أعلنت المملكة العربية السعودية والولايات المتحدة الأميركية عن حزمة واسعة من الاتفاقيات الاستراتيجية التي تم توقيعها خلال القمة السعودية الأميركية، وتغطي مجالات الطاقة النووية السلمية وسلاسل الإمداد للمعادن النادرة والتعاون الرقمي والذكاء الاصطناعي، إضافة إلى توقيع اتفاقية دفاعية جديدة تعيد ترتيب إطار التعاون الأمني بين البلدين لعقود مقبلة.
وتعكس هذه الاتفاقيات – بحسب الجهات السعودية المختصة – توجهاً مشتركاً لتحديث الشراكة الثنائية ومواءمتها مع التحولات الاقتصادية والتقنية الإقليمية والدولية.
تعزيز التعاون النووي السلمي
وأكملت الرياض وواشنطن المفاوضات الخاصة باتفاقية التعاون في الاستخدامات السلمية للطاقة النووية، التي تتيح نقل التقنيات النووية الأميركية المتقدمة إلى المملكة، بما في ذلك تقنيات محطات الطاقة النووية.
وتفتح الاتفاقية المجال أمام الشركات الأميركية للدخول في مشروعات نووية داخل السعودية، دعماً لخطط التوطين وتوليد وظائف متخصصة واستقطاب استثمارات نوعية في المملكة.
وتُعد الاتفاقية امتداداً لما نصت عليه وثيقة الشراكة الاقتصادية الاستراتيجية التي وقعها ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان والرئيس الأميركي دونالد ترمب خلال القمة السعودية – الأميركية في الرياض عام 2025.
إطار استراتيجي لسلاسل الإمداد في اليورانيوم والمعادن الحرجة
كما اعتمد البلدان إطاراً استراتيجياً لتعزيز أمن واستدامة سلاسل الإمداد الخاصة باليورانيوم والمعادن الحرجة، بما في ذلك المعادن الأرضية النادرة والمغانط الدائمة، في خطوة تهدف إلى تطوير سلاسل توريد موثوقة للصناعات المستقبلية المرتبطة بالطاقة المتقدمة والتقنيات النظيفة.
وتشير بيانات وزارة الصناعة والثروة المعدنية السعودية إلى أن الثروات المعدنية في المملكة تُقدّر حالياً بنحو 2.5 تريليون دولار، بزيادة تقارب 90% عن التقديرات المعلنة عام 2016، نتيجة اكتشافات جديدة شملت المعادن الحرجة والفوسفات والنحاس والزنك والذهب.
ويرتبط تطوير هذا الإطار بمستهدفات رؤية السعودية 2030، التي تهدف إلى جعل التعدين ثالث ركائز الاقتصاد السعودي عبر جذب استثمارات دولية وتحويل الخامات المعدنية إلى منتجات ذات قيمة مضافة.
كما تستهدف المملكة أن تصبح مركزاً إقليمياً لمعالجة المعادن الأرضية النادرة وصناعة المغانط الدائمة، خصوصاً مع الاكتشافات البارزة مثل منجم جبل صايد.
شراكة موسعة في الذكاء الاصطناعي والاقتصاد الرقمي
وفي المجال التقني، أعلنت السعودية والولايات المتحدة عن تعزيز شراكتهما الاستراتيجية في الذكاء الاصطناعي، مستندتين إلى القدرات الرقمية السعودية المتنامية، حيث بلغ حجم الاقتصاد الرقمي السعودي 132 مليار دولار في 2024 بنمو تجاوز 66% منذ 2018.
وترتكز الشراكة الجديدة على دور المملكة كمركز إقليمي لمراكز البيانات فائقة السعة، وعلى قاعدة بشرية تضم أكثر من 400 ألف متخصص تقني سعودي جرى تأهيل الكثير منهم عبر برامج تدريبية مشتركة مع شركات أميركية مثل "أبل" و"جوجل" و"مايكروسوفت" و"أمازون".
وتهدف الاتفاقيات إلى تطوير نماذج لغوية عربية متقدمة، ورفع جاهزية الشركات السعودية لتلبية الطلب الإقليمي على تقنيات الذكاء الاصطناعي في قطاعات الصحة والتعليم والطاقة والخدمات الحكومية.
اتفاقية دفاعية تؤسس لمرحلة جديدة من التعاون الأمني
وفي الشق الأمني، وقّع ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان والرئيس الأميركي دونالد ترمب اتفاقية دفاع استراتيجي تُعد الأوسع منذ بدء التعاون العسكري بين الجانبين قبل نحو تسعة عقود.
وتضع الاتفاقية إطاراً محدثاً للتنسيق الأمني والعسكري، يهدف إلى تعزيز قدرات القوات المسلحة السعودية وتطوير الصناعات العسكرية المحلية ونقل التقنية، إضافة إلى رفع مستوى التكامل التشغيلي بين المؤسستين العسكريتين في البلدين.
وتؤكد الجهات الرسمية في الرياض أن الاتفاقية "ليست موجهة ضد أي دولة"، بل تستهدف تعزيز استقرار المنطقة، وترسيخ مبدأ الردع والدبلوماسية كمسارين متلازمين لحل الخلافات.
كما تشير إلى أن التعاون الصناعي العسكري سيسهم في خلق فرص عمل داخل الولايات المتحدة، إضافة إلى دعم منظومة الدفاع السعودية.
شراكة تمتد لمرحلة التحولات الكبرى
وتُعد الحزمة الجديدة من الاتفاقيات امتداداً لمسار طويل من العلاقات السعودية – الأميركية، لكنها تعكس – وفق المسؤولين السعوديين – رغبة مشتركة في مواءمة الشراكة مع أولويات المرحلة، وخصوصاً في مجالات الطاقة المتقدمة، الأمن الدفاعي، الذكاء الاصطناعي، والصناعات الاستراتيجية.
وتتزامن هذه الخطوات مع مساعي المملكة لتنويع اقتصادها وتعزيز دورها في سلاسل الإمداد العالمية، ومع رغبة واشنطن في ترسيخ شراكات مستقرة مع القوى الاقتصادية الصاعدة في الشرق الأوسط.









