مصادر لـ"الشرق": مباحثات بين طرفي النزاع حول الجوانب الفنية لمقترح واشنطن

ورقة أميركية لإقرار "هدنة إنسانية" في السودان.. وتحركات نحو تسوية سياسية

نازحون سودانيون بمخيم زمزم في بلدة الطويلة بشمال دارفور. 15 أبريل 2025 - REUTERS
نازحون سودانيون بمخيم زمزم في بلدة الطويلة بشمال دارفور. 15 أبريل 2025 - REUTERS
بورتسودان -خالد عويس

تكثف الولايات المتحدة، جهودها الدبلوماسية لإقرار "هدنة إنسانية محتملة" في السودان، تمتد من 3 إلى 9 أشهر، والتي اقترحتها إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترمب، على الأطراف السودانية، بغية تهيئة الظروف لإنهاء القتال الذي دخل عامه الثالث، مخلفاً واحدة من أكبر الكوارث الإنسانية في العالم حالياً، بحسب المنظمات الدولية.

بدأ الأمر بلقاء أحيط بسرية بالغة بين رئيس مجلس السيادة السوداني قائد الجيش، عبد الفتاح البرهان، وكبير مستشاري الرئيس الأميركي للشؤون العربية والإفريقية، مسعد بولس، في زيورخ بسويسرا في أغسطس الماضي، وكان بمثابة محاولة لـ"إذابة الجليد" بين الجانبين، السوداني والأميركي، أملاً في الدفع قدماً بتسوية تقودها "الرباعية الدولية"( الولايات المتحدة، والسعودية، ومصر، والإمارات).

البرهان، الذي اصطحب معه مسؤولين رفيعي المستوى من "أجهزة أمنية حساسة"، بحث مع بولس هذا المسار، والعقبات الكبيرة التي تعترضه، إضافة إلى ملفات تتعلق بمستقبل الحكم في السودان، والعلاقات الثنائية، وخاصة أمن البحر الأحمر، والاستثمارات، وعلاقة السودان بعواصم تنظر إليها واشنطن بريبة، ووضع "الإسلاميين" في البلاد، ومستقبلهم السياسي.

جهود أميركية للدفع نحو تسوية الأزمة

عمل الجانبان خلال تلك المحادثات، حسبما أشارت مصادر مطلعة في تصريحات لـ"الشرق"، على تعبيد الطريق أمام تسوية محتملة، في ظل مخاطر كبيرة تحيط بهذه الجهود. فمن ناحية، توجب على الأميركيين استضافة وفدين من الحكومة السودانية وقوات الدعم السريع، والبحث بشكل منفصل في شأن التسوية، وأيضاً تقريب وجهات النظر بين أطراف "الرباعية الدولية".

وعمل الأميركيون، على تقريب وجهات النظر بين بعض أطراف "الرباعية" من جانب، والحكومة السودانية من جانب آخر، وهو الأمر الذي نجحوا فيه، إلا أن الاختراق المطلوب لم يكن كافياً لعقد لقاءات على مستويات أرفع، وإن بقي الباب موارباً لمثل هذا اللقاء، الذي كان مقترحاً في مصر، بحسب مصادر مطلعة تحدثت لـ"الشرق".

ويسعى رئيس المجلس السيادي السوداني عبد الفتاح البرهان، لإقناع شركائه بهذا المسار الجديد، وخاصة الحركات المسلحة التي يقودها حاكم دارفور، مني أركو مناوي، ووزير المالية، جبريل إبراهيم، ونائب حاكم دارفور، مصطفى تمبور، خاصة في ظل حصار طويل على مدينة الفاشر بشمال دارفور، انتهى بسيطرة الدعم قوات الدعم السريع عليها، ما جرّد هذه الحركات من ورقة مهمة كانت بحوزة قادتها، ما يزيد من تعقيدات المشهد السوداني. 

امرأة سودانية نازحة تُحضّر الشاي فيما يجلس آخرون في خيام مؤقتة بعد فرارهم من مدينة الفاشر في دارفور، منطقة طويلة، السودان. 29 أكتوبر 2025
نازحون في خيام مؤقتة بعد فرارهم من مدينة الفاشر في دارفور، منطقة طويلة بالسودان. 29 أكتوبر 2025 - Reuters

علاوة على ما سبق، يرى محللون أن "الحركة الإسلامية" في السودان، باتت "محشورة" في الزاوية، بعد أن وضعت "كل البيض في سلة القضاء على قوات الدعم السريع"، ومن ثم رسم خريطة سياسية جديدة، إلا أن قادتها يؤكدون زهدهم في العودة للسلطة في الوقت الحالي، ويشددون أن ما يصفونه بـ "الجرائم الكبرى" للدعم السريع لا يمكن تجاوزها لصالح تسوية "قد تعيد قيادة هذه القوات" وحلفاءها إلى سدة الحكم، في إشارة لتحالفي "تأسيس" و"صمود".

والثلاثاء، خرج اجتماع مجلس الأمن والدفاع السوداني، برئاسة البرهان، "بالصمت عن لا أو نعم" بشأن رد الحكومة على الورقة الأميركية، مكتفياً، في بيان، تلاه وزير الدفاع، حسن كبرون، بالقول، إن المجلس "يرحب بأي جهود تدعو لإنهاء معاناة السودانيين"، موجهاً الشكر للحكومة الأميركية على مساعيها.

وخلّف البيان المقتضب "فراغات" بشأن رؤية الحكومة السودانية للتعاطي مع رغبة إدارة الرئيس الأميركي ترمب في التوصل إلى هدنة، غير أن مراقبين أشاروا إلى أن الجانب السوداني ربما يرغب في تحاشي سخط بعض القطاعات السياسية والشعبية، ولجأ إلى سياسة "تجرع الدواء المر" على دفعات، خشية ألا يكون المسرح مهيئاً كلياً لمشهد جديد، ربما مؤداه الإطاحة بقوى وصعود أخرى.

الحكومة السودانية، ربما لا ترغب في إغضاب واشنطن، وفي ذات الوقت هي لا تستطيع المضي قدماً في هدنة كهذه، إن لم تسترجع على الأقل مدينة "بارا" في شمال كردفان، وعينها أيضاً على الفاشر التي خسرها الجيش وحلفاؤه، مؤخراً، ما خلّف حالة من الإرباك، ربما على الوضع الميداني، وعلى التحالف الحكومي أيضاً.

ملامح الورقة الأميركية

أكدت مصادر مطلعة لـ"الشرق"، انخراط الحكومة السودانية وقوات الدعم السريع، في مباحثات مع الجانب الأميركي حول "هدنة إنسانية محتملة".

واعتبرت المصادر، أن الحديث عن اتفاق لوقف إطلاق النار في السودان، أو عقد مباحثات بشأن ذلك، أمران سابقان لأوانهما، مشيرة إلى محاولات جارية للتوصل إلى هدنة إنسانية في البلاد، واصفة التقدم الجاري، حتى الآن، في هذا الملف، بأنه "أبطأ من المطلوب".

وحصلت "الشرق" على نسخة من ورقة أميركية قُدّمت للجيش وقوات الدعم السريع، باسم "هيكل إعلان مبادئ لهدنة إنسانية على جميع التراب السوداني"، حوت 4 محاور أولها يؤكد على سيادة ووحدة السودان والحرص على إنهاء الأزمة، واقترحت التزام الجيش وقوات الدعم السريع بـ"حسن نوايا"، وتوقيتات ومدة الهدنة، وفصل القوات، وأي انتهاكات متوقعة.

كما تشدد الورقة الأميركية على ضمانات لوصول آمن وبلا قيود للمساعدات الإنسانية، ونصت كذلك على إنشاء "لجنة تنسيق للهدنة الإنسانية" في السودان، تعمل على رصد أي انتهاكات للهدنة المحتملة.

بنود الورقة الأميركية بشأن الهدنة الإنسانية المقترحة في السودان

  • تأكيد على سيادة ووحدة السودان والحرص على إنهاء الأزمة.
  • التزام الجيش وقوات الدعم السريع بـ"حسن نوايا" بتوقيتات ومدة الهدنة وفصل القوات وتحمل مسؤولية أي انتهاكات متوقعة.
  • ضمانات بشأن الوصول الآمن وبلا قيود للمساعدات الإنسانية.

كبير مستشاري الرئيس الأميركي للشؤون العربية والإفريقية، مسعد بولس، أعرب لصحافيين التقاهم في القاهرة عن "تفاؤل حذر" بإمكانية وقف إطلاق النار في السودان، لكنه أشار إلى أن القوات المسلحة السودانية والدعم السريع، "متجاوبتان" مع مقترح الهدنة الإنسانية.

وقالت صحيفة "السوداني"، على لسان رئيس تحريرها، عطّاف محمد مختار، والذي حضر اللقاء مع بولس، أن الأخير قال إن المقترح يشمل خيارين رئيسيين لهدنة إنسانية، الأول لـ 3 أشهر، والثاني لـ 9 أشهر، مشيراً إلى أن الجانب الأميركي يركز على اتفاق مفصَّل يشمل آليات "المراقبة، والمتابعة، والتنفيذ"، و"الجوانب الفنية واللوجستية والتقنية"، و"تنظيم خطوط الإمداد" ضمن خطة الهدنة في السودان.

مخاوف من عرقلة جهود التسوية

الصحافي شوقي عبد العظيم، وهو واحد ممن التقوا بولس في القاهرة، قال في تصريحات لـ"الشرق"، إن المسؤول الأميركي بدا "متفائلاً جداً" بمآلات الحراك الرامي إلى إبرام هدنة إنسانية، مشيراً إلى المبعوث الأميركي أبلغهم أن التوصل إليها سيكون "قريباً"، وأن الأطراف تبحث حالياً التفاصيل، وخاصة ما يتعلق بالمواقيت، والدعم اللوجستي، والمراقبة.

وأوضح عبد العظيم، أن بولس أكد ترحيب طرفي النزاع بالهدنة، لافتاً إلى أن وفدين رفيعين للجيش السوداني وقوات الدعم السريع، يبحثان في واشنطن منذ نحو 10 أيام، تفاصيل الهدنة المقترحة.

وقال عبد العظيم، إن بولس كان متكتماً على تفاصيل الورقة، وتجنب استخدام كلمة "مفاوضات" مستعيضا عنها بـ"اجتماعات".

وذكر أن بولس أبلغهم أن تحركاته استهدفت حشد دعم إقليمي ودولي لمساعي "الرباعية"، لافتاً إلى أن واشنطن ليست مهتمة حالياً بإدانة قوات الدعم السريع، أو تصنيفها كـ"منظمة إرهابية"، بقدر اهتمامها بإنهاء الحرب.

وكشف عبد العظيم، عن مخاوف بعض المراقبين من عرقلة "الإسلاميين" لجهود التسوية، وإمكان إبطالهم الهدنة من خلال خروقات تنسفها، إن تم التوقيع عليها.

وفيما امتنع قادة "الدعم السريع" عن التعليق، لـ"الشرق"، على الورقة الأميركية، وصف وزير مجلس شؤون الوزراء في حكومة "تأسيس"، إبراهيم الميرغني، الفرصة التي تلوح في الأفق، بمساعي الرباعية الدولية بأنها "الأخيرة لتحقيق السلام في السودان".

هدنة تقود إلى حل نهائي؟

ورأى الكاتب والمحامي، حاتم إلياس، في تصريحات لـ"الشرق"، أن الأمر يبدو أكبر من محاولة لفرض هدنة إنسانية فحسب، وإنما مسار يقود إلى "إنهاء الحرب عبر حل تفاوضي بين الجيش والدعم السريع".

وأضاف أن هناك "عوامل داخلية  أساسية مثل  التحريض الكبير الذي تقوم به جماعة الإسلاميين لاستمرار الحرب وهو مفهوم سياسياً؛ إذ أن وقف الحرب يعني تقليص فرصهم السياسية، والاتجاه لترتيبات جذرية تبعدهم من التأثير والتواجد في جهاز الدولة".

وأضاف أن قضية إبعاد الإسلاميين، وتقليص نفوذهم لم تعد شأناً داخلياً في ظل رغبة إقليمية ودولية بإقصائهم، حتى لو رغبت أطراف داخلية مثل تحالفي "صمود" و"تأسيس" النأي عن مسار كهذا قد يقود إلى تأزيم المشهد مرة أخرى.

من ناحية أخرى، ثمة بعض الأصوات القريبة من التيار الإسلامي، ترتفع عبر مواقع التواصل الاجتماعي، برفض أي حديث عن هدنة، إن لم تخرج قوات الدعم السريع من المدن والأعيان المدنية كلها، وحصر القوات في أماكن معلومة، وجمع سلاحها، إضافة إلى ضمان عدم إسناد أي دور سياسي لقيادتها مستقبلاً.

ويقول هؤلاء، أن الرأي العام السوداني لا يقبل التعايش مع من ارتكبوا انتهاكات واسعة بهذا القدر، في مقابل أصوات أخرى تجادل بأن الحرب لا يمكن أن تستمر للأبد، وأن سيطرة قوات الدعم السريع على الفاشر ينبغي أن تخفف غلو دعاة الحرب قليلاً ليدركوا أن معادلات الميدان متغيرة باستمرار، وأنه لا يحق لأحد ادعاء الحديث بلسان الشعب السوداني.

وضع ميداني معقد

ومساء الثلاثاء الماضي، أعلنت المتحدثة باسم البيت الأبيض، انخراط واشنطن في جهود دبلوماسية تهدف إلى تحقيق حل سلمي للصراع المروع في السودان، مشددة على التزام واشنطن بالعمل مع الشركاء الدوليين بقيادة عملية سلام تفاوضية، تعالج الأزمة الإنسانية الفورية، وكذلك التحديات السياسية طويلة المدى. لكنها أقرت بأن الوضع الميداني في السودان معقدٌ للغاية في الوقت الحالي.

وربما يوضع كلام المتحدث الأميركية في سياق يفهم منه أن إدارة ترمب، على أعلى مستوياتها، ترمي بثقلها وراء مسعد بولس الذي بات ضيفاً دائماً على المنطقة، أملاً في حل الأزمة السودانية التي تشغل حيزاً كبيراً من وقته الذي تتقاسمه أزمات أخرى مثل ليبيا، والكونغو الديمقراطية.

تصنيفات

قصص قد تهمك