قبل ساعات من تقديم مجلس النواب تهمة عزل الرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب إلى مجلس الشيوخ لمحاكمته، أعلن عدد متزايد من الأعضاء الجمهوريين في مجلس الشيوخ معارضتهم هذا الإجراء، في خطوة تقلّص فرص إدانة ترمب بتهمة التحريض على اقتحام مقرّ الكونغرس، لمنعه من المصادقة على انتخاب جو بايدن رئيساً للولايات المتحدة.
وترمب هو أول رئيس سابق يواجه محاكمة عزل ستختبر هيمنته على الحزب الجمهوري، إضافة إلى إرث عهده. كما أن هذه الإجراءات سترغم الديمقراطيين على موازنة وعدهم بمحاسبة الرئيس السابق، مع مساعيهم بالإيفاء بأولويات بايدن، كما أفادت وكالة "أسوشيتد برس".
وأشارت الوكالة إلى أن مسؤولين فيدراليين لإنفاذ القانون يفحصون تهديدات مُوجّهة إلى أعضاء في الكونغرس، مع اقتراب موعد محاكمة ترمب، بما في ذلك أحاديث عن قتل مشرعين، أو مهاجمتهم خارج مبنى الكابيتول. ونقلت عن مسؤول قوله إن التهديدات تختلف من حيث نوعيتها وصدقيتها، لافتاً إلى أنها نُشرت بشكل أساسي على الإنترنت وفي مجموعات دردشة.
وذكرت الوكالة أن هذه التهديدات، ومخاوف من عودة محتجين مسلحين لمحاولة اقتحام مبنى الكابيتول مجدداً، دفعت شرطة الكونغرس وأجهزة أخرى فيدرالية لإنفاذ القانون إلى الإصرار على بقاء آلاف من قوات الحرس الوطني في واشنطن، فيما يمضي مجلس الشيوخ في خطط محاكمة ترمب.
"محاكمة غبية"
وثمة تهمة وحيدة للعزل، تتمثل في "التحريض على التمرد" في أحداث الكابيتول، علماً أن النواب الديمقراطيين يأملون بأن تُترجم تنديدات صارمة أدلى بها قياديون جمهوريون، لترمب بعد الشغب في الـ6 من يناير، إلى إدانة وتصويت منفصل لمنع الرئيس السابق من تولّي منصب منتخب مجدداً.
ولكن بعد انتهاء رئاسة ترمب، يلتف سيناتورات جمهوريون للدفاع القانوني عنه، كما فعلوا خلال أول محاكمة لعزله العام الماضي، علماً أنهم سيكونون محلّفين خلال المحاكمة التي ستبدأ الشهر المقبل.
وقال السيناتور الجمهوري ماركو روبيو: "أعتقد أن المحاكمة غبية، وتأتي بنتائج عكسية. أول فرصة لي للتصويت لإنهاء هذه المحاكمة، سأفعلها". ونبّه إلى أن ذلك سيكون سيئاً للولايات المتحدة، وسيؤجّج مزيداً من الانقسامات الحزبية.
وستبدأ الحجج القانونية في محاكمة مجلس الشيوخ، في الأسبوع الذي يبدأ في الـ8 من فبراير المقبل. واتفق قياديو الحزبين على هذا التأجيل الوجيز، لمنح الفريق القانوني لترمب والمدعين العامين في مجلس النواب وقتاً للاستعداد، ومجلس الشيوخ فرصة لتثبيت تعيين وزراء رشحهم بايدن.
ويعتبر الديمقراطيون أن الأيام الإضافية ستتيح ظهور مزيد من الأدلة بشأن أحداث الكابيتول، فيما يأمل الجمهوريون بصوغ دفاع موحّد عن ترمب، وفق "أسوشيتد برس".
"اصطفاف" جمهوري
ونقلت وكالة عن السيناتور الديمقراطي كريس كونز قوله إنه يأمل بأن الوضوح المتطوّر بشأن تفاصيل تلك الأحداث "سيوضح لزملائي وللشعب الأميركي أننا بحاجة إلى بعض المساءلة".
وتساءل كيف يمكن لزملائه الذين كانوا في مبنى الكابيتول في ذاك اليوم، أن يروا في التمرد أي شيء سوى أنه "انتهاك مذهل" لتقاليد الانتقال السلمي للسلطة. وأضاف: "إنها لحظة حاسمة في التاريخ الأميركي، وعلينا أن ننظر فيها بجدية".
وأشارت "أسوشيتد برس" إلى أن تصويتاً مبكراً برفض المحاكمة ربما لن ينجح، إذ إن الديمقراطيين يسيطرون الآن على مجلس الشيوخ. واستدركت أن المعارضة الجمهورية المتصاعدة تشير إلى أن كثيرين من الأعضاء الجمهوريين في المجلس سيصوّتون في النهاية بتبرئة ترمب، علماً أن الديمقراطيين يحتاجون إلى دعم 17 جمهورياً لإدانته.
وعندما صوّت مجلس النواب بعزل ترمب، في الـ13 من يناير، أي بعد أسبوع على اقتحام مقرّ الكونغرس، اعتبر السيناتور الجمهوري توم كوتون أن مجلس الشيوخ لا يملك سلطة دستورية لإدانة ترمب، بعد تركه منصبه.
وقال كوتون الأحد: "كلّما تحدثت مع أعضاء جمهوريين آخرين في مجلس الشيوخ، بدأوا في الاصطفاف" وراء هذه الحجة. وتابع: "كثيرون من الأميركيين سيستغربون أن يقضي مجلس الشيوخ وقته في محاولة إدانة رجل ترك منصبه قبل أسبوع، وعزله".
سابقة 1876
ويرفض الديمقراطيون هذه الحجة، مشيرين إلى محاكمة وزير حرب في عام 1876، كان استقال من منصبه، وإلى آراء لباحثين في القانون. ويعتبر الديمقراطيون أيضاً أن تصفية الحساب مع اقتحام مبنى الكابيتول، وهو الأول منذ حرب 1812، وارتكبه مشاغبون بتحريض من ترمب على نتائج الانتخابات، التي كانت تُحتسب في ذاك الوقت، هو أمر ضروري جداً، إذ يمكّن البلد من تجاوز الأمر والتأكد من عدم تكرار ذلك.
واتفق عدد ضئيل من جمهوريّي مجلس الشيوخ مع الديمقراطيين، لكنهم لا يؤمّنون العدد المطلوب من الأصوات لإدانة ترمب.
وقال السيناتور ميت رومني، وهو مرشح الجمهوريين للرئاسة في عام 2012، إن ثمة "رجحاناً في الرأي" بأن محاكمة العزل مناسبة، بعد ترك شخص لمنصبه. وأضاف: "أعتقد بأن ما يُزعم وما رأيناه، وهو تحريض على التمرد، هو جريمة تستوجب العزل". وسأل: "إن لم يكن كذلك، فما هو؟".
"نقطة خلافية"
ولكن يبدو أن رومني، وهو الجمهوري الوحيد الذي صوّت بإدانة ترمب، عندما برأه مجلس الشيوخ في محاكمة العام الماضي، هو استثناء. واعتبر السيناتور الجمهوري مايك راوندز أن المحاكمة هي "نقطة خلافية" بعد انتهاء ولاية الرئيس، وزاد: "أعتقد أنها ستواجه صعوبة بالغة في محاولة تمريرها داخل مجلس الشيوخ".
في السياق ذاته، حضّ السيناتور الجمهوري ليندسي غراهام، وهو حليف لترمب، ساعده في إعداد فريق قانوني، مجلس الشيوخ على رفض فكرة محاكمة ما بعد الرئاسة، مع احتمال التصويت برفض التهمة، مشيراً إلى أن الجمهوريين سيدققون في ما إذا كانت التصريحات التي أدلى بها ترمب في الـ6 من يناير، تشكل "تحريضاً" بشكل قانوني.
أما زعيم الجمهوريين في مجلس الشيوخ ميتش ماكونيل، الذي قال الأسبوع الماضي إن ترمب "حرّض" مؤيّديه قبل أحداث الكابيتول، فلم يكشف كيف سيصوّت أو يجادل في أي استراتيجيات قانونية. وأبلغ زملاءه في الحزب الجمهوري أنه سيكون تصويتاً للضمير.