على أطراف مدينة صغيرة في جنوب إسرائيل، يجري تحويل مستودع ضخم إلى مقر لمتابعة تنفيذ خطة الرئيس الأميركي دونالد ترمب للسلام في غزة، لا يزال قيد التطوير، وكما هو الحال مع الخطة نفسها، التي نجحت قبل نحو أسبوعين في إطلاق سراح الرهائن الإسرائيليين الأحياء المتبقين في غزة، تنتقل الآن إلى مهمة أكثر تعقيداً تتمثل في إيجاد بدائل لحركة "حماس" لتولي إدارة القطاع وتأمينه، حسبما أفادت صحيفة "وول ستريت جورنال".
وعمل نحو 200 جندي أميركي بالتعاون مع الجيش الإسرائيلي وشركاء آخرين خلال الأسبوع الماضي على إنشاء "مركز تنسيق مدني عسكري" جديد، يتولى مراقبة وقف إطلاق النار بين إسرائيل و"حماس"، وتنسيق تدفق المساعدات الإنسانية والدعم الأمني إلى غزة الواقعة على بُعد نحو 20 ميلاً من الموقع.
وتقسم عشرات الألواح البيضاء القاعة الإسمنتية الواسعة، تتوسطها شاشات كبيرة كُتبت عليها النقاط الـ20 لخطة ترمب للسلام في غزة.
كما تعج أرضية القاعة، المغطاة بعشب صناعي جديد، بالجنود والموظفين المدنيين الذين يتنقلون بين الألواح السوداء، فيما يصدح مكبر الصوت بتذكيرهم بعدم التدخين داخل القاعة.
وفي مركز قيادة مؤقت، تُعرض خرائط وتحديثات من وسائل الإعلام ومنصات التواصل الاجتماعي على الجدران، إلى جانب رسالة بخط أخضر، تقول: "يوم جديد وجميل يشرق. والآن تبدأ مرحلة الإعمار. الرئيس دونالد ترمب".
رمز ملموس
وأكد مسؤولون أميركيون، أن المركز يمثل "رمزاً ملموساً" لالتزام واشنطن باتفاق السلام في غزة، الذي يستند إلى ضمانة ترمب بأن إسرائيل لن تستأنف الحرب طالما التزمت "حماس" ببنود الاتفاق.
ويتيح هذا المركز أيضاً، مراقبة الخطوات التي يتخذها رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في مواجهة ضغوط داخلية من أعضاء ائتلافه المعارضين لإنهاء الحرب، فضلاً عن التنسيق مع شركاء إقليميين مترددين.
وشوهد ضباط من دول شريكة للولايات المتحدة، يتنقلون في أروقة المركز الجديد في مجموعات صغيرة، وقد حملت أكمامهم أعلام ألمانيا وفرنسا واليونان وقبرص وبريطانيا وأستراليا وكندا، في إشارة إلى الجهد الدولي الرامي إلى الحفاظ على وقف إطلاق النار في غزة، فما يشارك في العمليات جنود من الجيش الأميركي ومشاة البحرية و"قوة الفضاء".
ويشمل جزء من عملية المراقبة متابعة المعلومات المتعلقة بالتطورات في غزة، إذ شملت التقارير التي جُمعت مؤخراً تحديثات حول إعادة جثامين الرهائن الإسرائيليين، وتوافر المواد الغذائية في القطاع.
ودفع ترمب ومبعوثوه بالخطة إلى حيز التنفيذ بـ"أسلوب غير تقليدي"، إذ بدأوا بإعلان النصر، ثم العمل على تسوية التفاصيل لاحقاً. وقد تغلب هذا التفاؤل على تحفظات الأطراف بشأن الخطة، وساهم في إطلاق الرهائن وتحقيق أول هدنة مستمرة منذ سبعة أشهر من القتال.
وحافظت الإدارة الاميركية، هذا الأسبوع، على لهجة متفائلة، رغم إرسالها وفوداً رفيعة المستوى إلى إسرائيل لضمان استمرار المسار بعد سلسلة مناوشات بين الجانبين مطلع الأسبوع.
ومن بين أبرز مبعوثي ترمب وزير الخارجية، ماركو روبيو، ونائب الرئيس، جي دي فانس، والمبعوث الخاص، ستيف ويتكوف، وصهر ترمب، جاريد كوشنر، الذين تنقلوا بين تل أبيب وواشنطن خلال الأيام الأخيرة.
وقال روبيو، الذي كان آخر مسؤول أميركي يصل إلى إسرائيل، الجمعة، إن العمل الجاري في هذا المستودع الجنوبي هو "مفتاح الحفاظ على تماسك الخطة".
وأضاف بعد جولة تفقدية مع مسؤولين عسكريين ولقائه الجنود: "ليست هناك خطة بديلة. هذه هي الخطة الأفضل، وهي الخطة الوحيدة".
وقالت وزارة الخارجية الأميركية إنها سترسل مزيداً من الدبلوماسيين لدعم الجهود، معلنة أن السفير الأميركي لدى اليمن، ستيفن فاجن، سيتولى قيادة الشق المدني في المركز.
ورغم تأكيد المسؤولين الأميركيين، أنه لن تكون هناك قوات أميركية داخل غزة، فإن واشنطن تعمل على تشكيل "قوة استقرار" دولية تضم دولاً شريكة.
ورداً على سؤال حول تقرير إخباري مفاده أن واشنطن قبلت بـ"الفيتو الإسرائيلي" ضد مشاركة جنود أتراك في هذه القوة، قال روبيو إن إسرائيل يجب أن تكون "راضية عن قوام القوة" أثناء تشكيلها.
محادثات بشأن تشكيل "القوة الدولية"
وقال مسؤولون أميركيون إنهم يجرون محادثات مع عدة دول، بينها مصر وتركيا والإمارات وإندونيسيا وأذربيجان، حول تشكيل القوة، في حين شدد روبيو على أن قضايا أساسية ما زالت قيد البحث، منها طبيعة التفويض الممنوح لتلك القوة، وهيكل القيادة، والمسائل القانونية، وآلية التمويل، وقواعد الاشتباك.
وأوضح روبيو في هذا الصدد: "هناك الكثير مما يجب العمل عليه. ولهذا السبب يعمل كل هؤلاء الناس في هذا المبنى".
وأكد مسؤولون أميركيون، أن الجهود التنسيقية تجمع بين منظمات دولية وإنسانية، منها برنامج الأغذية العالمي، لتأمين إيصال المساعدات.
وقبل زيارة روبيو بيوم، شكل المركز فريقاً خاصاً بالسلع ذات الاستخدام المزدوج، لتحسين الوصول إلى المستلزمات الضرورية لفصل الشتاء والرعاية الصحية.
ولا تزال هذه الجهود، التي يشرف عليها الفريق، باتريك فرانك، قائد القيادة المركزية للجيش الأميركي، في مراحلها الأولى. وقال روبيو: "حققنا تقدماً خلال 13 يوماً يفوق كل التوقعات. علينا أن ننجح في ذلك، فليس أمامنا بديل آخر".










