يقف قطاع غزة أمام سيناريوهات، كثير منها متشائم، بعد صدور قرار مجلس الأمن الدولي الذي أقر خطة الرئيس الأميركي دونالد ترمب لوقف الحرب، وإعادة الإعمار والاستقرار، وخلق المسار الذي قد يقود لحل سياسي.
وفي إشارة ترجّح السيناريوهات المتشائمة على تلك المتفائلة، ظهر موقفان فلسطينيان إزاء هذا القرار، ففيما رحبت السلطة الفلسطينية بالقرار وأبدت استعدادها للتعامل معه وإنجاحه، عارضته حركة "حماس" التي تسيطر على نصف قطاع غزة، واعتبرت أنه "يفرض آلية وصاية دولية" على القطاع.
مسؤول كبير في السلطة الفلسطينية قال لـ"الشرق"، إن الرئيس محمود عباس أصدر تعليماته للحكومة والجهات المختصة بالانخراط الفعلي في تنفيذ خطة ترمب بشأن غزة في كافة مراحلها لتحقيق الأهداف الفلسطينية الواردة في الخطة، وصولاً إلى حق تقرير المصير وإقامة الدولة المستقلة.
وأضاف المسؤول: "لدينا عديد التحفظات على القرار، وعملنا مع الأشقاء العرب، خاصة مع المملكة العربية السعودية، على إدخال تعديلات جوهرية عليه وصولاً إلى الصيغة النهائية التي جرى إقرارها في مجلس الأمن، لكن هناك نقاط مهمة لصالحنا يجب أن ننخرط بصورة فعلية وفعالة لتحقيقها".
وحدّد المسؤول الفلسطيني 5 نقاط إيجابية في قرار مجلس الأمن بشان خطة غزة، يتمثل أول في "تثبيت وقف إطلاق النار في غزة بصورة دائمة وعدم عودة الحرب، ووقف أخطار التهجير والاستيطان والاحتلال الإسرائيلي الدائم للقطاع"، و"دخول المواد الغذائية والإنسانية إلى القطاع بلا توقف"، و"إعادة الإعمار"، وإقرار "أفق للحل السياسي وحق تقرير المصير وإقامة الدولة الفلسطينية وعودة السلطة الفلسطينية إلى القطاع"، بالإضافة إلى "انسحاب قوات الاحتلال الإسرائيلي وحلول قوات دولية محلّها".
تحركات فلسطينية
بدأت السلطة الفلسطينية بسلسلة إجراءات داخلية في سياق استجابتها لطلبات أميركية، بعضها قديم، بهدف تأهيل نفسها للعب دور فاعل في "اليوم التالي" للحرب في قطاع غزة، وتالياً لعب دور سياسي للوصول إلى الهدف الكبير، وهو تقرير المصير والتفاوض على الحل السياسي النهائي.
وأولى هذه الخطوات هي وقف رواتب الأسرى الفلسطينيين في السجون الإسرائيلية، والتي اعتبرتها الإدارات الأميركية المتعاقبة والكونجرس الأميركي وسيلة لتشجيع الفلسطينيين على القيام بهجمات مسلحة ضد أهداف إسرائيلية.
وقال مسؤول فلسطيني رفيع لـ"الشرق"، إن رواتب الأسرى التي كانت تتسم بالتصاعدية، أي تزداد مع ازدياد فترات الأسر، توقفت كلياً ابتداءً من هذا الشهر، مضيفاً أن عائلات الأسرى المحتاجة ستتلقى، مخصصات اجتماعية وفق درجة الحاجة، وليس رواتب شهرية متصاعدة.
وأدخلت السلطة الفلسطينية أيضاً، تعديلات على المناهج التعليمية، بحيث يجري إزالة بعض العبارات التي اعترضت عليها جهات أميركية وأوروبية، إلى جانب إسرائيل، من تلك المناهج.
ووجه الرئيس الفلسطيني محمود عباس، وزير التربية والتعليم، هذا الأسبوع، بالشروع في عقد لقاءات مع المسؤولين في منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة "اليونسكو"، واعتماد معاييرها في المناهج التعليمية الفلسطينية.
وقال مسؤولون لـ"الشرق"، إن الحكومة الفلسطينية تعكف على إجراء سلسلة إصلاحات في الأنظمة المالية والإدارية، والقضائية، والحكم المحلي، وغيرها.
وعيّن محمود عباس نائباً، له استجابة لمطالبات دولية للحفاظ على استقرار النظام السياسي، في حال شغور منصب الرئيس لأي سبب كان في ظل توقف العملية الانتخابية منذ الانقسام عام 2007.
اعتراضات "حماس" ومقترحاتها
مسؤول في "حماس"، شدد في تصريحاته لـ"الشرق"، على أن الحركة ترفض القرار الذي اعتمده مجلس الأمن الدولي، لأنه "لا يقدم ضمانات للحل السياسي وإقامة الدولة الفلسطينية"، و"لا يشمل جدولاً واضحاً للانسحاب الإسرائيلي"، ويفرض وصاية دولية من خلال "مجلس السلام" الذي يرأسه ترمب، والذي "من المتوقع أن يضم شخصيات منحازة لإسرائيل، ويمنح القوات الدولية مهاماً تنفيذية، منها سحب سلاح المقاومة، في حين يجب أن تقتصر مهمتها على الفصل بين الفلسطينيين ودولة الاحتلال، ويفرض وقائع تفصل قطاع غزة عن الضفة الغربية"، على حد وصف الحركة.
ويقر الفلسطينيون المنقسمون في معسكرين رئيسيين، واحد تقوده السلطة والثاني تقوده حركة "حماس"، بالحاجة إلى تفاهمات فلسطينية- فلسطينية قبل الانخراط في تطبيق القرار الدولي، لضمان الوصول إلى النتائج الأخيرة، وهي الانسحاب الإسرائيلي وفتح المسار السياسي نحو إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة.
لكن المعسكرين يختلفان في الرؤى، ما يعيق الوصول إلى التفاهمات المطلوبة.
فمن جانبها، تطالب السلطة الفلسطينية، حركة "حماس"، بإعلان تسليم سلاحها للسلطة، استجابة لمطلب القرار الدولي بشأن تجريد الحركة والقطاع من السلاح.
أما "حماس" فقدمت عدة اقتراحات لحل مشكلة السلاح، لا تصل فيها إلى قبول المطلب الأميركي الوارد في القرار.
وقال مسؤول في الحركة لـ"الشرق": "اقترحنا على الوسطاء وعلى مسؤولين في السلطة تخزين السلاح تحت إشراف السلطة الفلسطينية أو جهات عربية. واقترحنا أيضاً هدنة لفترة زمنية معلنة يجري خلالها وقف كل أشكال تصنيع السلاح، وحفر الأنفاق، والتدريب العسكري، وغيره".
ورد المسؤول في السلطة على ذلك بالقول: "حركة حماس تحاول البحث عن مخرج دبلوماسي لموضوع السلاح، وهذا ما لا تسمح به نتائج الحرب وموازين القوى".
وأضاف: "الحرب أدت إلى تدمير قطاع غزة بصورة شبه كاملة، وقتلت عشرات آلاف من الفلسطينيين، وتمسك حركة (حماس) بسلاحها يعني شيء واحد هو بقاء الحرب والحصار ومنع إعادة الإعمار، وتالياً عدم الوصول إلى المسار السياسي".
أسوأ السيناريوهات
مصادر دبلوماسية غربية قالت لـ"الشرق"، إن الإدارة الأميركية عازمة على العمل لتنفيذ القرار في المناطق التي تسيطر عليها إسرائيل، والتي تشكل أكثر من نصف مساحة قطاع غزة.
وأكدت المصادر، أن الإدارة الأميركية، تعد لإطلاق عملية إيواء وبناء في هذه المناطق، وتشجيع الفلسطينيين المقيمين في المناطق التي تسيطر عليها حركة "حماس" على الانتقال إلى المناطق الجديدة للحصول على مأوى وعلى خدمات المياه والكهرباء والعمل وغيرها، مشيرة إلى أن قوات الاستقرار الدولية ستعمل في هذه المناطق لتحل محل الجيش الإسرائيلي.
يقر المسؤولون الفلسطينيون في المعسكرين، على أن تقسيم قطاع غزة هو السيناريو الأسوأ على الإطلاق، والأكثر خطورة للشعب الفلسطيني والقضية الفلسطينية.
وقال مسؤول في "حماس": "نحن نعرف أن سيناريو التقسيم وإدامة الاحتلال على شكل وصاية أميركية هو ما يدور في خاطر صانع القرار الأميركي والإسرائيلي لذلك لن نوقف الجهود الرامية للتوصل الى اتفاق مع السلطة الفلسطينية على حل ملفات الحكم والسلاح والأمن وغيره من ملفات القطاع".
وأضاف: "نجري اتصالات مع الوسطاء، خاصة مع مصر، لرعاية اتفاق فلسطيني-فلسطيني حول مستقبل غزة لتجنب صيغ التقسيم والوصاية الدولية".
وفي السلطة الفلسطينية لا يوجد كثير من التفاؤل في إمكانية التوصل الى اتفاق مع "حماس".
وقال مسؤول فلسطيني قال لـ"الشرق"، إن "حماس ذهبت الى هذا الخيار الذي باتت نتائجه معروفة للجميع، واليوم تصر على بقائها وبقاء دورها في حكم القطاع بصورة مباشرة أو غير مباشرة، وهذا ما تستخدمه أميركا وإسرائيل مبرراً لعدم الانتقال إلى المراحل التالية من الانسحاب وإعادة الإعمار وفتح المسار السياسي".
وأضاف: "الوقت محدود وهامش المناورة ضيق، وعلى حركة حماس اتخاذ قرارات مصيرية وليس المراوغة للحفاظ على المعادلة القديمة التي سيطرت فيها على غزة، والتي لم تعد مقبولة للأطراف الفاعلة وخاصة أميركا".
أما المسؤول في "حماس"، فرد بالقول: "لا يجب علينا أن نقبل كل ما تطلبه أميركا، وقبول ذلك يعني تصفية القضية الفلسطينية، علينا الاتفاق على خياراتنا الوطنية والصمود أمام الضغوط".











