مع انهيار الائتلاف الحاكم في اليابان الأسبوع الماضي، برز زعيم "الحزب الديمقراطي من أجل الشعب" يويتشيرو تاماكي كمنافس قوي على رئاسة الوزراء، وذلك ذلك في ظل تزايد شعبيته بين الناخبين الشباب، وطرحه سياسات اقتصادية تستهدف دعم الدخل وتقليل الأعباء المعيشية.
ويجري تاماكي محادثات مع "الحزب الديمقراطي الدستوري" و"حزب الابتكار" الياباني (إيشين) للتوصل إلى اتفاق على ترشيح موحد في التصويت البرلماني المرتقب لاختيار رئيس الوزراء، في وقت تواجه فيه البلاد تحديات اقتصادية وديموغرافية متزايدة.
ويعد تاماكي الذي تزايدت شعبيته خلال العام الماضي بفضل طرحه سياسات اقتصادية تركز على تخفيف الأعباء المعيشية، أبرز مرشح لمنافسة زعيمة الحزب الحاكم ساناي تاكايتشي على المنصب.
وذكرت "بلومبرغ" أن هذا السيناريو كان يبدو مجرد خيال قبل أيام فقط، حين كانت تاكايتشي، يُشاد بها باعتبارها أول رئيسة وزراء محتملة لليابان.
ومن المقرر أن يلتقي تاماكي قادة "الحزب الديمقراطي الدستوري" و"حزب الابتكار الياباني" الأربعاء. وسيناقش القادة الثلاثة إمكانية التعاون على ترشيح مرشح موحد لمواجهة تاكايتشي في التصويت البرلماني المرتقب لاختيار رئيس الوزراء الجديد.
ويتقدم تاماكي حالياً كخيار أول ليكون مرشح المعارضة. فمجموع مقاعد الأحزاب الثلاثة يبلغ 210 مقاعد في مجلس النواب، ما يضعه في موقع قوي للفوز في حال لم يتمكن الحزب الليبرالي الديمقراطي من حشد أصوات إضافية بعد فقدان شريكه الائتلافي حزب "كوميتو". ومن يفز في التصويت سيقوم بتشكيل الحكومة التالية.
وقال تاماكي الثلاثاء، مع استمرار محادثات المعارضة: "أود أن أجعل من اليابان بلداً مليئاً بالأمل من جديد. في الوقت الحالي، لا يملك الشباب والجيل العامل أي أمل تقريباً، بل يمكن القول إنه لا يوجد أمل على الإطلاق، وأرى أن دوري كسياسي هو تغيير هذا الواقع".
من هو يويتشيرو تاماكي؟
قبل أقل من عام كان تاماكي يكافح للاحتفاظ بقيادة حزبه المعارض وسط تقارير عن علاقة خارج إطار الزواج. أما الآن، فإن الرجل البالغ من العمر 56 عاماً وعاشق ألعاب القوى أصبح في موقع يؤهله لقيادة البلاد، إذ أصبحت هوية الإدارة المقبلة إلى حد كبير في قبضته.
تاماكي الموظف السابق في وزارة المالية، دعا إلى رفع حد الإعفاء الضريبي على الدخل، وخفض ضريبة المبيعات، وإبطاء وتيرة رفع أسعار الفائدة في بنك اليابان.
وارتفعت شعبية تاماكي وحزبه بشكل ملحوظ خلال العام الماضي، إذ لاقت استراتيجيته القائمة على زيادة صافي دخل الأسر صدى واسعاً لدى الناخبين في سن العمل.
وينحدر تاماكي من محافظة كاجاوا في جزيرة شيكوكو، رابع أكبر جزيرة في اليابان، المشهورة بمعكرونة الأودون ومهرجان الرقص التقليدي "آوا أودوري".
وكان رياضياً مولعاً بألعاب القوى في شبابه، ويشير مازحاً إلى أنه يحتاج للجري وركوب الدراجات ورفع الأثقال لموازنة شهيته تجاه الأودون. كما يعزف على البيانو والجيتار.
تخرّج تاماكي في جامعة طوكيو، والتحق بوزارة المالية ثم بمدرسة كينيدي في جامعة هارفارد. انضم إلى الوزارة عام 1993، وهو نفس العام الذي فقد فيه الحزب الحاكم سلطته للمرة الأولى منذ تأسيسه.
وعلى جدار مكتبه نسخة مزخرفة من خطاطات رئيس الوزراء الأسبق ماسايوشي أوهيرا من مسقط رأسه، وتحمل 6 حروف معناها: "عندما تتحلّى بالهدوء، تنفتح لك السماء والأرض".
وقد يأمل الحزب الحاكم في استمالة تاماكي من جديد عام 2025، لكن قراره الحالي ليس المرة الأولى التي يختار فيها بين الحزب الحاكم والمعارضة. فعندما قرر دخول السياسة عام 2005، تلقى عروضاً من الحزبين، لكنه اختار الحزب الديمقراطي الياباني.
وخسر محاولته الأولى في كاجاوا، لكنه نجح في الثانية عام 2009 عندما أطاح حزبه بالحزب الحاكم في فوز تاريخي. وبحلول عودة الحزب الحاكم إلى السلطة أواخر 2012، كان تاماكي قد وصل إلى منصب نائب الأمين العام للحزب.
منذ ذلك الحين تنقل تاماكي بين عدة أحزاب منبثقة، قبل أن يتولى قيادة "الحزب الديمقراطي من أجل الشعب" عام 2020. ويعني تحالفه المحتمل مع "الحزب الديمقراطي الدستوري" و"حزب الابتكار الياباني" لمّ شمله مع عدد من قيادات الحزب الديمقراطي السابقة، مثل رئيس الوزراء الأسبق يوشيهيكو نودا ووزير المالية السابق سيجي مايهارا.
ولاقى أسلوب تاماكي في تبسيط رسائله السياسية عبر وسائل التواصل الاجتماعي صدى واسعاً بين الشباب.
يدير قناته الخاصة على يوتيوب ويتحدث عن قضايا الدين العام والأولمبياد وغيرها، ما جعله خياراً مستقبلياً واعداً أكثر من نودا، الذي استقال من رئاسة الوزراء عام 2012 بعد رفع ضريبة المبيعات لأول مرة منذ أكثر من عقد، وهو إجراء لا ينسجم مع الموقف الحالي لحزبه.
كما تشير استطلاعات الرأي إلى أن تاماكي يتفوق على نودا في الشعبية كرئيس وزراء محتمل.
أما على الصعيد الشخصي، فقد تم تعليق قيادة تاماكي للحزب لمدة 3 أشهر العام الماضي بعد اعترافه فعلياً بتقارير عن علاقة خارج الزواج.
ورغم محاولته الفصل بين حياته الشخصية والسياسية، إلا أن الحادثة تلقي بظلالها على صورته لدى بعض الناخبين. ومع ذلك، فإن قبول الحزب لاعتذاره وإعادته إلى موقع القيادة يعكس الرهان على جاذبيته السياسية ورسائله القوية وإمكاناته كزعيم وطني، وفق "بلومبرغ".
مرشح واحد؟
ويعد حزبل تاماكي إلى جانب حزب "سانسيتو" اليميني المتطرف، من القوى الصاعدة في الساحة السياسية اليابانية، ويجذبان الناخبين دون سن الخمسين الذين يشعرون بخيبة أمل من فشل الحزب الحاكم في معالجة قضايا مثل ارتفاع تكاليف المعيشة، وعبء الرعاية الاجتماعية في مجتمع يشيخ بسرعة، وكذلك مخاوف بعض ناخبي "سانسيتو" من تزايد أعداد الأجانب.
وعلى الرغم من أن كلا الحزبين كسبا مقاعد في انتخابات مجلس الشيوخ في يوليو الماضي، فإن مجلس النواب هو الذي سيقرر في النهاية من يصبح رئيساً للوزراء. وفي هذا المجلس يمتلك حزب تاماكي 27 مقعداً، مقارنة بـ3 مقاعد فقط لـ"سانسيتو".
وكان تاماكي استغل وجود حزبه في مجلس النواب العام الماضي للتوصل إلى صفقة مع الحزب الحاكم تقضي برفع الحد المعفي من ضريبة الدخل إلى 1.6 مليون ين (10,500 دولار)، مع هدف لاحق للوصول إلى 1.78 مليون ين.
ورغم أن وزارة المالية قدّرت أن هذا الإجراء سيكلف ما يصل إلى 8 تريليونات ين من الإيرادات المفقودة، اضطر الائتلاف الحاكم الأقلية حينها لقبول المطلب لضمان تمرير الميزانية. أما الآن، فقد يتمكن تاماكي من الذهاب أبعد من ذلك عبر استبدال الحزب الحاكم نفسه.
وتشير مواقف "الحزب الديمقراطي من أجل الشعب" المالية التوسعية ونهجه الحذر تجاه تطبيع السياسة النقدية إلى أن تولي تاماكي رئاسة الوزراء سيبقي الين في وضع ضعيف، وقد يزيد العبء على مالية الدولة إذا لم تتحقق الطفرة الاقتصادية الموعودة.
وفي انتخابات يوليو، دعا الحزب إلى خفض ضريبة المبيعات إلى 5% على جميع السلع حتى ترتفع الأجور الحقيقية بشكل مستدام، إضافة إلى إزالة ضرائب الوقود والرسوم الخاصة بالطاقة المتجددة من فواتير الكهرباء، في خطوة تهدف إلى تعزيز القوة الشرائية للأسر.
كما اقترح إصدار سندات تعليمية بقيمة 5 تريليونات ين سنوياً لدعم تربية الأطفال، مع دراسة خيارات تمويل متنوعة، من بينها تحويل جزء من ديون الحكومة المحتفظ بها لدى بنك اليابان إلى سندات دائمة.
خلافات بشأن الدفاع والنووي
لكن لتحقيق ترشيح موحد يجب على الحزب الديمقراطي من أجل الشعب والحزب الديمقراطي الدستوري تجاوز خلافاتهما بشأن قضايا الدفاع والطاقة النووية. إذ يريد تاماكي من "الحزب الديمقراطي الدستوري" أن يكون أكثر انفتاحاً على إعادة تشغيل المفاعلات النووية المغلقة، وأن يتبنى مواقف أكثر تشدداً في السياسة الأمنية. فحزبه يؤيد برنامج تعزيز الدفاع الذي أطلقه الحزب الحاكم، وحق تنفيذ ضربات استباقية ضد التهديدات.
وربما يستحضر تاماكي تجربة عام 1993 حين أطاح ائتلاف معارض بالحزب الحاكم لفترة وجيزة قبل أن يتفكك بسبب الخلافات السياسية. ولذلك يصر تاماكي حالياً على أن تبدأ الأحزاب الثلاثة من أرضية سياسية مشتركة، وفق "بلومبرغ".
ومع ذلك قد تنهار المحادثات ما ينهي فرص تاماكي ويفتح الطريق أمام تاكايتشي لتصبح رئيسة الوزراء، وهناك سيناريو بديل يتمثل في أن يقدم الحزب الحاكم تنازلات لحزب تاماكي، مثل منحه حقيبة وزارية مقابل دعمه في سياسات معينة مع بقاء تاكايتشي في رئاسة الحكومة. لكن هذا الاحتمال يبدو أقل جاذبية لرجل لديه فرصة حقيقية لقيادة البلاد.