بعد سريان وقف إطلاق النار في غزة، بدأ آلاف الفلسطينيين، الجمعة، التدفق نحو شمال غزة، بلهفة لرؤية ما تبقى من منازلهم المدمرة، وقلق وترقب لمزيد من المصاعب التي تنتظرهم، وسرعان ما تحول الحماس لدى البعض إلى إحساس بالصدمة من عمق الدمار.
توجه الآلاف سيراً على الأقدام أو بالدراجات أو فوق الشاحنات أو العربات التي تجرها الحمير على الطريق الساحلي صوب الشمال المدمر إلى حد كبير.
ونزح جميع سكان غزة البالغ عددهم 2.2 مليون نسمة تقريباً خلال الحرب التي استمرت عامين وأودت بحياة عشرات الآلاف وحولت مساحات شاسعة من القطاع إلى أنقاض.
وبالنسبة لبعض سكان غزة، فإن العودة حتى إلى بقايا منازلهم السابقة ترضيهم.
وقال مهدي ساق الله (40 عاماً) بينما كان يقف بجانب خيمة مؤقتة في وسط غزة: "ما أن سمعنا خبر الهدنة، وقف إطلاق نار، فرحنا كثيراً واستعددنا لنرجع إلى غزة، على بيوتنا".
وقالت "مهيرة العشي"، وهي في الأصل من سكان مدينة غزة، وهي تسير بصعوبة بالغة على الطريق مع عائلتها: "لم أنم طوال الليل، أنتظرت الخبر كي أتحرك.. المهم أن أتحرك وأن أصل للمكان الذي عشت فيه وتربيت فيه وأهلي هناك.. انتظرت أن أذهب إليهم لأراهم مجدداً".
مواجهة واقع مرير
لكن سرعان ما ترسخت حقيقة الوضع المأساوي في أذهان كثيرين ممن عادوا بالفعل.
وإلى الجنوب في مدينة خان يونس، يدفع أحمد البريم دراجة محملة بالخشب وسط مشهد دمار مروع، ويمر بصف تلو الآخر من المباني المدمرة بسبب القصف وبشوارع تكتظ بالأنقاض.
وقال وهو يحرك يده بحركات تؤكد كلامه: "رحنا على منطقتنا.. إبادة يعني مش عارف وين نروح بعد هيك".
وقال مهند الشواف، أحد سكان خان يونس: "بالنسبة لي كانت هناك مسافة 3 دقائق من الشارع إلى بيتي، لكنني استغرقت ساعة وربع كي اتخطى الركام من أجل الوصول إلى ركام بيتي"، مضيفاً: "والله الدمار كبير.. يعني لا يوصف.. شبح الخراب.. والمدينة لا تصلح للسكن".
لم يبق من الحياة القديمة سوى القليل
على الرغم من الاحتفالات بعد أنباء وقف إطلاق النار، يدرك كثير من الفلسطينيين تماماً أنه لم يبق لهم من الحياة التي كانوا يعيشونها قبل الحرب سوى القليل.
قالت بلقيس، وهي أم لخمسة أطفال من مدينة غزة نزحت إلى دير البلح وسط غزة، الجمعة: "حسناً.. انتهت الحرب، فماذا بعد ذلك؟ لا دار أرجع لها".
وأضافت: "دمروا كل شيء، عشرات آلاف الناس استشهدوا، وكل قطاع غزة صار ركام.. وعملوا وقف إطلاق نار، هل يعني لازم انبسط؟ لا مش مبسوطة أنا".
ويشاركها نفس المشاعر مصطفى إبراهيم، وهو ناشط ومدافع عن حقوق الإنسان من مدينة غزة، والذي نزح أيضاً إلى دير البلح، وهي واحدة من المناطق القليلة في القطاع التي لم تجتحها القوات الإسرائيلية وتسويها بالأرض.
وقال: "غابت الضحكات ونضب البكاء، لا آمال ولا أحلام، هروب من الذكريات والماضي القريب، أهل غزة هائمون كأنهم موتى يتحركون بحثاً عن مستقبل بعيد".
"بحر من الأنقاض"
وبدأ بعض سكان مدينة غزة بالفعل العودة حتى قبل دخول وقف إطلاق النار حيز التنفيذ، حيث وصل بعضهم إلى حي الشيخ رضوان شمال غرب المدينة.
من بين هؤلاء إسماعيل زايدة، وهو أب لثلاثة أطفال يبلغ من العمر 40 عاماً، ذهب لتفقد منزله، ودهش عندما وجده لا يزال سليماً، لكن وسط "بحر من الأنقاض".
وقال في رسالة صوتية: "الحمد لله ما زال بيتنا قائماً.. لكن المكان كله دمار، البيوت في الحي تبعنا مدمرة، مربعات سكنية كاملة كلها راحت".
وأسفرت الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة منذ 7 أكتوبر 2023 عن سقوط أكثر من 67000 شخص، وحولت معظم القطاع الساحلي إلى مساحات شاسعة من الأطلال والحطام، وتسببت في كارثة إنسانية.