"مؤسسة التراث" تنظم فعاليات سياسية للتعاون والتنسيق مع أحزاب اليمين الأوروبي

من "ماجا" إلى "ميجا".. اليمين الأميركي يتحرك لتصدير أجندته عبر الأطلسي

لافتة تحمل صورة الناشط اليميني الراحل تشارلي كيرك وزوجته على جانب مبنى مؤسسة التراث في واشنطن. 20 سبتمبر 2025 - REUTERS
لافتة تحمل صورة الناشط اليميني الراحل تشارلي كيرك وزوجته على جانب مبنى مؤسسة التراث في واشنطن. 20 سبتمبر 2025 - REUTERS
دبي -الشرق

تسعى "مؤسسة التراث" The Heritage Foundation، وهي مؤسسة بحثية محافظة مقرها واشنطن، تقف خلف خارطة الطريق الخاصة بـ"مشروع 2025" المرتبط بالرئيس الأميركي دونالد ترمب، إلى اكتساب أصدقاء جدد عبر الأطلسي.

وتتعاون "مؤسسة التراث"، وهي المحرك الفكري وراء الوثيقة المؤلفة من 922 صفحة، والتي أصبحت دليل السياسات الأساسي لترمب خلال ولايته الثانية، مع مجموعة حركات قومية يمينية متطرفة في أوروبا، لتصدير استراتيجيتها من أجل التصدي للسياسات التقدمية، وفق مجلة "بوليتيكو".

وشمل ذلك عقد مؤتمر في أواخر أكتوبر الماضي داخل مقر سابق كان يملكه رئيس الوزراء الإيطالي الراحل، سيلفيو برلسكوني، في روما، ركز على أزمة الديموجرافيا الأوروبية، وعلى فكرة أن تراجع معدلات المواليد يشكل تهديداً للحضارة الغربية.

وتحدث خلال المؤتمر روجر سيفيرينو، نائب رئيس "مؤسسة التراث" لشؤون السياسات الداخلية والمهندس الرئيسي لحملة المجموعة الرامية إلى إلغاء حق الإجهاض في الولايات المتحدة، إلى جانب وزيرة الأسرة الإيطالية المعارضة للإجهاض، إيوجينيا روتشيلا، ونائب رئيس مجلس الشيوخ، وأعضاء من مراكز أبحاث يمينية إيطالية.

كما شارك سيفيرينو، ورئيس "مؤسسة التراث"، كيفن روبرتس، في مؤتمرات ولقاءات عقدتها مجموعات يمينية متطرفة مثل "وطنيون من أجل أوروبا" Patriots for Europe، التي تضم حزب "التجمع الوطني" الفرنسي، بقيادة مارين لوبان، وحزب "الرابطة" الإيطالي، تحت شعار "لنجعل أوروبا عظيمة مجدداً" MEGA.

نشاطات يمينية في واشنطن وبروكسل

كما عقد ممثلو "مؤسسة التراث" اجتماعات خاصة في واشنطن وبروكسل مع مشرعين من أحزاب يمينية متطرفة في المجر والتشيك، وإسبانيا، وفرنسا، وألمانيا.

وعقدت المجموعة خلال الأشهر الـ12 الماضية سبعة اجتماعات مع أعضاء البرلمان الأوروبي، مقارنة باجتماع واحد فقط خلال السنوات الخمس السابقة، وفقاً لسجلات البرلمان.

كما عقدت المجموعة اجتماعات إضافية مع نواب أوروبيين لم تُسجل رسمياً، بينها لقاءات مع ثلاثة أعضاء من حزب "إخوة إيطاليا" بقيادة رئيسة الوزراء جورجيا ميلوني.

وقال نائب رئيس المؤسسة سيفيرينو لـ"بوليتيكو"، إن الاجتماعات التي عُقدت مع اليمين الأوروبي كانت تهدف إلى تبادل الأفكار؛ "لكن الرسالة تتجاوز المجاملات". 

وبالنسبة للسياسيين الأوروبيين، تمثل هذه الاجتماعات وسيلة للوصول إلى أشخاص مقربين من ترمب، أما بالنسبة لـ"مؤسسة التراث"، فإنها وسيلة لتمديد نفوذه خارج واشنطن وتحقيق أهدافه الأيديولوجية، التي باتت أكثر اقتراباً من نهج "لنجعل أميركا عظيمة مجدداً" MAGA تحت قيادة روبرتس.

وقال الباحث في "مؤسسة التراث"، مايك جونزاليس، إنه يجتمع مع الأحزاب المحافظة لتبادل الخبرات بشأن التصدي تحديات مشتركة.

وأضاف أن محاوريه "مهتمون للغاية" بسياسات الإجهاض ونظريات النوع والدفاع والصين، مشيراً إلى أن أجزاء من "مشروع 2025"، مثل القسم الذي كتبه حول وقف تمويل هيئات البث العامة، "يمكن نقله بسهولة" إلى أوروبا.

وأشار إلى أن المؤسسة تنشط في أوروبا منذ سنوات، لكن الطلب ازداد منذ عودة ترمب إلى المنصب. وقال إن قادة اليمين الأوروبي "يرون ترمب وما يفعله ويقولون: أريد أن أحصل على بعض من هذا".

محاولة ثانية أفضل

وهذه ليست المرة الأولى التي يحاول فيها تيار "لنجعل أميركا عظيمة مجدداً"، حشد اليمين الأوروبي. ففي عام 2019، حاول ستيف بانون، المستشار السابق لترمب توحيد الأحزاب القومية الشعبوية تحت مظلة مركز أبحاث يحمل اسم "الحركة" Movement في عام 2019، ولكنه لم ينجح، بسبب غياب الدعم من جانب تلك الأحزاب نفسها.

ويشكك مراقبون في أن تفضي هذه المحاولة المتجددة إلى نتائج مختلفة. وقال إي جي فاجان، أستاذ السياسة المشارك في جامعة إلينوي ومؤلف كتاب "المفكرون" The Thinkers عن مراكز الأبحاث الحزبية: "أنا متشكك في أن هذا سيحدث فرقاً كبيراً".

وأضاف فاجان: "لليمين الأوروبي موارده الخاصة التي تنتج سياسات، وبالتالي لا يوجد الكثير مما يمكن أن يقدمه مركز مؤسسة التراث للأحزاب الأوروبية".

واعتبر فاجان، أن هذه مشكلة بالغة الأهمية، لا سيما عندما يتعلق الأمر بصياغة التشريعات بدقة، لأن "مؤسسة التراث" لا تملك فريقاً عميق الخبرة من "أشخاص يمتلكون فهماً دقيقاً للقوانين والمعاهدات" في أوروبا.

لكن مهمة "مؤسسة التراث" في أوروبا تأتي في وقت تحرز فيه الجماعات اليمينية المتطرفة تقدماً في أنحاء القارة عبر استغلال الاستياء الشعبي إزاء قضايا مثل الهجرة، وسياسات المناخ والسيادة، والدفع بسياسات مشابهة لما ورد في أجندة "مشروع 2025".

وفي إيطاليا، تقدم نائبان بمقترح يمنح صفة "الشخص للجنين"، بما يجعل الإجهاض مستحيلاً. وتستعد حكومة إقليم لاتسيو للموافقة على قانون يضمن حماية الجنين "من لحظة التخصيب"، على غرار جهود مماثلة في الولايات المتحدة.

وتسعى روتشيلا، وزيرة الأسرة في حكومة ميلوني التي ظهرت الشهر الماضي إلى جانب سيفيرينو من "مؤسسة التراث"، إلى منع قانون إقليمي يحظر على "المعترضين بوازع من ضمير" العمل في العيادات التي توفر عمليات الإجهاض.

ولا يتوقف الأمر فقط عند حقوق الإنجاب، إذ انسحبت حكومة ميلوني من مذكرة التفاهم الخاصة بـ"مبادرة الحزام والطريق" الصينية، وهو البرنامج الطموح الذي يهدف لتمويل استثمارات تتجاوز تريليون دولار في البنية التحتية. كما حظرت فعلياً شركة الاتصالات الصينية العملاقة "هواوي" من المشاركة في تطوير البنية التحتية للاتصالات.

كما حاول لوتشيو مالان، النائب في حزب "إخوة إيطاليا" وشارك كمتحدث في مؤتمرين نُظما بالتعاون مع "مؤسسة التراث"، إلغاء حظر الإعلانات "المُعادية للمثليين والمتحيزة ضد النساء"، رغم أنه قال لـ"بوليتيكو" إنه شارك في الفعاليات بدعوة من مركز أبحاث "فاري فوتورو" الوسطي اليميني الذي شارك في تنظيم الفعاليات مع "مؤسسة التراث".

صعود اليمين في أوروبا

وتملك "مؤسسة التراث" وحلفاءها في إدارة ترمب الكثير ليجنوه من صعود الأحزاب القومية في أوروبا، التي تضغط بدورها لتأجيل التشريعات الخاصة بالمناخ والزراعة، وتنحاز إلى الولايات المتحدة وشركات التكنولوجيا الكبرى في مجال التنظيم الرقمي.

وفي وقت سابق من العام الجاري، استضاف "مؤسسة التراث" عرضاً لمقترحات مركزين بحثيين أوروبيين يمينيين متطرفين، هما "ماتياس كورفينوس كوليجوم" MCC في المجر، و"أوردو إيوريس" Ordo Iuris في بولندا، لإعادة هيكلة الاتحاد الأوروبي وتقويض المفوضية ومحكمة العدل الأوروبية.

وتنشط مؤسسة "مؤسسة التراث" في أوروبا، بينما تواجه موجة جدل داخلي في الولايات المتحدة بعدما انحاز رئيسها كيفن روبرتس إلى جانب المذيع تاكر كارلسون في مواجهة انتقادات لتسجيله مقابلة مع ناشط يميني. وأثار الحادث تمرداً علنياً ضد روبرتس الذي اعتذر لاحقاً.

وقال كينيث هار، من مؤسسة "كوربريت يوروب أوبزرفيتوري" Corporate Europe Observatory غير الربحية التي تراقب أنشطة الضغط في الاتحاد الأوروبي، إن التنفيذ السريع والممتد لأجندة "مشروع 2025" داخل الولايات المتحدة، منح "مؤسسة التراث" مصداقية أكبر في أوروبا، مضيفاً: "اعتماد ترمب على أجندتهم بشكل كامل منحهم وضعاً لا مثيل له".

وتابع هار أن "مؤسسة التراث" الآن، "لم يعد مركز أبحاث أميركياً فحسب، بل هو ممثل لتحالف (لنجعل أميركا عظيمة مجدداً). وليس مبالغة القول إنهم يمارسون سياسة خارجية بالنيابة عن الرئيس".

وبالنسبة لـ"مؤسسة التراث"، هناك سبب مباشر للتركيز على أوروبا تحديداً، فقد أصبحت بؤرة اهتمام للجهات المانحة والنشطاء في الولايات المتحدة، الذين يقلقون من "أسلمة" القارة وسياسات اليسار فيها.

وقال جونزاليس لـ"بوليتيكو": "لدينا مصلحة وجودية في أن تكون أوروبا ذات سيادة وحرة وقوية".

تصنيفات

قصص قد تهمك