"لن نتخلى عن النووي".. بيونج يانج تبعث رسالة لواشنطن عبر عرض صاروخ باليستي

الظهور الأول للصاروخ الباليستي العابر للقارات العامل بالوقود الصلب "هواسونج-20" (Hwasong-20)، خلال احتفالات ضخمة أقامتها كوريا الشمالية بمناسبة الذكرى الثمانين لتأسيس حزب العمال الكوري في العاصمة بيونج يانج.  10 أكتوبر 2025 وكالة الأنباء المركزية الكورية الشمالية (KCNA). - وكالة الأنباء المركزية الكورية الشمالية (KCNA).
الظهور الأول للصاروخ الباليستي العابر للقارات العامل بالوقود الصلب "هواسونج-20" (Hwasong-20)، خلال احتفالات ضخمة أقامتها كوريا الشمالية بمناسبة الذكرى الثمانين لتأسيس حزب العمال الكوري في العاصمة بيونج يانج. 10 أكتوبر 2025 وكالة الأنباء المركزية الكورية الشمالية (KCNA). - وكالة الأنباء المركزية الكورية الشمالية (KCNA).
بكين-شين شيوي

شهدت كوريا الشمالية في العاشر من أكتوبر عرضاً عسكرياً ليلياً واسع النطاق لم يقتصر على الكشف عن أحدث منظوماتها النووية الاستراتيجية، بل جاء أيضاً وسط تصاعد التوترات الجيوسياسية الإقليمية، ما لفت أنظار العالم مجدداً إلى شبه الجزيرة الكورية، وذلك قبيل الزيارة المرتقبة للرئيس الأميركي دونالد ترمب إلى كوريا الجنوبية في وقت لاحق من الشهر الجاري.

وأقامت كوريا الشمالية احتفالات ضخمة بمناسبة الذكرى الثمانين لتأسيس حزب العمال الكوري في العاصمة بيونج يانج خلال الفترة من التاسع إلى العاشر من أكتوبر.

وشارك في العرض الليلي عدد من القادة الأجانب، وألقى الزعيم الكوري الشمالي، كيم جونج أون، خطاباً وجّه فيه رسائل قوية إلى الولايات المتحدة. 

وكان أبرز ما في العرض الظهور الأول للصاروخ الباليستي العابر للقارات العامل بالوقود الصلب هواسونج-20 (Hwasong-20)، إذ عبرت ساحة كيم إيل سونج مركبتان تحملانه، في مشهد وصفته وكالة الأنباء المركزية الكورية، بأنه يمثل "أقوى منظومة سلاح نووي استراتيجي في البلاد"، مؤكدةً أن الصاروخ قادر على استهداف أي موقع داخل البر الأميركي الرئيسي. 

وقال الخبير العسكري وي دونجشيو لـ"الشرق"، إن عرض صاروخ هواسونج-20 يؤكد تسارع خطة بيونج يانج لمضاعفة ترسانتها النووية من خلال تكثيف أبحاث وتطوير وإنتاج وسائل حمل الأسلحة النووية، وذلك بعد عام واحد فقط من نجاحها في اختبار إطلاق صاروخ هواسونج-19 للمرة الأولى. 

الظهور الأول للصاروخ الباليستي العابر للقارات العامل بالوقود الصلب 'هواسونج-20' (Hwasong-20)، خلال احتفالات ضخمة أقامتها كوريا الشمالية بمناسبة الذكرى الثمانين لتأسيس حزب العمال الكوري في العاصمة بيونج يانج.
الظهور الأول للصاروخ الباليستي العابر للقارات العامل بالوقود الصلب 'هواسونج-20' (Hwasong-20)، خلال احتفالات ضخمة أقامتها كوريا الشمالية بمناسبة الذكرى الثمانين لتأسيس حزب العمال الكوري في العاصمة بيونج يانج. 10 أكتوبر 2025- وكالة الأنباء المركزية الكورية الشمالية (KCNA)

وفي 31 أغسطس الماضي، تفقد كيم جونج أون، محركاً صاروخياً عالي القدرة يعمل بالوقود الصلب، في أول إشارة رسمية إلى خطة بيونج يانج لتطوير صاروخ من الجيل التالي. وبعد أكثر من شهر بقليل، ظهر صاروخ هواسونج-20 للمرة الأولى في العرض العسكري.

وأوضح وي دونجشيو أن الهدف من تطوير هذا الصاروخ هو ضمان احتفاظ كوريا الشمالية بقدرتها على تنفيذ ضربة نووية انتقامية في حال تعرضها لهجوم من الولايات المتحدة، ما يحقق ما وصفه بـ"الردع النووي الحقيقي". 

توقيت الرسالة

من جانبه قال يانج شييو، الدبلوماسي الصيني السابق الذي شارك في المحادثات السداسية الخاصة بنزع السلاح النووي الكوري الشمالي لـ "الشرق"، إن توقيت ظهور الصاروخ هواسونج-20 في العرض يحمل أهمية استراتيجية، إذ يأتي قبل أسبوعين فقط من الزيارة المقررة للرئيس الأميركي دونالد ترمب إلى كوريا الجنوبية، ومشاركته في اجتماع قادة التعاون الاقتصادي لآسيا والمحيط الهادئ (أبيك). 

وبحسب البيت الأبيض، سيحضر ترمب قمة "آسيان" في ماليزيا يومي 26 و27 أكتوبر الجاري، ثم يزور اليابان لمدة 3 أيام قبل أن يصل إلى كوريا الجنوبية في التاسع والعشرين من الشهر نفسه. 

موقف بيونج يانج النووي "ثابت"  

تؤكد كوريا الشمالية موقفها الثابت بشأن السلاح النووي، ففي عام 2022 أعلنت نفسها دولة نووية، وتعهدت بألا تتخلى عن أسلحتها.

وبعد عودة ترمب إلى البيت الأبيض في يناير الماضي، جدّد كيم جونج أون، تأكيده على أن بلاده "لن تتخلى أبداً، مطلقاً" عن ترسانتها النووية، لكنها مستعدة لمناقشة "التعايش السلمي" مع الولايات المتحدة إذا تخلت واشنطن عن "هوسها غير المنطقي بنزع السلاح النووي". 

ويُعد هذا العرض الأول منذ سبتمبر 2023، وثامن عرض عسكري ليلي واسع النطاق منذ الذكرى الخامسة والسبعين لتأسيس الحزب الحاكم في عام 2020. 

وأوضح يانج شييو أن العروض الليلية تُعد خياراً تكتيكياً لأنها تُبرز المظهر البصري للمعدات العسكرية مثل الصواريخ والدبابات، ما يزيد من تأثيرها الدعائي، وفي الوقت ذاته يجعل من الصعب على أجهزة الاستخبارات الأجنبية مراقبتها وتحليلها عبر الأقمار الاصطناعية. 

وفي مقابلة صحافية عام 2022، كشف تاك هيون-مين، السكرتير السابق للبروتوكول في مكتب رئاسة كوريا الجنوبية، أنه أخبر هيون سونج-وول، التي كانت حينها رئيسة فرقة سامجيون الموسيقية في كوريا الشمالية وتشغل الآن منصب نائبة مدير إدارة الدعاية والتحريض في الحزب، أن إقامة العروض العسكرية ليلاً سيمنحها "تأثيراً أكثر درامية". 

هل أصبح نزع السلاح النووي أكثر صعوبة؟ 

قال وانج جونشنج، الأستاذ بالمعهد الوطني للاستراتيجية الدولية التابع لأكاديمية العلوم الاجتماعية الصينية، والذي زار بيونج يانج مؤخراً، إن ظهور هواسونج-20 وتمسك كوريا الشمالية بموقفها النووي "يثيران الشكوك بشأن فرص نزع السلاح النووي من شبه الجزيرة الكورية، وإمكانية استئناف الحوار بين واشنطن وبيونج يانج". 

وأضاف جونشنج لـ"الشرق"، أن مكانة شبه الجزيرة الكورية في الجغرافيا السياسية الدولية تعززت منذ الولاية الأولى لترمب، لكنه أوضح أن القضايا الأمنية الجوهرية ظلت دون حل، مشيراً إلى أن القمم الثلاث غير المثمرة التي جمعت كيم وترمب في سنغافورة وهانوي وبانمونجوم إلى جانب التغيرات السياسية في الولايات المتحدة وكوريا الجنوبية، وتداعيات الحرب الروسية الأوكرانية، دفعت المنطقة إلى دائرة جديدة من التوتر والتصعيد. 

وأوضح أن المواجهة بين كوريا الشمالية والولايات المتحدة اشتدت، وكذلك التوتر بين الكوريتين، معرباً عن قلقه من أن شمال شرق آسيا بات يظهر ملامح مواجهة تكتلية وأجواء "حرب باردة" جديدة، ما يزيد خطر الصراع العرضي ويغذي سباق التسلح، ويؤخر رفع العقوبات الاقتصادية التي تسعى بيونج يانج لتخفيفها، ما يؤدي إلى خسارة الجميع. 

بدوره، أشار يانج شييو إلى أن هناك شكوكاً كبيرة بشأن ما إذا كانت واشنطن وبيونج يانج لا تزالان قادرتين على جعل نزع السلاح النووي أولوية في المفاوضات، مضيفاً أن "حروب ليبيا والعراق والنزاع الروسي الأوكراني وتغيير النظام في سوريا عززت قناعة كوريا الشمالية بأن السلاح النووي أساسي لأمنها القومي"، وأنها "أصبحت أقل ميلاً للتخلي عنه، أو الكشف عن تفاصيل برنامجها النووي مسبقاً خشية التعرض للخداع". 

موقف كوري جنوبي يدعو للتجميد لا الإلغاء

وفي تقرير لهيئة الإذاعة البريطانية BBC بتاريخ 21 سبتمبر، قال الرئيس الكوري الجنوبي لي جاي ميونج، إنه سيدعم اتفاقاً بين ترمب وكيم جونج أون يقضي بتجميد إنتاج الأسلحة النووية الكورية الشمالية بدلاً من إلغائه، واصفاً ذلك بأنه "إجراء طارئ مؤقت ممكن وواقعي". 

وأوضح لي أن كوريا الشمالية تنتج ما بين 15 إلى 20 سلاحاً نووياً سنوياً. 

وفي الثاني من أكتوبر، وخلال مكالمة هاتفية بين وزير الخارجية الصيني وانج يي ونظيره الكوري الجنوبي تشو هيون-أون، أعربت سول عن أملها في أن تسهم علاقات الصين مع بيونج يانج في دفع جهود نزع السلاح النووي.

لكن كوريا الشمالية تجاهلت مجدداً دعوات جارتها الجنوبية، بعدما صنّف كيم كوريا الجنوبية "دولة منفصلة معادية"، وأعلن أن بلاده لم تعد مهتمة بإعادة توحيد شبه الجزيرة الكورية، متهماً الرئيس الكوري الجنوبي السابق يون سوك يول باتباع نهج استفزازي تجاه بلاده. 

"دبلوماسية داخلية" 

إلى جانب العرض العسكري، شكّلت احتفالات الذكرى الثمانين لتأسيس حزب العمال الكوري أول ظهور دبلوماسي داخلي رفيع المستوى للزعيم كيم جونج أون، بمشاركة كبار المسؤولين من الصين وروسيا وفيتنام، ما جعلها أعلى فعالية متعددة الأطراف تستضيفها كوريا الشمالية منذ إطلاقها استراتيجية "الدبلوماسية النشطة" الجديدة في عام 2023، بعد إغلاق عدد من بعثاتها الدبلوماسية في إسبانيا وأوغندا وأنجولا وهونج كونج.

وشارك في الاحتفالات كل من رئيس مجلس الدولة الصيني لي تشيانج، والأمين العام للحزب الشيوعي الفيتنامي تو لام، ونائب رئيس مجلس الأمن الروسي والرئيس الروسي السابق ديمتري ميدفيديف، في إشارة إلى تعزيز انخراط بيونج يانج مع شركائها الإقليميين الرئيسيين وسط بيئة جيوسياسية معقدة. 

وفي إطار التواصل الصيني الكوري الشمالي رفيع المستوى، أرسل الرئيس الصيني شي جين بينج في العاشر من أكتوبر رسالة تهنئة إلى كيم جونج أون، بينما أكد رئيس الوزراء الصيني الزائر لي تشيانج خلال لقائه كيم استعداد بلاده لتعزيز "التواصل الاستراتيجي" بين الجانبين، وذلك خلال زيارته الرسمية إلى بيونج يانج من 9 إلى 11 أكتوبر.

وفي بكين، حضر المسؤول الصيني البارز تساي تشي حفلاً أقامته السفارة الكورية الشمالية، في حين أعلنت هيئة البريد الصينية استئناف تشغيل الخط البريدي البري بين داندونج وسينويجو في 25 سبتمبر. 

وقال يانج شييو إن "كيم جونج أون يسعى إلى توسيع بصمته الدبلوماسية المتعددة الأطراف"، مشيراً إلى "أن الزعيم الكوري الشمالي شارك للمرة الأولى على الساحة الدبلوماسية متعددة الأطراف منذ توليه السلطة عام 2012، من خلال زيارته الصين في سبتمبر لحضور فعاليات إحياء الذكرى الثمانين لانتصار الصين في (حرب المقاومة ضد العدوان الياباني) خلال الحرب العالمية الثانية، ما يعكس تركيز بيونج يانج المتزايد على الانفتاح الدبلوماسي إلى جانب تعزيز الردع العسكري". 

واختتم حديثه قائلاً: "إن التركيز المزدوج لكوريا الشمالية على القدرات العسكرية والانخراط الدبلوماسي، إلى جانب الزيارة المرتقبة للرئيس الأميركي دونالد ترمب إلى كوريا الجنوبية، جعل المجتمع الدولي يراقب عن كثب كيفية تطور التوترات في شبه الجزيرة الكورية، وما إذا كان من الممكن تحقيق أي اختراق في المحادثات". 

تصنيفات

قصص قد تهمك