مصادرة أصول روسيا.. الضربة التالية بعد تشديد العقوبات؟

تجمّع جماهيري بالقرب من الكرملين وسط موسكو بعد إعلان ضم روسيا لمناطق دونيتسك ولوهانسك وخيرسون وزابوروجيا في أوكرانيا، روسيا، 30 سبتمبر 2022 - REUTERS
تجمّع جماهيري بالقرب من الكرملين وسط موسكو بعد إعلان ضم روسيا لمناطق دونيتسك ولوهانسك وخيرسون وزابوروجيا في أوكرانيا، روسيا، 30 سبتمبر 2022 - REUTERS
دبي-حسين عبد الفتاح

خلال الساعات الماضية فرضت الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي أقوى حزمة عقوبات على روسيا، أملاً في وضع كلمة نهاية تأخرت كثيراً للحرب بين روسيا وأوكرانيا، لكن لو لم تفلح هذه الخطوة في ردع الكرملين، قد يلجأ الغرب إلى توجيه ضربة أخرى للرئيس الروسي فلاديمير بوتين، عبر مصادرة كل الأصول الروسية في الدول الغربية.

لكن هذه الخطوة لن تكون سهلة، وعواقبها لن تمر مرور الكرام، إذ ستكون لها تداعيات قانونية وسياسية واقتصادية خطيرة. ولهذا السبب أجّل الاتحاد الأوروبي، الجمعة، اتخاذ قرار بشأن استخدام أصول البنك المركزي الروسي المجمدة لتمويل دعم أوكرانيا حتى ديسمبر، حتى يحصل على وقت أطول لدراسة العواقب المحتملة.

ما حجم الأصول الروسية في الغرب وأين تُحتجز؟

تبلغ قيمة الأموال الروسية التي جمدها الاتحاد الأوروبي ومجموعة الدول السبع وأستراليا بما في ذلك أصول للبنك المركزي الروسي حوالي 280 مليار دولار في شكل أوراق مالية ونقد، معظمها من خلال شركة المقاصة "يوروكلير" ومقرها بلجيكا.

وأدت العقوبات المفروضة على شخصيات روسية بارزة إلى تجميد أصول إضافية تقدر بنحو 58 مليار دولار، بما في ذلك المنازل واليخوت والطائرات الخاصة، وفقاً لتقديرات وزارة الخزانة الأميركية، حسبما أفادت به "بلومبرغ".

في حين تشير تقديرات إلى أن الأصول الروسية المجمدة تتراوح بين 300 و330 مليار دولار، وفق معهد "بروكينجز".

وفي عام 2022، كانت معظم هذه الأصول عبارة عن أوراق دين مقوّمة باليورو أو الدولار الأميركي، وتدير "يوروكلير" حوالي 90% من الاحتياطيات المجمّدة في الاتحاد الأوروبي، بينما تحتفظ فرنسا بمعظم ما تبقى، في حين تمتلك الولايات المتحدة نحو 5 مليارات دولار فقط.

الوضع القانوني لمصادرة أصول روسيا

حذرت فاليري أوربين الرئيسة التنفيذية لشركة "يوروكلير"، التي تحتفظ بأكبر حصة من الودائع الروسية المجمدة، من أن خطوة مصادرة هذه الأصول قد تكون محفوفة بالمخاطر. 

وأبدت عدة دول أعضاء، مثل ألمانيا وبلجيكا ولوكسمبورغ، بالإضافة إلى البنك المركزي الأوروبي، مخاوفها من أن مصادرة الأصول قد تنتهك مبدأ الحصانة السيادية للدول بموجب القانون الدولي.

كما تتردد في فعل أي شيء يمكن تفسيره من الناحية الفعلية بالاستيلاء على تلك الأصول، الأمر الذي تتخوف من تسببه في رفع دعاوى قانونية، ومواجهة إجراءات انتقامية من موسكو. كما أعربت عن قلقها من التأثير المحتمل على مكانة اليورو كعملة احتياطية، وعلى الاستقرار المالي لمنطقة اليورو. 

وواجه مقترح الاتحاد الأوروبي لاستخدام أصول البنك المركزي الروسي المجمدة لتمويل أوكرانيا معارضة من بلجيكا، التي أثارت مخاوف قانونية بشأن الأصول المجمدة على أراضيها والبالغة 185 مليار يورو. ووصف رئيس وزرائها بارت دي ويفر الخطة بأنها "مجازفة كبيرة" تتطلب تقاسم المخاطر وضمانات طويلة الأجل، مقترحاً البحث عن مصادر تمويل بديلة لأوكرانيا، وفق "بلومبرغ". 

يوجد خيار آخر تجري مناقشته وهو أن يفرض الاتحاد الأوروبي على الدول الأعضاء مصادرة الأصول السيادية للتعويض عن تدمير البنية التحتية للطاقة في أوكرانيا.

وذكرت "بلومبرغ" في وقت سابق أن الخدمة الدبلوماسية للاتحاد الأوروبي وكذلك بعض الدول الأعضاء درست ما إذا كانت هناك حاجة إلى إصدار قرارات قضائية كأساس قانوني للاستيلاء على الأصول المجمدة، أو ما إذا كان حساب الضرر سيكون كافياً. 

هل تمت مصادرة أصول روسية بالفعل؟ 

نعم، فقد صادرت الحكومات الغربية عشرات اليخوت والفيلات والعقارات التابعة لأوليغارشيين روس خضعت للتجميد أو الحجز في دول غربية. مثال: اليخت "تانغو" المرتبط بالأوليجارش الروسي Viktor Vekselberg، والذي تم ضبطه في إسبانيا بطلب أميركي. 

ومنذ اندلاع الحرب في أوكرانيا، جمدت بريطانيا أصولاً روسية تزيد قيمتها على 25 مليار جنيه إسترليني تشمل ممتلكات مالية وعقارية وسفناً فاخرة، في إطار العقوبات المفروضة على موسكو، دون أن تصل بعد إلى مرحلة المصادرة الكاملة.

فالأصول الروسية في المملكة المتحدة، سواء تلك العائدة لأفراد أو لشركات كبرى أو حتى للبنك المركزي الروسي، تخضع لتجميد يمنع التصرف فيها أو نقلها، لكنها لم تُحول إلى ملكية بريطانية. وأكدت الحكومة البريطانية أن الإجراءات تستهدف حرمان الكرملين من موارد تمويل الحرب، بينما يجري بحث استخدام عوائد هذه الأصول – لا الأصول ذاتها – لتمويل دعم أوكرانيا، كما حدث حين خُصص نحو 70 مليون جنيه من فوائدها لشراء صواريخ لكييف.

وفي الإطار ذاته، احتجزت إيطاليا عدة يخوت ضخمة، بينها يخت يُعتقد أنه مرتبط ببوتين بقيمة 650 مليون دولار وآخر يُعد أكبر يخت شراعي في العالم بقيمة 550 مليون دولار، بينما صادرت ألمانيا يخت "ديلبار" المرتبط بالملياردير أليشر عثمانوف، وتبلغ قيمته نحو 600 مليون دولار. ويقدر إجمالي قيمة هذه المصادرات بما لا يقل عن 4 مليارات دولار، وفق "بلومبرغ" في نوفمبر 2022.

كما سيطرت ألمانيا على أصول "جازبروم" داخل أراضيها عبر تأميم شركتها التابعة "جازبروم جيرمانيا" التي أصبحت تُعرف باسم "سيكيورينغ إنرجي فور يوروب" لحماية أمنها الطاقي، ما مثّل فعلياً تجريداً لموسكو من ذراعها الاستراتيجي في سوق الغاز الأوروبي. في المقابل، حصلت شركة "يونيبر" الألمانية على حكم تعويض يفوق 13 مليار يورو ضد "غازبروم" بسبب انقطاع الإمدادات منذ 2022، وبدأت استرداد مبالغ محدودة، بينما لا تزال تسوية النزاع قيد التنفيذ.

ما الخطط المطروحة لاستخدام هذه الأموال؟ 

يدرس قادة الاتحاد الأوروبي خطة تهدف لتوفير قروض بقيمة 140 مليار يورو (164 مليار دولار) لأوكرانيا من أصول البنك المركزي الروسي المجمّدة. وقد اكتسب الاقتراح الطويل الأمد لاستخدام هذه الأصول زخماً بعد أن أوقفت الولايات المتحدة تحت قيادة الرئيس دونالد ترمب دعمها المباشر لكييف، تاركةً أوروبا تتحمل عبء مساعدة الدولة المنهكة بالحرب في مواجهة الغزو الروسي، وفق "بلومبرغ". 

واقترحت إسبانيا تأسيس صندوق دفاع جديد يهدف إلى تقديم منح غير قابلة للاسترداد لتعزيز خطوط الدفاع الأوروبية ودعم أوكرانيا، عبر استخدام أصول البنك المركزي الروسي المجمدة. قالت مدريد إن جزءاً من أصول البنك المركزي الروسي المجمدة في أوروبا، والتي تُقدر بنحو 200 مليار يورو (227 مليار دولار)، يمكن استخدامه أيضاً في تمويل مشاريع عسكرية تدعم أوكرانيا. 

واستخدم الاتحاد الأوروبي، الذي تُحفظ فيه معظم الأصول لدى شركة "يوروكلير"، العائدات الناتجة عن هذه الأصول لتغطية جزء من ميزانية أوكرانيا، وذلك ضمن حزمة قروض بقيمة 50 مليار دولار قدمتها مجموعة السبع.

ومع ذلك، تدرس المفوضية الأوروبية، الذراع التنفيذية للاتحاد الأوروبي، خيارات إضافية للاستفادة من هذه الأصول في دعم كييف وسط مخاوف أوروبية بشأن المساعدات الأميركية.

في 22 مارس 2024، أعلن رئيس الوزراء البلجيكي ألكسندر دي كرو اقتراحاً بإصدار سندات مدعومة بالأرباح التي تنتج عن الأصول الروسية المجمدة. وقال دي كرو للصحفيين بعد اجتماع حينذاك مع نظرائه في بروكسل: يمكن "أن نستخدم الحصيلة في سداد الفوائد على نوع من السندات الدائمة، ثم نستطيع في الواقع الاستفادة من ذلك على مستوى أوسع كثيراً".

في نهاية العام الماضي، دعا المفوض الاقتصادي في الاتحاد الأوروبي، فالديس دومبروفسكيس، إلى ضرورة اتخاذ خطوات أكثر جرأة، مثل مصادرة الأصول المجمدة للبنك المركزي الروسي، لتعويض أوكرانيا عن الأضرار التي لحقت بها جراء الحرب. 

وقال دومبروفسكيس: "علينا بالتأكيد استكشاف جميع الخيارات والعمل عليها". وأضاف أن "هناك مبدأ راسخاً بموجب القانون الدولي ينص على أن المعتدي يتحمل مسؤولية الأضرار التي يتسبب بها، لذلك يجب أن نجد آليات تمكننا من إلزام روسيا بدفع ثمن الدمار الذي تسببت به في أوكرانيا"، وفق "بلومبرغ". 

ما يزيد من تعقيد المقترحات أن مجموعة السبع استخدمت بالفعل الأرباح الناتجة عن الأصول الروسية المجمدة لدعم قرض بقيمة 50 مليار دولار لأوكرانيا.  

ولتهدئة مخاوف الدول الأعضاء، اقترح الاتحاد الأوروبي إبرام "عقد ديون مصمم خصيصاً" مع "يوروكلير"، بسعر فائدة 0%، لضمان قدرتها على الوفاء بأي مطالبات روسية محتملة في المستقبل.

وقالت رئيسة المفوضية الأوروبية، أورسولا فون دير لاين، إنه قد يُمكن توفير نحو 140 مليار يورو، ثم سيُقدّم المبلغ إلى أوكرانيا على شرائح، مصحوبة بعدد من الشروط. 

من جانبها، أبدت رئيسة البنك المركزي الأوروبي كريستين لاغارد انفتاحاً على استخدام الأصول الروسية المجمّدة لتدبير تمويل لأوكرانيا، شرط أن تتحرك دول العالم بشكل موحد في هذا الصدد. 

بموجب الخطط التي يناقشها الاتحاد الأوروبي، ستحصل أوكرانيا على قروض جديدة بنحو 140 مليار يورو (163 مليار دولار) باستخدام هذه الأصول، ولن تُسدّد الأموال إلا إذا وافقت روسيا على دفع تعويضات لأوكرانيا عن الأضرار التي تسببت بها الحرب. كما يسعى التكتل إلى تنسيق استخدام هذه الأصول مع حلفائه في مجموعة السبع، بما في ذلك الولايات المتحدة، حيث تُحتجز بعض هذه الأموال. 

ماذا عن موقف روسيا؟ 

قد ترد روسيا على مصادرة الاتحاد الأوروبي لأصولها المجمدة بتأميم وبيع أصول مملوكة للأجانب بسرعة ضمن آلية خصخصة جديدة، وفق "بلومبرغ". فقد وقّع الرئيس فلاديمير بوتين مرسوماً يتيح تسريع بيع الأصول الحكومية، في خطوة قد تشمل شركات روسية وأجنبية. وتعد هذه الخطوة إنذاراً لمئات الشركات الغربية التي لا تزال تعمل في روسيا، مثل "يوني كريديت" و"رايفايزن بنك" و"بيبسيكو" و"مونديليز". 

يحدد المرسوم الروسي فترة لا تتجاوز عشرة أيام لتقييم الأصول قبل البيع، ويسرع تسجيل الملكية من قبل الدولة، وفقاً للوثيقة المنشورة على موقع الحكومة الإلكتروني. وتم تكليف "برومسفياز بنك" (Promsvyazbank) المملوك للدولة بالتعامل مع مثل هذه الصفقات. وأكد أمر بوتين أن التغييرات جاءت استجابة للعقوبات المفروضة على روسيا. 

المتحدث باسم الكرملين دميتري بيسكوف وصف في وقت سابق خطة الاتحاد الأوروبي الخاصة بالأصول بأنها "مصادرة غير قانونية للممتلكات الروسية، سرقة". وحذّر بوتين من أن النظام المالي العالمي سيتعرض للخطر إذا مضى الغرب في مصادرة الاحتياطيات الروسية المجمدة في الخارج. 

حتى الآن، امتنعت روسيا عن تأميم الأصول العائدة إلى الشركات العالمية، لكنها اتخذت خطوات لوضع بعض الشركات تحت إدارة مؤقتة قبل ترتيب بيعها إلى مشترين مفضلين وبخصومات كبيرة، حسب "بلومبرغ".

ما التداعيات المحتملة لمصادرة كل الأصول؟

في حالة مصادرة كل الأصول التابعة للحكومة الروسية في الغرب، سيكون هناك العديد من التداعيات المتوقعة، ومنها على سبيل المثال:

- حدوث منازعات قانونية دولية واسعة، إذ إن مصادرة أصول سيادية ستطلق على الفور سلسلة دعاوى في محاكم دولية ووطنية قد تستمر سنوات وتكبد دُولاً مُطالبَة بتعويضات كبيرة. 

- إضافة إلى تحذير البنك المركزي الأوروبي من تقويض مصداقية اليورو وإضعاف الثقة بالنظام النقدي الدولي، ستكون المخاطر المالية أعلى بكثير إذا اتخذت دول مجموعة السبع (G7) إجراءات فردية بدلاً من التحرك بشكل متزامن ومنسّق، وفق دراسة أصدرها البرلمان الأوروبي. 

- قد تتراجع ثقة المستثمرين في الديون السيادية الأوروبية إذا قلّل كبار الحائزين عليها، مثل الصين والسعودية، من الاستثمار فيها، مما يؤدي إلى رفع تكاليف الاقتراض على حكومات منطقة اليورو.

- مصادرة الأصول الآن ستُفقد الغرب ورقة تفاوضية هامة في أي مفاوضات مستقبلية؛ الأفضل الاحتفاظ بها كتهديد رادع يُستخدم في حال خالفت موسكو وقفاً محتملاً لإطلاق النار.

- مصادرة ممتلكات دولة ستُشكّل سابقة خطيرة في القانون الدولي، قد تتيح استخدام مصادرة الأملاك كأداة قسرية مستقبلاً (أو بأثر رجعي)، ما قد يفتح صندوق "باندورا" من العواقب غير المتوقعة.

سيناريوهات بديلة لمصادرة الأصول الروسية

بين خيار المصادرة المباشرة المثير للجدل للأصول الروسية وبين الحالة الراهنة ضمن إطار مجموعة السبع، يجري البحث في عدد من السيناريوهات البديلة. وبحسب المعهد البولندي للشؤون الدولية، تشمل تنفيذ دفع التعويضات المقررة من قبل لجنة المنازعات الدولية وسداد التعويضات الصادرة عن المحاكم والهيئات القضائية الدولية وتوظيف أصول البنك المركزي الروسي لضمان تمويل دعم أوكرانيا واستخدام أصول البنك المركزي الروسي كضمان لسداد التعويضات في إطار اتفاق سلام مستقبلي أو وضع أصول البنك المركزي الروسي في حسابات إيداع مستقلة، حسب الدراسة الصادرة عن البرلمان الأوروبي. 

كما يبرز خيار استثمار الفوائد المتراكمة على الأصول الروسية المجمدة كحلٍّ وسطٍ يحظى بدعم متزايد داخل الاتحاد الأوروبي ومجموعة السبع. إذ يرى مؤيدوه أنه يتيح توجيه العوائد السنوية – التي تُقدّر بنحو 3 إلى 5 مليارات يورو – إلى صندوق دعم أوكرانيا دون المساس بأصل الأموال، ما يقلل المخاطر القانونية المرتبطة بالمصادرة الكاملة. ويستند هذا النهج إلى مبدأ "الاستفادة دون التملك"، بما يوازن بين الضغوط السياسية لمساعدة كييف والالتزامات القانونية الدولية تجاه حماية الملكية السيادية للدول.

ختاماً، في ضوء التعقيدات القانونية والسياسية، يظل ملف الأصول الروسية المجمدة إحدى أوراق الضغط الاستراتيجية الكبرى في النزاع المستمر بين الغرب وموسكو. وبينما تبحث أوروبا والولايات المتحدة عن سبل لاستثمار هذه الموارد لدعم أوكرانيا، تبقى المخاطر المرتبطة بمصادرتها كاملة، من منازعات قانونية دولية إلى ردود روسية محتملة، عالية للغاية.

هذا المحتوى من "اقتصاد الشرق مع بلومبرغ"

تصنيفات

قصص قد تهمك