تصاعدت الاشتباكات بين حركة "حماس" ومجموعات مسلحة في قطاع غزة، خلال الأيام الماضية، اتهمتها الحركة بأنها "تتعامل مع إسرائيل" وتخرق النظام العام، فيما أدانت الرئاسة الفلسطينية ما وصفته بأنه "إعدامات ميدانية" خارج القانون.
وقالت مصادر من حركة "حماس"، لوسائل إعلام فلسطينية، إن قوات تابعة للحركة نفذت عمليات دقيقة وسط مدينة غزة أسفرت عن تحييد عدد ممن سمتهم "مطلوبين وخارجين عن القانون"، مشيرة إلى أن المواقع المستهدفة في القطاع حتى الآن هي خان يونس، حي الصبرة جنوبي مدينة غزة، جباليا والشجاعية.
وأوضحت المصادر أن جهاز أمن "رادع"، التابع للحركة، نفذ حملةً أمنية موسّعة، فجر الثلاثاء، استهدفت ما قال إنه "وكر للمتعاونين مع إسرائيل" في حي الشجاعية، وهاجمت مسلحين تابعين لشخص يدعى رامي حلس، شرق الشجاعية، مشيرة إلى وقوع "اشتباكات عنيفة".
وذكرت المصادر أن كتائب القسام، الذراع العسكرية لحركة "حماس"، تجهز مئات المقاتلين من أجل "حسم ما تبقى من فلول العملاء"، معتبرة أن "المُهمة القادمة هي مرحلة فرض الأمن والأمان والقضاء على الفلتان الأمني وحالة الفوضى التي تُزعزع الاستقرار والسكينة العامة".
الرئاسة الفلسطينية تدين "حماس"
في المقابل، أدانت الرئاسة الفلسطينية، الثلاثاء، بأشد العبارات ما وصفته بأنه "عمليات إعدام ميدانية طالت عشرات المواطنين في قطاع غزة، خارج نطاق القانون ودون أي محاكمات عادلة".
ووصفت الرئاسة، في بيان، الأحداث بأنها "جرائم بشعة ومرفوضة تحت أي مبرر كان"، وحمّلت حركة حماس "المسؤولية الكاملة" عنها، قائلة إنها تضر بالمصالح العليا للشعب.
وشددت على أن "ما جرى يمثل جريمة وانتهاكاً صارخاً لحقوق الإنسان، وتعدياً خطيراً على مبدأ سيادة القانون، ويعكس إصرار الحركة على فرض سلطتها بالقوة والإرهاب، في وقت يعاني فيه أبناء شعبنا الويلات في غزة من آثار الحرب والدمار والحصار "، بحسب ما جاء في البيان.
وأضافت الرئاسة الفلسطينية أن "القانون هو المرجعية الوحيدة" محذرة من أن "أي ممارسات من هذا النوع تمسّ وحدة الشعب الفلسطيني ونسيجه الاجتماعي، وتتناقض تماماً مع القيم الوطنية والأخلاقية ومع الجهود الجارية لتوحيد مؤسسات الدولة الفلسطينية تحت سلطة واحدة، وقانون واحد، وسلاح واحد".
ودعت إلى "وقف فوري لهذه الانتهاكات، وإلى حماية المواطنين العزّل، وضمان محاسبة كل من تورط في هذه الجرائم، ضمن إطار القانون والقضاء الفلسطيني الشرعي"، بحسب البيان.
وحذرت الرئاسة الفلسطينية من أن حركة "حماس" تسعى إلى تكريس حكمها في قطاع غزة "ما يعطي ذرائع للاحتلال، وسيتسبب بمنع الإعمار، وتكريس الانقسام ومنع قيام دولة فلسطين الحرة المستقلة".
ترمب: عصابات سيئة جداً
من جانبه، أقرّ الرئيس الأميركي دونالد ترمب، الاثنين، بموافقة الولايات المتحدة على فرض "حماس" سيطرة شرطية في شوارع غزة لفترة من الوقت".
وقال ترمب، للصحافيين، حين سئل عن ظهور عناصر من "حماس" في شوارع غزة: "إنهم يريدون إيقاف المشاكل.. وتحدثوا عن هذا بصراحة، ومنحناهم الموافقة لفترة من الوقت".
وقال ترمب، الثلاثاء: "في البداية تخلصوا (حماس) بالفعل من بعض العصابات الخطيرة جداً، وقتلوا عدداً من أفرادها، وهذا لم يزعجني كثيراً، بصراحة.. لا بأس.. كانت عصابات سيئة جداً".
ماذا حدث؟
وانطلقت "حماس" مع بدء سريان اتفاق وقف إطلاق النار في غزة، الجمعة، لتحاصر واحدة من كبرى العائلات في حي الصبرة. وقال شهود عيان إن الحركة "حاصرت عائلة دغمش وسط إطلاق للنار، وتطويق المربع السكني الذي تقيم به العائلة".
وكان شارع رئيسي يجاور منطقة الصبرة في جنوب مدينة غزة، شهد إطلاق رصاص، ليل الاثنين، فيما تباينت روايات شهود العيان عن حصيلة الضحايا التي قدرتها مصادر ميدانية بالعشرات، لكن لا جهة رسمية داخل القطاع أكدت العدد.
وقال مصدر ميداني من "حماس"، لـ"الشرق"، إن "تلك العمليات ضرورية لمنع انهيار الأمن، ومنع تسلل نفوذ إسرائيلي عبر شخصيات محلية أو تجار وسماسرة ارتبطوا بالاحتلال خلال فترة الحرب".
وأضاف المصدر: "ستكون مجموعات أبو شباب ومن على شاكلتها في صلب الاستهداف وسنحاسبهم على خيانتهم وعبثهم بالثوابت الوطنية واستغلالهم لمعاناة النازحين"، في إشارة إلى مجموعة مسلحة خرج زعيمها ياسر أبو شباب قبل إعلان وقف الحرب ليجهر بتعاونه مع الجيش الإسرائيلي وتصديه لحركة "حماس".
وتابع المصدر: "(كتائب عز الدين) القسام تتعامل الآن مع الانفلات الأمني، ومحاولات زعزعة السلم الأهلي وبالنهاية سنضع حداً للفلتان".
في المقابل، يرى معارضون للحركة أن "ما يحدث محاولة لإعادة تثبيت حكم الحركة على أنقاض الدمار، واستباق لأي ترتيب سياسي قادم يمكن أن يحد من نفوذها".
وسط هذا المشهد تحاول بعض الشخصيات المستقلة والعشائرية التوسط لوقف المواجهات وإعادة النظام بالحوار، لكن الواقع يشير إلى أن ميزان القوة يميل لصالح "حماس" التي تملك وحدها السلاح المنظم، بينما تعيش العشائر حالة انقسام وضعف، ومع ذلك، يبقى احتمال توسع المواجهات قائماً إذا استمر غياب المؤسسات المدنية والقضائية.
عائلة دغمش.. تاريخ من المواجهات
ولم تعلن "حماس" بشكل واضح عن تنفيذ عمليات إعدام في شارع التلاتيني، لكن الحركة ترتبط بتاريخ من المشاكل مع عائلة دغمش يعود إلى صيف عام 2007، حين سيطرت "حماس" على القطاع منفردة بعد تفوقها على السلطة الفلسطينية وطرد عناصرها.
وقالت مصادر في غزة تحدثت مع "الشرق": "بعد سيطرة حماس على القطاع في 2007، حاصرت الحركة عائلة دغمش، ونفذت إعدامات ميدانية بحق أفراد منها".
وأضافت المصادر التي عايشت تلك المرحلة أن "العائلة اختارت السكوت حينها وقبول الواقع الجديد، لكن مع اندلاع الحرب الأخيرة بدأت العائلة بعرض أوراقها من جديد".
وتنخرط عائلة دغمش في صراعات مع عائلات أخرى، منها اشتباكات مسلحة مع عائلة الديري قبل أعوام.
توترات متصاعدة
وتحدثت مصادر في غزة عن تنفيذ "إعدامات ميدانية" بحق متهمين بالتعاون مع إسرائيل، وعن تصفيات استهدفت خصوماً محليين تحت غطاء الأمن الميداني في أحياء أخرى بخلاف الصبرة.
وتصاعدت التوترات في منطقتي بيت لاهيا والشجاعية بشكل خاص، حيث استهدفت قوات "حماس" مجموعات مسلحة محلية كانت تنشط بشكل مستقل عن الأجهزة الرسمية، وتتهمها الحركة بأنها شاركت في عمليات نهب أو تعاونت مع جهات خارجية خلال الحرب.
وأفادت مصادر ميدانية بأن من بين الأسماء البارزة المستهدفة في بيت لاهيا رامي المنسي المتهم بالهرب إلى مناطق تواجد الجيش الإسرائيلي، بينما في الشجاعية كان التركيز على عناصر معروفة باسم رامي حلس وأحمد جندية، وهما من القيادات المحلية لمجموعات مسلحة لم تعترف بالسلطة الأمنية للحركة.
وذكرت مصادر ميدانية أن "حماس حاصرت عائلات في الشجاعية حيث اشتبكت مع من تتهمهم بأنهم عملاء للاحتلال"، كما صادرت سيارات بدعوى أن الجيش الإسرائيلي أعطاها للمتعاونين معه أثناء الحرب.
وذكرت تقارير إعلامية أن قوات "حماس" قتلت أكثر من 30 شخصاً بدعوى انتمائهم لعصابات مسلحة، واعتقلت العشرات في مناطق متفرقة من القطاع، بعضهم من عناصر سابقة في الأجهزة الأمنية القديمة أو من عائلات نافذة.
ولفتت التقارير إلى أن قوات "حماس" قتلت 6 أشخاص في عملية بمحيط مستشفى الشفاء، بعد أن اتهمتهم بأنهم "عملاء لإسرائيل" .
وفي خان يونس، تقول "حماس" إنها تواجه من تتهمهم بأنهم "تجار مخدرات ولصوص".