تسارعت خطوات بريطانيا لتعزيز علاقاتها الاقتصادية مع الهند بفعل الرسوم الجمركية التي فرضها الرئيس الأميركي دونالد ترمب، حتى وإن كان ذلك يعني تغليب المصالح التجارية على اعتبارات أخرى.
وأمضى رئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر، الأسبوع الجاري، في قيادة أكبر بعثة تجارية في تاريخ بلاده إلى الهند، حيث رافقه 125 من كبار رجال الأعمال إلى مومباي لتوقيع اتفاقات تهدف إلى جذب الاستثمارات وتنشيط الاقتصاد البريطاني الراكد، ومساعدة البلدين على تنويع شراكاتهما بعيداً عن الولايات المتحدة.
غير أن التعامل مع نيودلهي ليس بـ"الأمر السهل"، وفقاً لمجلة "بوليتيكو" الأميركية، مضيفة أن أجواء الزيارة الدبلوماسية بين بريطانيا والهند، خيّمت عليها "خلافات جوهرية"، أبرزها استمرار نيودلهي في تمويل الحرب الروسية على أوكرانيا عبر شرائها النفط من موسكو.
وأبدى رئيس الوزراء، ناريندرا مودي، وُدَّه للرئيس الروسي فلاديمير بوتين بينما كانت بعثة ستارمر تستعد للمغادرة إلى الهند، إذ وجّه إليه رسالة تهنئة بمناسبة عيد ميلاده متمنياً له "الصحة وطول العمر"، وهي رسالة لا يمكن لبريطانيا، الداعمة بقوة لكييف، أن تتقبلها.
لكن ستارمر، (الزعيم التقدمي لحزب العمال)، تحفّظ في تعامله العلني مع هذه الملفات الحساسة، مفضلاً التركيز على هدفه الأساسي، وهو فتح مسارات تجارية جديدة في زمن الواقعية السياسية الذي يفرضه عهد ترمب الثاني.
وقال مسؤول رفيع في رئاسة الوزراء البريطانية، "داونينج ستريت"، لـ"بوليتيكو" من مومباي بشرط عدم الكشف عن هويته إن "أحداً لا يملك حق اختيار قادة العالم".
سنوات من المماطلة الهندية
ظلت الهند لسنوات تماطل لندن في إبرام اتفاق تجارة حرة تطمح إليه بريطانيا بعد خروجها من الاتحاد الأوروبي، وفق المجلة.
ففي أبريل 2022، أعلن رئيس الوزراء السابق بوريس جونسون خلال زيارة إلى الهند أن الاتفاق سيُوقّع بحلول مهرجان ديوالي، لكن ذلك لم يحدث. ثم جاء خلفه ريشي سوناك، الذي حظي بإعجاب خاص في الهند لكونه أول رئيس وزراء بريطاني من أصول هندية، غير أنه لم يكن متفائلاً بإمكانية التوصل إلى اتفاق مع مفاوضين "صعبي المراس"، وغادر منصبه من دون تحقيق اختراق.
لكن مع عودة ترمب إلى البيت الأبيض، تغيّر المشهد. فمع تنفيذ الرئيس الأميركي تهديداته بفرض رسوم جمركية على دول حليفة وخصوم على حد سواء، سارع قادة العالم للبحث عن أسواق بديلة.
وبعد 5 أشهر فقط على تنصيب ترمب لولايته الثانية، توجّه مودي إلى بريطانيا لتوقيع اتفاق تجارة حرة رأت فيه الحكومة البريطانية دفعة بمليارات الجنيهات لصادراتها.
وزادت خطوات ترمب الأخيرة ضد نيودلهي، بفرض رسوم مرتفعة عقاباً لرفضها وقف شراء النفط الروسي، من حاجة الهند إلى شركاء تجاريين جدد، وفق "بوليتكو".
وأثناء مرافقة الصحافيين لستارمر في رحلته، سُئل عمّا إذا كان سيطالب مودي بالتخلّي عن النفط الروسي، فتجنّب الإجابة المباشرة.
وفي مؤتمر صحافي بعد لقائه مودي، قدّم ستارمر إجابات غامضة على سؤالين في هذا الشأن، بينما أوضح مساعدوه لاحقاً أن الزعيمين ناقشا الملف الروسي بالفعل خلف الأبواب المغلقة.
ترحيب استثنائي
وبينما شهدت العلاقة بين مودي وترمب توتراً كبيراً في الأشهر الأخيرة، حرص رئيس الوزراء الهندي على أن يكون استقبال ستارمر لافتاً للغاية.
فقد تزيّنت شوارع مومباي بآلاف الأعلام التي حملت صور الزعيمين، في مشهد غير مألوف بالنسبة لرئيس الوزراء البريطاني.
وقال مسؤول بريطاني آخر: "فهمت أن مودي طلب من حكومة ولاية مهاراشترا التأكد من أن رئيس الوزراء البريطاني يشعر بمدى الترحيب في الهند"، مضيفاً: "لقد كان استقبالاً استثنائياً بحق، ولم أرَ مثيلاً له حتى في نيودلهي".
وأقرّ قادة صناعة السينما البريطانية بأن الحاجة إلى تنويع الشراكات بعيداً عن هوليوود ازدادت مع تهديد ترمب بفرض رسوم تصل إلى 100% على الأفلام الأجنبية.