واصلت نائبة الرئيس الأميركي، كامالا هاريس، هجومها على الصين، إذ حضّت فيتنام على الانضمام إلى الولايات المتحدة في تكثيف ضغوطها على بكين و"تحدي تنمّرها" في بحر الصين الجنوبي المتنازع عليه.
واستبقت هانوي وصول هاريس، وأبلغت بكين أنها لا تتخذ موقفاً، في صراعها مع واشنطن، فيما اعتبرت وسائل إعلام رسمية صينية أن نائبة الرئيس الأميركي تحاول دقّ إسفين بين بكين ودول جنوب شرقي آسيا، بعدما اتهمتها في سنغافورة باستخدام الإكراه والترهيب لدعم مزاعمها بالسيادة على بحر الصين الجنوبي.
وقالت هاريس خلال لقائها الرئيس الفيتنامي نغوين شوان فوك، "علينا إيجاد وسائل للضغط، وتكثيف الضغط، بصراحة، على بكين للالتزام باتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار، وتحدي مزاعمها التنمّرية والبحرية المفرطة".
وتشير هاريس إلى حكم أصدرته محكمة التحكيم الدائمة (مقرها لاهاي)، في عام 2016، يفنّد مزاعم بكين بالسيادة على غالبية بحر الصين الجنوبي، لكن بكين رفضت الحكم. وتطالب فيتنام وبروناي وماليزيا والفلبين وتايوان بأجزاء من البحر، الذي تعبره سنوياً سلع بقيمة تريليونات الدولارات، ويحتوي على حقول غاز ومناطق صيد غنية.
وشيّدت بكين مواقع عسكرية على جزر اصطناعية في البحر، وتعترض السفن الحربية الأجنبية التي تبحر عبر ما تزعم أنها مياهها السيادية. في المقابل، تنفذ البحرية الأميركية بانتظام عمليات "حرية الملاحة" في المياه المتنازع عليها، في خطوة تغضب الصين، كما أفادت وكالة "رويترز".
شراكة استراتيجية
هاريس أعلنت أن الولايات المتحدة تريد رفع مستوى علاقتها بفيتنام، إلى شراكة استراتيجية، مشيرة إلى أنها ستتبرّع لهانوي بمليون لقاح إضافي مضاد لفيروس كورونا المستجد، من شركة "فايزر"، والتي ستبدأ في الوصول خلال 24 ساعة، وبذلك يصل المجموع إلى 6 ملايين حتى الآن، حسبما أفادت وكالة "بلومبرغ".
وأشارت الوكالة إلى أن اللقاحات كانت في طليعة تحركات دبلوماسية لواشنطن في جنوب شرقي آسيا، التي نالت نحو خمس الجرعات التي قدّمتها الولايات المتحدة في العالم. وتستهدف إدارة الرئيس الأميركي، جو بايدن، تعزيز علاقاتها مع دول في الحديقة الخلفية للصين، إذ وصفت التنافس معها بأنه "أبرز اختبار جيوسياسي" في هذا القرن. وشهد جنوب شرقي آسيا زيارات بارزة لمسؤولين أميركيين، بينهم وزير الدفاع لويد أوستن، الذي زار هانوي في أواخر يوليو.
هاريس، وهي أول نائب رئيس أميركي يزور فيتنام، أبلغت فوك أن "علاقتنا قطعت شوطاً طويلاً خلال ربع قرن". وذكرت "رويترز" أن هاريس قدّمت للمسؤولين الفيتناميين، دعماً في مجالات أساسية كثيرة، بما في ذلك تعزيز الأمن البحري ومزيد من زيارات السفن البحرية الأميركية إلى فيتنام.
وأعلنت افتتاح مكتب إقليمي جديد لمراكز السيطرة على الأمراض والوقاية منها CDC، في جنوب شرقي آسيا. وسيكون هذا المكتب واحداً من 4 مكاتب إقليمية في العالم، ويركّز على التعاون مع الحكومات الإقليمية في البحث والتدريب، للتعامل مع الأزمات الصحية العالمية والوقاية منها، بحسب وكالة "أسوشيتد برس".
واعتبر فوك أن المساعدة الأميركية في اللقاحات "هي حقاً قيّمة وذات مغزى بالنسبة إلى فيتنام، في وقت نواجه صعوبات كبرى نتيجة كورونا"، علماً أنه لم يتحدث عن الصين.
وبعدما نجحت فيتنام في احتواء الفيروس، في عام 2020، تواجه الآن فورة جديدة في الإصابات، ناجمة عن متحوّر "دلتا". وتتقدّم حملة التلقيح ببطء شديد في البلاد، إذ إن أقلّ من 2% من السكان، ويعدّون حوالى مئة مليون فرد، حصلوا على اللقاح، كما ذكرت وكالة "فرانس برس".
هانوي تلتزم "عدم التحيّز"
هاريس وصلت إلى هانوي متأخرة 3 ساعات، نتيجة "حادث صحي غامض" في هانوي، وفقاً لما أعلنته السفارة الأميركية. وتُستخدم عبارة "حادث صحي غامض" للإشارة إلى ما يُطلق عليه "متلازمة هافانا"، المتمثلة بأعراض غامضة أصابت دبلوماسيين أميركيين في عدة دول، وأثارت نظريات تتهم روسيا، أو بلداناً أخرى، باستخدام موجات إلكترونية لإيذائهم، وفقاً لـ"فرانس برس".
وخلال الساعات الثلاث، أجرى رئيس الوزراء الفيتنامي، فام مينه تشينه، لقاءً غير معلن مع السفير الصيني في هانوي، شيونغ بو. وأعلنت الحكومة الفيتنامية أن "رئيس الوزراء أكد أن فيتنام تلتزم بسياسة خارجية مستقلة، تعتمد على الذات، متعددة الأطراف ومتنوّعة، وهي عضو مسؤول في المجتمع الدولي"، مضيفة أن "فيتنام لا تتحيّز لدولة ضد أخرى".
وشددت الحكومة على وجوب تسوية النزاعات الإقليمية في بحر الصين الجنوبي وفقاً للقانون الدولي و"الحسّ السليم رفيع المستوى". وتابعت أن بكين ستزوّد هانوي بلقاحات مضادة لكورونا.
وعشية وصول هاريس إلى فيتنام، كتبت صحيفة "تشاينا ديلي" الرسمية الصينية في افتتاحية: "فيما كانت تتهم الصين بالإكراه والترهيب، تجاهلت هاريس عمداً نفاقها، في محاولتها إكراه وترهيب دول في المنطقة، للانضمام إلى واشنطن في خطتها لاحتواء الصين". واعتبرت أن خطاب هاريس في سنغافورة كان هجوماً بلا أساس على بكين، وتابعت: "يبدو أن الالتزام الوحيد للولايات المتحدة إزاء جنوب شرقي آسيا، هو جهودها المتفانية لدقّ إسفين بين دول جنوب شرقي آسيا والصين".
علاقات الصين وفيتنام
وأشارت رويترز، إلى أن بكين هي أبرز شريك تجاري لهانوي، مضيفة أن الأخيرة تعتمد بشكل كبير على المواد والمعدات الصينية، في نشاطاتها التصنيعية.
وثمة علاقات وثيقة بين الحزبين الشيوعيين الحاكمين، في فيتنام والصين، لكن نزاعهما المديد بشأن بحر الصين الجنوبي، المعروف باسم البحر الشرقي في فيتنام، دفع الأخيرة لتصبح واحدة من أشد المعارضين لمزاعم بكين في هذا الصدد. وتلقت هانوي عتاداً عسكرياً أميركياً، بما في ذلك قطع لخفر السواحل.
وتوطّدت العلاقات بين هانوي وواشنطن، بعد أكثر من 4 عقود على انتهاء حرب فيتنام، في عام 1975، علماً أن الولايات المتحدة فرضت قيوداً في هذا الصدد، إلى أن تحقق هانوي تقدّماً في ملف حقوق الإنسان. وذكر محللون أن فيتنام تريد الارتقاء بعلاقتها الدبلوماسية مع الولايات المتحدة إلى "شراكة استراتيجية"، لكنها قلقة من أن هذه الخطوة قد تغضب بكين، بحسب "رويترز".
وطغت على زيارة هاريس إلى فيتنام، الفوضى المواكبة للانسحاب الأميركي من أفغانستان، بعد سيطرة حركة "طالبان" على كابول وسقوط حكومة الرئيس أشرف غني. مشاهد الفوضى والموت في مطار كابول، استحضرت صور المروحية التي حلّقت فوق مبنى استخدمته أجهزة الاستخبارات الأميركية في سايغون، المعروفة الآن باسم مدينة هو شي مينه، وإجلاء دبلوماسيين أميركيين بشكل فوضوي في عام 1975.
اقرأ أيضاً: