"حرب خفية".. كيف تحاول أميركا كسر احتكار الصين للمعادن النادرة؟

عمال ينقلون تربة تحتوي على عناصر أرضية نادرة للتصدير في ميناء في ليانيونقانج بمقاطعة جيانجسو في الصين. 31 أكتوبر 2010 - Reuters
عمال ينقلون تربة تحتوي على عناصر أرضية نادرة للتصدير في ميناء في ليانيونقانج بمقاطعة جيانجسو في الصين. 31 أكتوبر 2010 - Reuters
دبي -الشرق

تسعى إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترمب، إلى اعتماد مجموعة من الإجراءات غير التقليدية لتعزيز إمدادات الولايات المتحدة من المعادن الأرضية النادرة، في ظل هيمنة الصين على صادرات هذه المعادن الحيوية لصناعة السيارات والمحركات النفاثة والأسلحة ومراكز البيانات، حيث تستغل الحكومة في بكين هذه الهيمنة بطرق قد تضر الصناعة العالمية، بحسب صحيفة "نيويورك تايمز". 

وقالت الصحيفة الأميركية، الأربعاء، إن الإدارة الأميركية استحوذت في الأشهر الأخيرة على حصص في عدة شركات تعدين ومعادن، كما بحثت في إمكانية إقامة احتياطي استراتيجي من المعادن الأرضية النادرة، ودعم المنتجين المحليين من خلال فرض ضوابط على الأسعار والرسوم الجمركية.  

وأعلنت الولايات المتحدة عن اتفاق استراتيجي مع أستراليا لاستثمار مليارات الدولارات لتطوير إمدادات المعادن، ويتوقع أن يكون هذا الموضوع مطروحاً على جدول أعمال اجتماع مجموعة السبع المقرر في كندا نهاية الشهر الجاري. 

وأشاد بعض المحللين بمحاولات الإدارة الأميركية لإيجاد أساليب جديدة لتقليل الاعتماد على الصين الذي استمر في عهود عدة رؤساء أميركيين، لكنهم حذروا من أن هذه الإجراءات ليست حلًا سريعاً للاعتماد العميق على إمدادات المعادن الصينية. 

إذ أن بناء المناجم والمصافي والمصانع اللازمة لتوفير بديل حقيقي سيستغرق سنوات، حتى في حال تمكن المنتجون الأجانب من الحصول على المعدات والتكنولوجيا المطلوبة، والتي تقول الحكومة الصينية أنها تتحكم بها أيضاً.

استثمارات خطيرة

كما أن هذه الاستثمارات تتطلب رؤوس أموال ضخمة، مما يعرّض أموال دافعي الضرائب لخطر الاستثمار في شركات غير مجربة قد تفشل، بحسب الصحيفة. 

وأشارت الصحيفة إلى أن الصين تستخرج 70% من المعادن الأرضية النادرة على مستوى العالم، كما تقوم بمعالجة 90% من الإمدادات العالمية كيميائياً.

وعندما فرضت إدارة ترمب مؤخراً تعريفات جمركية مرتفعة وضوابط تكنولوجية أوسع، ردّت الحكومة الصينية بنظام تراخيص يسمح لها بالتحكم في شحنات المعادن الأرضية النادرة حتى خارج حدود البلاد. 

وأوضحت الصحيفة، أن القيود الجديدة ستشمل الشحنات التي تحتوي على نسبة 0.1% فقط من المعادن الأرضية النادرة ذات المنشأ الصيني، بالإضافة إلى استخدام معدات وتقنيات التعدين والتكرير الصينية. كما سيتحكم نظام التراخيص في تقنيات البطاريات التي تعدّ أساسية للمركبات الكهربائية والطائرات من دون طيار ومراكز البيانات التي تدعم تقنيات الذكاء الاصطناعي. 

وهدد ترمب بفرض ضريبة إضافية بنسبة 100% على الواردات الصينية بدءاً من الأول من نوفمبر المقبل، ما لم تتراجع بكين عن قيودها الجديدة المقررة للتطبيق في نوفمبر وديسمبر المقبلين. 

وذكرت الصحيفة، أن الولايات المتحدة والصين قد تخففان من حدة التوتر خلال اجتماعات رفيعة المستوى مقررة في وقت لاحق من الشهر الجاري، حيث من المتوقع أن يلتقي ترمب بالرئيس الصيني شي جين بينج في كوريا الجنوبية ضمن جولة آسيوية متعددة الدول. إلا أن الخبراء يشيرون إلى أن بكين من غير المرجح أن تلغي نظام التراخيص الجديد بشكل كامل، ما يعني أنها ستظل تحتفظ بالنفوذ على الولايات المتحدة ودول أخرى في حال عودة التوترات. 

وأكدت أبيجيل هانتر، المديرة التنفيذية لمركز المعادن في منظمة "تأمين مستقبل الطاقة في أميركا" غير الربحية، أن إدارة ترمب كانت "نشطة للغاية في محاولة حل هذه المشكلات"، لكنها شددت على أن تطوير الولايات المتحدة لسلسلة إمداد بديلة للمعادن الحيوية سيستغرق وقتاً.

وأضافت: "ستستمر التهديدات لإمدادات المعادن الأميركية حتى نُغير طريقة تفكيرنا بشأن أهمية هذه المواد النادرة"، مضيفة: "قوتك تعتمد على أضعف حلقات سلسلة الإمداد". 

ورقة ضغط صينية

وقالت "نيويورك تايمز"، إنه على الرغم من أن مدى القيود الجديدة التي فرضتها الصين كان مفاجئاً، فإن استخدام بكين لصادراتها كورقة ضغط لم يكن أمراً جديداً. ففي عام 2010، قطعت الصين صادرات المعادن الأرضية النادرة للضغط على اليابان خلال نزاع بحري، كما لجأت بكين إلى إجراءات تجارية أخرى للضغط على حكومات مثل أستراليا وكوريا الجنوبية وإستونيا. 

وأشار التقرير إلى أن إدارة الرئيس الأميركي السابق جو بايدن أجرت مراجعة لسلاسل توريد المعادن واعتمادها على الصين، لكنها لم تحقق تقدماً يُذكر في تقليل هذا الاعتماد، نظراً لأن عمليات التعدين والتكرير قد تلحق أضراراً بالبيئة، وتستغرق سنوات طويلة لإنشائها داخل الولايات المتحدة، حتى في حال الحصول على الموافقات اللازمة. 

كما بحثت إدارة بايدن إمكانية الشراكات الدولية، إلا أن وفرة المعادن الصينية التي تغمر السوق العالمية أدت إلى خفض الأسعار وجعلت العديد من المشاريع الدولية غير قادرة على المنافسة، بحسب المحللين. 

ونقل التقرير عن كورت كامبل، المدير والمؤسس المشارك لـ "مجموعة آسيا" ونائب وزير الخارجية السابق في إدارة بايدن، قوله: "كنا بارعين في تقدير حجم المشكلة، لكننا كنا أقل كفاءة في حلها". 

وفي ديسمبر الماضي، فرضت الصين حظراً على تصدير عدة معادن إلى الولايات المتحدة رداً على القيود التكنولوجية التي فرضتها إدارة بايدن. وفي أبريل، وبعد تهديد ترمب بفرض تعريفات جمركية على صادرات الصين، فرضت بكين مزيداً من القيود على تصدير المعادن الأرضية النادرة والمغناطيسيات، ما أدى إلى إغلاق مؤقت لبعض المصانع العالمية. 

وخلال هذا الشهر، وسّعت الحكومة الصينية برنامج التراخيص بشكل كبير، في خطوة وصفها بعض المسؤولين في إدارة ترمب بأنها تشبه الهجوم الياباني على بيرل هاربر خلال الحرب العالمية الثانية. وجاء هذا الإعلان بعد أن أدرجت الولايات المتحدة آلاف الشركات الصينية على قائمة الكيانات التي تحد من التكنولوجيا الأميركية المسموح لتلك الشركات بشرائها. 

برنامج التراخيص الصيني

وأكد مسؤولون صينيون، أن برنامج التراخيص يهدف إلى الوفاء بـ"الالتزامات الدولية لمنع الانتشار"، مع توجيه اللوم للولايات المتحدة على تعطيل المفاوضات الجارية. وقال لين جيان، المتحدث باسم وزارة الخارجية الصينية، الأسبوع الماضي، إن نظام التراخيص "يتماشى مع الممارسات الدولية". 

وأشار كامبل، إلى أن المسؤولين الصينيين أبلغوا إدارة ترمب سراً بأن نظام التراخيص للمعادن الأرضية النادرة ليس مقصوداً أن يكون له تأثير واسع النطاق، وأن الولايات المتحدة أساءت فهم هدفه. لكنه استبعد سحب بكين لهذه الإجراءات، قائلًا: "لا أعتقد أنهم سيتراجعون". 

وأشارت "نيويورك تايمز" إلى أن القيود التي اقترحتها الصين ستؤثر على مجموعة متنوعة من المعادن، لكل منها استخدامات وديناميكيات سوقية مختلفة. فبعض هذه المعادن تُستخدم في صنع مغناطيسات تُشغل توربينات الرياح، والمركبات الكهربائية، والمحركات النفاثة، في حين تُستخدم أخرى بكميات صغيرة في صناعة أشباه الموصلات، والأجهزة الطبية، وعلاجات السرطان. 

وأوضحت سارة ستيوارت، الرئيس التنفيذي لمركز Silverado Policy Accelerator للأبحاث، أن بعض الشركات الخاصة تسعى إلى تبني أساليب أكثر ابتكاراً لتعزيز الإمدادات المحلية، لكنها أكدت أن غياب التدخل الحكومي لدعم أسعار المعادن المنخفضة يصعّب على هذه الشركات تبرير الاستثمارات الرأسمالية الضخمة التي يتطلبها القطاع. 

وقالت: "حتى هذا الربيع، كان التدخل الحكومي ضعيفاً إلى حد كبير فيما يتعلق بكيفية الاستثمار في هذا القطاع. والآن نشهد اندفاعاً كبيراً". 

ومن جانبه، قال كوش ديساي، المتحدث باسم البيت الأبيض، إن الإدارة "ملتزمة باستخدام كل الأدوات المتاحة لحماية الأمن القومي  والاقتصادي لأميركا"، مضيفاً: "انتهى عصر اعتماد الولايات المتحدة على الخارج في اليوم الذي تولى فيه الرئيس ترمب منصبه". 

وأضافت "نيويورك تايمز"، أن إدارة ترمب ناقشت مجموعة متنوعة من الأساليب غير التقليدية لمعالجة المشكلة. حيث قال سكوت بيسنت، وزير الخزانة، في منتدى استثماري الأسبوع الماضي، إن الإدارة ستعمل على تحديد حد أدنى للأسعار، وتنفيذ عمليات شراء مسبق، وإنشاء مخزون استراتيجي من المعادن لضمان "عدم تكرار هذه المشكلة". 

وأشار وزير الخارجية الأميركي، إلى أن الحكومة ستسعى للاستثمار المباشر في صناعة المعادن الأرضية النادرة إلى جانب عدة قطاعات استراتيجية أخرى. 

تحركات أميركية

وكانت الحكومة الأميركية قد استحوذت بالفعل على حصص في عدة شركات في قطاع التعدين. ففي يوليو الماضي، وافقت وزارة الحرب الأميركية "البنتاجون" على استثمار 400 مليون دولار للحصول على حصة 15% في شركة MP Materials التي تمتلك منجماً للمعادن الأرضية النادرة على الحدود بين كاليفورنيا ونيفادا. وتعمل الشركة على إنهاء بناء مصنع في تكساس لتوريد شركة "جنرال موتورز"، وتخطط لإنشاء مصنع ثانٍ لتوسيع الإنتاج. 

كما أعلنت إدارة ترمب مؤخراً، استحواذها على حصص في شركتي Trilogy Metals الكندية، التي تعمل في تعدين النحاس والزنك في ألاسكا، وLithium Americas التي تطور واحداً من أكبر مناجم الليثيوم في العالم في نيفادا. 

اقرأ أيضاً

بين الرقائق والمعادن النادرة.. الصين وأميركا على حافة انهيار الهدنة التجارية

تقترب الهدنة التجارية بين الولايات المتحدة والصين من الانهيار، ما كشف عن هشاشة نهج الرئيس الأميركي دونالد ترمب بتفضيل سياسة عقد صفقات فردية، بحسب "بلومبرغ".

ونقلت الصحيفة عن مصادر مطلعة، أن إدارة ترمب تدرس المزيد من الاستثمارات الحكومية، مع التركيز على مجالات مثل مغناطيسات المعادن الأرضية النادرة، والتعدين في أعماق البحار، والمناجم الإفريقية التي لا تزال خارج السيطرة الصينية. 

وأشارت المصادر إلى أن الإدارة الأميركية تختار بعض أهداف الاستثمار المحتملة من قوائم المتقدمين لبرامج تمويل سابقة، وفي حالات أخرى تتواصل الشركات معها بشكل مباشر. 

وأثارت هذه الخطوات مخاوف بين بعض المحللين والمديرين التنفيذيين حول كيفية اختيار إدارة ترمب للأهداف التي تستثمر فيها أموال دافعي الضرائب، وحول جدوى هذه الصفقات، خصوصاً في مجال معالجة المعادن الذي يضم العديد من الشركات التي تسوّق تقنيات جديدة لم تُستخدم على نطاق واسع بعد. 

وقالت مهناز خان، نائبة رئيس مركز Silverado Policy Accelerator، إن مسؤولي الإدارة يمتلكون معرفة عميقة بالقطاع، ويتصرفون بحذر عند النظر في الاستثمار في شركات تقدم حلولًا غير مثبتة، مضيفة: "أعتقد أن هناك نوعاً من التردد". 

وأشارت الصحيفة، إلى أن جهود إدارة ترمب لتعزيز إمدادات بديلة من المعادن الأرضية النادرة تشمل تنسيق عدة وكالات حكومية، موضحة أن العديد من الإجراءات المتخذة تبدو حازمة، إلا أنها قد تواجه عقبات مثل ضعف التنسيق، والاضطرابات الحكومية التي تتضمن الإغلاق المستمر للحكومة، وتسريح أعداد كبيرة من الموظفين، بالإضافة إلى تعليق تمويل الكونجرس لبعض البرامج. 

مشكلات في التمويل

وذكر التقرير أن المجلس الوطني للهيمنة على الطاقة، الذي أُنشئ في البيت الأبيض في فبراير الماضي، يلعب دوراً رئيسياً في البحث عن مصادر جديدة للمعادن خارج الصين. كما شاركت وزارات الحرب والطاقة والخزانة الأميركية في جهود التمويل والاستثمار، بالإضافة إلى بنك التصدير والاستيراد الأميركي، فيما ناقشت وزارة الخارجية الشراكات الدولية. 

وكانت وزارة التجارة الأميركية، تستعد لفرض تعريفات جمركية على المعادن الأجنبية، إلى جانب تقديم تحليلات لسلاسل الإمداد العالمية. لكن بعض الموظفين السابقين أشاروا إلى أن عدد العاملين في الوزارة تقلّص نتيجة عملية إعادة الهيكلة خلال إدارة بايدن، والتقليصات الحكومية في عهد ترمب. 

وتعتبر مؤسسة تمويل التنمية الدولية الأميركية DFC، لاعباً مهماً في مجال الاستثمارات التي تتماشى مع أهداف السياسة الخارجية الأميركية، إلا أن تمويل الكونجرس للمؤسسة انتهى في 6 أكتوبر الجاري، ويحتاج إلى تجديد للسماح لها بمواصلة نشاطها الاستثماري. 

ويعتقد بعض المحللين والمديرين التنفيذيين، أن توفير تمويل أكبر من الكونجرس سيكون ضرورياً لدعم عمليات التعدين والمعالجة، أو لبناء مخزون استراتيجي من المعادن. 

في المقابل، يرى آخرون أن المشكلة تتطلب تنسيقاً دولياً نظراً لانتشار رواسب المعادن الأرضية النادرة حول العالم، إضافة إلى أن التشريعات البيئية الصارمة والتكاليف المرتفعة قد تعيق تنفيذ المشاريع داخل الولايات المتحدة. 

وفي تصريحات أدلى بها الأسبوع الماضي، قال وزير الخزانة الأميركي، إن الولايات المتحدة ستتواصل مع حلفائها في أوروبا وأستراليا وكندا والهند وآسيا للرد بشكل جماعي. وأضاف: "هذه ليست مشكلة بين الولايات المتحدة والصين فقط، بل هي مواجهة بين الصين والعالم". 

وفي تعليق له، قال إيفان ميديروس، أستاذ بجامعة جورج تاون ومستشار بارز في "مجموعة آسيا"، إن "النظام الصيني مذهل في تطبيقه للقوانين على أراضٍ خارجية"، لكنه تساءل عمّا إذا كانت إدارة ترمب تمتلك الإرادة السياسية والمرونة الدبلوماسية الكافية لحشد المقاومة الدولية ضد الإجراءات الصينية. 

وأضاف ميديروس: "السؤال الحقيقي هو ما إذا كان المجتمع الدولي سيدرك ذلك ويتكاتف لمواجهته". 

تصنيفات

قصص قد تهمك