إثر تعرضها لضغوط وشروط دولية.. السلطة الفلسطينية توقف دفع رواتب الأسرى ابتداء من هذا الشهر

الرئيس الفلسطيني محمود عباس يتحدث في المركز الاستشاري للسرطان في رام الله بالضفة الغربية المحتلة. 14 مايو 2025 - REUTERS
الرئيس الفلسطيني محمود عباس يتحدث في المركز الاستشاري للسرطان في رام الله بالضفة الغربية المحتلة. 14 مايو 2025 - REUTERS
رام الله-محمد دراغمة

قررت السلطة الفلسطينية وقف دفع رواتب جميع الأسرى في السجون الإسرائيلية، ابتداءً من هذا الشهر، واحالة المحتاجة من أسرهم الى مؤسسة "تمكين" الاجتماعية التابعة لمنظمة التحرير الفلسطينية وذلك إثر تعرضها لضغوط وشروط دولية قاسية.

وجاء في جاء قرار صدر عن الرئيس محمود عباس، ونشر مساء الأحد: "تعد المؤسسة الوطنية الفلسطينية للتمكين الاقتصادي الجهة الوحيدة المخولة بدفع المخصصات المالية، وتطبيق معايير الاستحقاق". وأضاف: "لن تصرف أي مخصصات مالية لأي فئة من الفئات المشمولة بالنظام الجديد إلا بعد تعبئة الاستمارة الموحدة المعتمدة من قبل المؤسسة، واستيفاء شروط ومعايير الاستحقاق المنصوص عليها في القانون".

وقال مسؤول فلسطيني للشرق، إن الأسر المحتاجة من عائلات الأسرى ستتلقى مخصصاً شهرياً تتراوح قيمته من 1400-1880 شيكل شهرياً (الدولار يساوي 3.25 شيكل)

ويصل عدد الأسرى الفلسطينيين في السجون الإسرائيلية الى أكثر من عشرة آلاف أسير وأسيرة.

وجاء قرار السلطة الفلسطينية إثر تعرضها لضغوط أميركية وإسرائيلية واسعة، فمن جانبها، تحتجز إسرائيل شهرياً أكثر من 52 مليون شيكل من إيرادات السلطة منذ العام 2019 حتى اليوم هي قيمة ما تدفعه السلطة من رواتب ومخصصات مالية لأسر الأسرى والشهداء.

اقرأ أيضاً

حرية مشروطة.. قيود إسرائيلية تلاحق الأسرى الفلسطينيين المحررين

الأسرى الفلسطينيون بعد الإفراج يعيشون حرية مشروطة بالمراقبة والمنع من السفر، وسط تهديد دائم بالاعتقال من جديد.

وسن الكونجرس الأميركي في العام 2018 قانون "تايلور فورس" الذي يربط المساعدات الأميركية المقدمة للسلطة الفلسطينية بوقف دفع الرواتب للأسرى وعائلات الشهداء. وأقر الكونجرس أيضاً قوانين تفرض عقوبات على السلطة الفلسطينية بسبب دفع هذه الرواتب.

خلفية القرار

أقامت منظمة التحرير الفلسطينية في العام 1966 مؤسسة لرعاية أسر الشهداء والأسرى بهدف توفير الرعاية لعائلات من يضحون بأنفسهم في سبيل الوطن، وبقيت هذه المؤسسة تعمل حتى اليوم.

توقفت المؤسسة عن توفير مخصصات مالية لأسر الشهداء والأسرى في العام 1991 إثر أزمة مالية ناجمة عن توقف الدعم الخارجي، وبعد قيام السلطة الفلسطينية عام 1994 جرى استئناف توفير الدعم المالي للمؤسسة التي عادت لتوفير مخصصات مالية لهذه الأسر.

وجرى تثبيت حقوق هذه الشريحة من المواطنين (الشهداء والأسرى) في القانون الأساسي للسلطة الفلسطينية الوليدة. وجاء في المادة 22 من القانون الأساسي المعدل لعام 2003: "تنظم الدولة خدمات التأمين الاجتماعي، وتكفل للأسرى في السجون الإسرائيلية، وأسر الشهداء والجرحى رعاية خاصة، وتكفل لهم التعليم والخدمات الصحية والاجتماعية".

وفي العام 2004 وقع الرئيس المؤقت للسلطة الفلسطينية روحي فتوح، الذي تولى الرئاسة بصفة رئيساً للمجلس التشريعي لمدة ستين يوماً عقب وفاة الرئيس ياسر عرفات، وقع قانوناً خاصا لرعاية أسر الشهداء والأسرى. وكان المجلس التشريعي أقر هذا القانون في العام 99، لكن الرئيس السابق ياسر عرفات امتنع عن توقيعه لسبب ما لم يعلن.

وفي العامين 2010 و2011 عملت نخبة من القيادات السابقة للحركة الأسيرة مثل قدورة فارس وعيسى قراقع الذين توليا فيما بعد رئاسة هيئة شؤون الأسرى والمحررين، على وضع اللوائح التنفيذية للقانون، متضمنة سلماً من الرواتب حسب سنوات الاعتقال، وذلك بتكليف من رئيس الوزراء الأسبق الدكتور سلام فياض.

وصرح فياض في أكثر من لقاء أن الهدف من ذلك هو توفير حياة كريمة لأسر الأسرى الذين أكلت السجون سنين أعمارهم. وعمل فياض في ذات الوقت على رفع مخصصات أسر الشهداء لتبلغ 450 دولاراً لأسرة الشهيد الأعزب فيما ترتفع لأسرة المتزوج وفق عدد أفراد اسرته.

وقال فياض في أكثر من لقاء إنه وجد أن المخصصات المالية لأسرة الشهيد في لبنان، على سبيل المثال، تبلغ 50 دولاراً في الشهر، وهو مبلغ لا يكفي لشراء الخبز للأسرة، لهذا قرر رفعه الى مستوى "يحفظ لهذه الأسر كرامتها".

الاعتراضات الإسرائيلية

 بدأت الاعتراضات الإسرائيلية على دفع السلطة الفلسطينية رواتب للأسرى الفلسطينيين بشكل واضح منذ بدء تطبيق القانون بلوائحه الجديدة عام 2011. وتزايدت الانتقادات الإسرائيلية بشكل ملحوظ في العام 2014، حيث اعتبرت إسرائيل أن هذه الرواتب تشجع على تنفيذ هجمات قاتلة، وأنها تشكل "مكافآت للأعمال العدائية" ضد الإسرائيليين.

وترافق الضغط الإسرائيلي مع ضغوط دولية خاصة من جانب الولايات المتحدة، التي سنت في العام 2018 قانون "تايلور فورس" الذي يربط المساعدات الأميركية المقدمة للسلطة الفلسطينية بوقف دفع الرواتب للأسرى وعائلات الشهداء، ما أدى إلى زيادة الأعباء المالية والسياسية على السلطة الفلسطينية. وأقر الكونجرس قوانين تتيح لعائلات ضحايا الهجمات المسلحة التي يقوم بها فلسطينيون رفع دعاوي في المحاكم الأميركية على السلطة الفلسطينية وطلب تعويضات معتبرة أن هذه الدفوعات المالية تشكل حافزاً للقيام بمثل هذه الهجمات.

محاولات حل لم تنجح

وفي محاولة لتخفيف الضغوط الإسرائيلية والدولية في هذا الشأن، عملت السلطة الفلسطينية على تحويل وزارة شؤون الأسرى والمحررين الفلسطينية إلى هيئة تابعة لمنظمة التحرير الفلسطينية في العام 2014 حملت اسم "هيئة شؤون الأسرى والمحررين"، وحولت رواتبهم من السلطة الفلسطينية إلى منظمة التحرير. وبعد قيام إسرائيل بمعاقبة البنوك على هذه الخلفية، قامت السلطة بتحويل هذه الرواتب الى بنك البريد.

لكن كل هذه الإجراءات "الالتفافية" التي قامت بها السلطة الفلسطينية لم توقف إسرائيل عن مواصلة الضغوط على السلطة الفلسطينية. ففي العام 2018 أقر البرلمان الإسرائيلي قانوناً يسمح للحكومة باقتطاع المبالغ المخصصة للأسرى وعائلات الشهداء من الإيرادات الجمركية للسلطة الفلسطينية.

وفي العام 2019 بدأت إسرائيل في تطبيق هذا القانون وذلك بخصم قيمة ما تدفعه السلطة الفلسطينية من رواتب لهذه الفئة من إيراداتها الجمركية ما زاد من الأزمة المالية الخانقة التي تعاني منها السلطة.

وقالت مصادر متطابقة لـ"الشرق"، إن الإجراء الجديد واحد من سلسلة إجراءات "إصلاحية" تعكف السلطة الفلسطينية على إدخالها استجابة للشروط الدولية.

تصنيفات

قصص قد تهمك