يتوجه الناخبون في بوليفيا، الأحد، إلى صناديق الاقتراع في انتخابات ستشكل، أياً كانت نتيجتها، تحولاً كاملاً نحو اليمين بعد نحو 20 عاماً من حكم حزب الحركة نحو الاشتراكية "ماس" MAS اليساري.
وتشهد البلاد أول جولة إعادة رئاسية في تاريخها بين رودريجو باز بيريرا (58 عاماً)، السيناتور الوسطي اليميني الذي فاز بالجولة الأولى في أغسطس، وخورخي "توتو" كيروجا (65 عاماً)، الرئيس السابق المنتمي إلى اليمين المتشدد، والذي تفوّق في الأسابيع الأخيرة على خصمه في استطلاعات الرأي بحسب صحيفة "الجارديان".
ومنذ فوز إيفو موراليس الأول في انتخابات عام 2005، ظل حزب "ماس" في السلطة، لكنه تلقى أسوأ هزيمة له في تاريخه في الجولة الأولى الأخيرة؛ إذ قرر الرئيس غير الشعبي لويس آرسه عدم الترشح، فيما حصل مرشحه وزير الداخلية إدواردو ديل كاستيو على 3٪ فقط من الأصوات.
ويُتوقع أن يشكّل التحول اليميني لبوليفيا تغييراً جذرياً في طريقة تعامل البلاد مع زراعة نبتة الكوكا – وهي النبات الذي تُستخلص منه مادة الكوكايين، لكنها تُستخدم على نطاق واسع في بوليفيا بشكلها الطبيعي لأغراض ثقافية وطبية – وربما يعني ذلك عودة إلى "الحرب على المخدرات" التي شهدتها البلاد في عقود سابقة.
وفي وقت سابق هذا الأسبوع وصف وزير الخارجية الأميركي ماركو روبيو، الانتخابات البوليفية بأنها "إحدى أكثر التطورات الواعدة في أميركا اللاتينية" بعد سنوات من حكم "حكومة معادية لأميركا"، مؤكداً أن المرشحين كليهما يريدان علاقات قوية وأفضل مع الولايات المتحدة.
وقال عالم السياسة خوسيه أورلاندو بيرالتا إن مسألة إنتاج الكوكا ستكون محوراً أساسياً في علاقات الرئيس الجديد مع واشنطن، في ظل تبني إدارة ترمب سياسة أكثر هجومية في أميركا الجنوبية، تشمل ضربات جوية ضد قوارب يُشتبه في تهريبها المخدرات من فنزويلا.
أسوأ أزمة اقتصادية منذ عقود
وسيواجه من سيتولى الرئاسة في 8 نوفمبر أسوأ أزمة اقتصادية منذ 4 عقود، مع تضخم سنوي يبلغ 25٪ ونقص حاد في الدولار والوقود، حتى أن اللجنة الانتخابية سمحت لسيارات نقل صناديق الاقتراع بالحصول على وقود خاص من محطات البنزين وسط طوابير لا تنتهي.
وبعد أن كانت بوليفيا يوماً قوة طاقة إقليمية، أصبحت اليوم تستورد الوقود، ومن دون احتياطي من العملات الأجنبية، يعوّل كلا المرشحين على علاقات أوثق مع الولايات المتحدة لإنقاذ الاقتصاد.
وقالت خبيرة الجريمة المنظمة جابرييلا رييس روداس لـ"الجارديان"، إنها لن تستغرب إذا جعلت واشنطن عودة وكالة مكافحة المخدرات الأميركية (DEA) شرطاً لمنح القروض التي ستحتاجها الحكومة الجديدة.
وكان إيفو موراليس قد طرد الوكالة الأميركية في عام 2008 بعد أكثر من 30 عاماً من عملها في البلاد، إذ كانت علاقته بنبات الكوكا سابقةً حتى على مسيرته السياسية، حيث برز كزعيم نقابي لمزارعي الكوكا في منطقة تشاباري وسط بوليفيا.
وقال بيرالتا إن منطقة تشاباري "تشبه جمهورية صغيرة مستقلة، ثقباً أسود لا تصل إليه سلطة الدولة... وهناك تحديداً يحكم موراليس كملك".
ويتحصن موراليس في تلك المنطقة منذ العام الماضي، يحيط به المئات من مزارعي الكوكا الذين يحمونه من تنفيذ مذكرة توقيف بحقه بتهمة اغتصاب قاصر تبلغ 15 عاماً. وقد خلت المنطقة لأشهر من وجود الشرطة أو الجيش بعد أن هاجم أنصار موراليس إحدى الثكنات العسكرية.
وتُعد تشاباري واحدة من منطقتين رئيسيتين لزراعة الكوكا في بوليفيا، إلى جانب منطقة اليونجاس قرب لاباز. ويُعد مضغ أوراق الكوكا واستخدامها في الشاي أو الطقوس التقليدية أمراً قانونياً في البلاد، إذ تُستخدم لأغراض دينية وثقافية، وكمنشط طبيعي ومساعد على مقاومة تأثيرات الارتفاعات العالية.
وقال كيروجا إن "كوكا اليونجاس كانت وستبقى قانونية وعريقة وتقليدية"، بينما "كوكا تشاباري لها غرض واحد فقط: تهريب المخدرات".
أما باز بيريرا، فكان أقل حدة، لكنه قال في وقت سابق إن "كوكا اليونجاس جيدة، أما كوكا تشاباري فسيئة".
واتفقت رييس روداس على أن جزءاً من إنتاج تشاباري يُستخدم في تصنيع الكوكايين، لكنها حذّرت من الخطأ في تجريم كل الزراعة هناك.
وقال أكيلاردو كاريكاري، الأمين العام لاتحاد CSCIOB، وهو أحد أكبر الاتحادات التي تمثل الشعوب الأصلية ومزارعي الكوكا، إن معظم إنتاج تشاباري لا يُباع عبر السوق الحكومية المنظمة بسبب بُعد المسافة (180 كيلومتراً)، وإن أغلبه للاستخدام الشخصي، مؤكداً أنه "عندما يتم رصد أي انحراف نحو الاتجار، نبلغ السلطات فوراً".
ويُعد الاتحاد من بين المنظمات التي تحمي موراليس، ومع إعلان المرشحين عزمهما تطبيق مذكرة التوقيف بحقه في حال فوزهما، قال كاريكاري إن نظام الحراسة حول موراليس قد تم تعزيزه.
وأضاف: "نحن نعلم أن الهدف السياسي للإمبراطورية الأميركية الشمالية هو إيفو موراليس، وما يريدونه بأي ثمن هو التخلص من هذا القائد وهذا ما لن نسمح بحدوثه أبداً".