قالت صحيفة "فاينانشال تايمز" البريطانية إن غياب ثلاثة ضباط كان من المتوقع أن يكون لهم دور حاسم في القيادة البحرية الصينية، خلال مراسم تدشين أحدث حاملة طائرات في بكين هذا الشهر أثار تساؤلات حول تأثير حملة التطهير التي يقودها الرئيس شي جين بينج على جاهزية الجيش للحرب.
وأشارت الصحيفة، في تقرير نُشر الجمعة، إلى أن لقطات بثها التلفزيون الرسمي الصيني أظهرت غياب قائد البحرية، الأدميرال هو تشونج مينج، والأدميرال وو يانان، قائد المسرح الجنوبي الذي يشمل جزيرة هاينان حيث جرت مراسم التدشين، كما غاب المفوض السياسي للأركان الإقليمية، الأدميرال وانج ونكوان.
وجاءت هذه الغيابات في وقت تشهد فيه البلاد موجة جديدة من الإقالات لضباط الجيش الصيني، ما يشير إلى أن حملة شي باتت تشمل أعداداً كبيرة من المسؤولين الذين يشغلون أدواراً قيادية حيوية، مما أثار تكهنات حول تأثير ذلك على تدريب الجيش واستعداده القتالي، بحسب الصحيفة.
ونقلت "فاينانشال تايمز" عن مسؤول أميركي مطلع على الموضوع قوله: "إنهم يحاولون المحافظة على المظاهر، لكن هذا بالتأكيد يؤثر على العمليات القتالية في الخطوط الأمامية للجيش"، مضيفاً أن الخبراء الذين لم يلاحظوا مثل هذا التأثير ربما يعانون من "فجوة في المعلومات الاستخباراتية".
غيابات بالجملة
وأشار التقرير إلى أن غياب الأدميرالات الثلاثة في هاينان جاء بعد أسابيع قليلة من إعلان بكين عن إقالة عشرة ضباط كبار آخرين في الجيش، من بينهم هو ويدونج، الذي كان يشغل سابقاً المنصب الثالث في سلسلة القيادة العسكرية، وقد تمت إقالته سراً في أبريل الماضي.
وأوضحت الصحيفة أن الأدميرالين مينج ويانان كانا من بين 27 ضابطاً كبيراً لم يحضروا اجتماعاً حاسماً للجنة المركزية للحزب الشيوعي، الشهر الماضي، حيث شكّلت هذه الغيابات نحو 64% من أعضاء اللجنة ذوي الخلفية العسكرية، ويُعتقد أن معظم الغائبين إما يخضعون للتحقيق، أو تم تأكيد إقالتهم من مناصبهم أو عضويتهم في الحزب.
وأكد التقرير أن رؤساء جميع الألوية الخمس للجيش الصيني، ما عدا واحد، إما غير معروف مكانهم حالياً، أو يخضعون للتحقيق، أو تمت إقالتهم.
وأضاف أن قيادات البحرية، والقوات البرية تعرضت للاستهداف بعد قيادة القوة الصاروخية، كما اختفى رؤساء العديد من الإدارات المتخصصة التابعة للجنة العسكرية المركزية، أعلى هيئة قيادة تحت إشراف شي، عن المشهد العلني، وقد أُطيح بعدد كبير من المفوضين السياسيين، أو يخضعون حالياً لتحقيقات حزبية.
ولفتت الصحيفة إلى أنه منذ إقالة ويدونج لاحظ المحللون تغييرات ملموسة في مناورات الجيش حول تايوان، المنطقة التي يُعتقد أن بكين تستعد للقيام بعمل عسكري فيها، والتي تتلقى فيها القوات الصينية تدريبات مكثفة.
وأشار التقرير إلى أن الجيش الصيني أرسل عدداً أقل بكثير من المقاتلات التي عبرت خط المنتصف لمضيق تايوان منذ مايو الماضي مقارنة بنفس الفترة من العام الماضي، كما انخفضت منذ يوليو أعداد الرحلات الجوية العسكرية قرب المجال الجوي لتايوان مقارنة بعام 2024.
استراتيجية الجيش الصيني
ومع ذلك، حذر خبراء من الاستنتاج بأن عمليات التطهير قد أضعفت الجاهزية القتالية للقوات، مشيرين إلى وجود عوامل أخرى قد تفسر هذه التغيرات.
ونقلت الصحيفة عن خبراء لهم صلات بالجيش التايواني قولهم إن إقالة ويدونج أدت إلى تغيير في استراتيجية الجيش الصيني.
وقال تريستان تانج، زميل مشارك في مشروع أبحاث الشؤون الدفاعية الصينية في تايبيه، إن "ويدونج كان القوة الدافعة وراء ما يُعرف بالحرب الرمادية تجاه تايوان"، مضيفاً: "كانت خبرته أساساً في وحدة استطلاع تابعة للجيش، وتركز على ترهيب تايوان وردعها، بالإضافة إلى اختبار قدرات العدو وفهم قواعد الاشتباك لديهم، وكان من المرجح أن يؤيد عمليات تجاه تايبيه تركز على هذا النوع من النشاط".
وأوضح تانج أن الجنرال تشانج يوشيا، نائب رئيس اللجنة العسكرية المركزية ورقم 2 في سلسلة القيادة بعد شي، كان أكثر تركيزاً على التدريب الصارم لتعزيز الهدف طويل المدى للرئيس الصيني المتمثل في جعل القوات قوية بما يكفي لمواجهة الولايات المتحدة.
وتابع: "تشانج،وويدونج كان لهما وجهات نظر مختلفة في اللجنة العسكرية المركزية، فالأول لم يكن يدعم الانخراط في أنشطة ملفتة، كما أنه من المحتمل أن تكون إقالة ويدونج أدت إلى العودة إلى شكل مختلف من برامج التدريب".
وأشار المطلعون على مناورات الجيش إلى وجود عامل آخر، يتمثل في تحسّن قدرة القوات الصينية على العمل بالقرب من تايوان، واليابان، والفلبين.
ونقلت الصحيفة عن مسؤول استخباراتي أجنبي قوله: "الجيش الصيني خلص في أواخر العام الماضي إلى أنه أتقن المهارات اللازمة للسيطرة على ما يُعرف بـ(سلسلة الجزر الأولى)، وبدأ بعد ذلك يركز تدريباته على مواجهة القوات الأميركية في المحيط الهادئ".
ولفت التقرير إلى أن الجيش الصيني أجرى تدريبات ضخمة في أواخر 2024، شملت عدداً قياسياً من السفن والطائرات البحرية حول تايوان، واليابان، وفي أعماق المحيط الهادئ، كما شهد الصيف الحالي تشغيل حاملتي طائرات خارج نطاق سلسلة الجزر الأولى، وأرسلت بكين إحدى الحاملات إلى شمال جزر ماريانا وجوام في المحيط الهادئ للمرة الأولى.
"أهداف سياسية أوسع"
وقال جيمس تشار، أستاذ مساعد في كلية الدراسات الدولية في سنغافورة، والذي يتابع حملة التطهير التي يقودها شي للجيش منذ عشر سنوات: "قد تكون التغيرات مرتبطة بإقالة القادة في الخطوط الأمامية من مناصبهم، وربما أيضاً بالسياق الإقليمي أو بالسياسة الداخلية في تايوان نفسها".
وأضاف تشار أن الصين قد تتجنب التحركات المثيرة للجدل للجيش لاستغلال انتخاب الرئيس الجديد لحزب "كومينتانج" المعارض في تايوان، والذي أدلى بتصريحات ودية تجاه بكين، كما أن رغبة الأخيرة في التوصل إلى اتفاق مع الرئيس الأميركي دونالد ترمب قد تكون أيضاً سبباً في تقليل النشاط العسكري حول تايبيه.
ومع ذلك، يحذر المراقبون من أن اتساع حملة التطهير التي يقودها الرئيس الصيني قد يكون له تداعيات كبيرة على الجيش الشعبي لسنوات مقبلة، وربما يشكّل مصدر قلق عند التفكير في أي صراع في مضيق تايوان.
وقال تشار: "ما نراه حتى الآن هو مجرد غيض من فيض"، مشيراً إلى التطهير العلني لكبار قادة الجيش الصيني، وأضاف: "قد يكون هناك مئات آخرون ممن قد يتأثرون ضمن المكاتب التابعة للجنة العسكرية المركزية".
وكانت حملة شي تركز في السابق على مكافحة الفساد المرتبط بأبحاث الأسلحة والمشتريات، ما أدى إلى إقالة العديد من كبار المسؤولين المرتبطين بقسم تطوير المعدات في اللجنة العسكرية المركزية، والقيادة الكاملة للقوات الصاروخية، ووزيري دفاع متتاليين، لكنها تتطور الآن إلى محاولة أوسع لإصلاح إدارة شؤون الأفراد في القوات المسلحة، بحسب "فاينانشال تايمز".
تعديلات إدارية
ومنذ إقالة مياو هوا أواخر العام الماضي، عضو اللجنة المسؤول عن الشؤون السياسية، أطلق شي حملة واسعة ضد المفوضين السياسيين، وهم ضباط الجيش المسؤولون عن ضمان ولاء القوات للحزب، وإدارة الترقيات والشؤون الإدارية للضباط.
وكانت صحيفة الجيش الشعبي قد أعلنت في يوليو الماضي عن مجموعة جديدة من اللوائح لتصحيح سلوك الكوادر السياسية في الجيش، وهو ما قد يؤدي إلى موجات جديدة من التطهير، وإلى تغيير سريع في القيادات، مما يسهم في ترقية أعداد كبيرة من الضباط الشباب ذوي الروابط السياسية المحدودة عبر صفوف القوات، بحسب الصحيفة.
واعتبر محللون أن جهود الإصلاح هذه تهدف إلى معالجة نقاط الضعف الهيكلية الناجمة عن نظام السيطرة السياسية على الجيش، الذي يعيق اللامركزية في القيادة، وهو ما يعتبره الخبراء العسكريون الغربيون ضرورياً لجعل القوة العسكرية مرنة في أوقات الحرب.
ولفت التقرير إلى قلق بعض المراقبين بشأن تأثير تعيين أعداد كبيرة من القادة الجدد على عقلية ضباط الجيش الصيني على المدى الطويل، حيث قال مسؤول تايواني رفيع: "قد يكونون أقل خوفاً من المخاطر، وأكثر قومية وعدوانية، لذلك، بصراحة، لا تزال نتائج هذه التطهيرات غير واضحة على الإطلاق".










