون "الطريقة اليابانية"، لكن أولئك الذين يتمسكون بعاداتهم الخاصة غير مقبولين لأنهم يسببون "توتراً وغضباً". 

وأشار إلى أن الحكومة "تسمح بدخول العمال الأجانب فقط لخدمة مصالح الشركات اليابانية الكبرى". وتساءل كاميا: "لماذا يُقدّم الأجانب على اليابانيين الذين يكافحون لتأمين قوت يومهم ويعيشون في حالة من الخوف؟ لا نقول سوى الحقائق الواضحة بصراحة، ومن الخطأ اتهامنا بالعنصرية". 

وأفاد التقرير بأن جميع المرشحين الخمسة في انتخابات قيادة الحزب الليبرالي الديمقراطي الحاكم المقررة، السبت، والتي ستختار خلفاً لشيجيرو إيشيبا كرئيس وزراء، يتعهدون باتخاذ مواقف أشد تجاه الأجانب.

ومن بين المرشحين البارزين سناي تاكايتشي، وزيرة الأمن الاقتصادي السابقة والمحافظة المتشددة، التي تعرضت لانتقادات بسبب دعمها مزاعم غير مؤكدة عن سوء معاملة السياح الأجانب لغزلان في متنزه بمدينة نارا، مسقط رأسها. 

وقالت تاكايتشي لاحقاً إنها تريد التعبير عن القلق والغضب المتزايدين بين العديد من اليابانيين تجاه "الأجانب الذين يتصرفون بشكل مرفوض". 

وخلال الحملة الانتخابية في يوليو، تعرّض نحو 2000 كردي يقيمون في اليابان لإهانات من قِبل مرشحين من اليمين المتطرف.

حزب "سانسيتو" 

وتأسس حزب "سانسيتو" في عام 2020، عندما بدأ كاميا في جذب متابعين عبر موقع "يوتيوب" ومنصات التواصل الاجتماعي، ممّن كانوا غير راضين عن الأحزاب التقليدية. 

وأشار التقرير إلى أن كاميا، وهو عضو سابق في مجلس بلدية سويتا قرب أوساكا، كان ركّز على وجهات نظر مراجِعة للتاريخ الياباني الحديث، ونظريات المؤامرة، وأفكار مناهضة للتطعيم، وتوجهات روحانية. 

وقال كاميا، في مقابلة مع "أسوشيتد برس"، إنه "متأثر بشدة بسياسات مناهضة العولمة" التي يتبنّاها الرئيس الأميركي دونالد ترمب، لكنه لا يتبع أسلوبه.  

وكان كاميا قد دعا الناشط المحافظ وحليف ترمب، تشارلي كيرك، إلى طوكيو للمشاركة في ندوة قبل أيام من اغتياله. كما شبّه حزبه بأحزاب اليمين المتطرف مثل "البديل من أجل ألمانيا" في برلين، و"التجمّع الوطني" في فرنسا، وحزب "الإصلاح" في بريطانيا. 

وختم كاميا قائلاً إن أولويته الآن هي توسيع قاعدة أنصاره، مشيراً إلى أنه يأمل في ترشيح أكثر من 100 مرشح في الانتخابات المقبلة.

تاريخ التمييز ضد الكوريين والصينيين  

وقالت "أسوشيتد برس" إن اليابان لديها تاريخ طويل من التمييز ضد الكوريين والصينيين، يعود إلى الحقبة الاستعمارية في النصف الأول من القرن الـ20، ولا تزال بعض مظاهر هذا التمييز قائمة حتى اليوم، من خلال إهانات وهجمات تستهدف المهاجرين الصينيين والمستثمرين وأعمالهم التجارية. 

ووصل عدد السكان الأجانب في اليابان العام الماضي إلى مستوى قياسي تجاوز 3.7 مليون، وهو ما يشكّل حوالي 3% فقط من إجمالي السكان. 

وتهدف طوكيو، التي تشجّع السياحة الوافدة، إلى استقبال 60 مليون زائر في 2030 مقارنة بـ 50 مليون في العام السابق. 

ووفقاً لإحصاءات وزارة الصحة والعمل والرعاية الاجتماعية اليابانية، تضاعف عدد العمال الأجانب 3 مرات خلال العقد الماضي، ووصل إلى رقم قياسي بلغ 2.3 مليون عام 2024، بزيادة 300 ألف عن العام السابق، وهو ضِعف المعدل المتوقع، ويعمل العديد منهم في التصنيع والتجزئة والزراعة وصيد الأسماك. 

ورغم الارتفاع الكبير في أعداد الأجانب، لم يُسجَّل سوى نحو 12 ألف حالة اعتقال لأجانب، العام الماضي، وفقاً لأرقام وكالة الشرطة الوطنية، وذلك رغم مزاعم المحذرين من تفشّي الجريمة.

وأطلق الحزب الليبرالي الديمقراطي الحاكم، المؤيد لقطاع الأعمال، في عام 1993 برنامجاً لتدريب العمال الأجانب، توسّع تدريجياً على مراحل، لكنه واجه انتقادات باعتباره وسيلة استغلالية لتعويض النقص في القوى العاملة المحلية. ومن المقرر تجديد البرنامج في عام 2027، مع منح العمال مزيداً من المرونة، وتشديد الرقابة على أصحاب العمل. 

وقال توشيهيرو مينجو، أستاذ السياسات المتعلقة بالهجرة في جامعة كانساي الدولية، إن كثيراً من اليابانيين ينظرون إلى المهاجرين على أنهم "عمالة رخيصة"، لا يُجيدون اللغة اليابانية، ويسمحون لأطفالهم بترك الدراسة، ويقيمون في مجتمعات يُعتقد أن معدلات الجريمة فيها مرتفعة. 

وأضاف أن هذه الأحكام المسبقة تنبع من "نظام الهجرة الخفي" في اليابان، الذي يقبل العمال الأجانب كمهاجرين فعليين دون توفير الدعم الكافي لهم أو توعية الجمهور لتقبلهم. 

وحذرت الوكالة من أن اليابان ستواجه أزمات اقتصادية كبيرة إذا لم تحل قضية الهجرة، حيث ستحتاج إلى ثلاثة أضعاف عدد العمال الأجانب الحالي، ليصل العدد إلى 6.7 مليون بحلول 2040، لتحقيق معدل نمو سنوي يبلغ 1.24% حسب دراسة أجرتها وكالة التعاون الدولي اليابانية في 2022. 

تصنيفات

قصص قد تهمك