أقرّت قرابة 200 دولة مجتمعة في البرازيل، السبت، بأن جهودها لوقف الاحتباس الحراري لم تحرز تقدماً كافياً، بعدما أجهضت الدول الغنية الآمال في التوصل إلى التزام جدي لاتخاذ إجراءات سريعة لمكافحة هذه الظاهرة المناخية، حسبما أوردت مجلة "بوليتيكو".
يدعو الاتفاق الذي أُقرّ بعد يوم أخير صعب من المفاوضات في مؤتمر الأطراف COP30 الدول إلى بذل جهود إضافية للحد من ارتفاع درجات حرارة الأرض، وتزويد الدول الأكثر فقراً وضعفاً بضمانات التمويل اللازمة لمواجهة آثار ارتفاع حرارة الكوكب.
لكن الاتفاق لا يتضمن اقتراحاً صريحاً على تسريع انتقال العالم بعيداً عن النفط والغاز الطبيعي والفحم، رغم اقتراح الاتحاد الأوروبي ودول أخرى. كما أنه يُقدّم تمويلاً للمناخ للدول النامية بحجم أقل مما كان منتظراً، نظراً لمعارضة الحكومات الغنية في أوروبا وأماكن أخرى.
واشتعلت الخلافات بين تكتلات الدول الغنية والنامية حتى بعد إقرار الاتفاق الرئيسي بعد ظهر السبت، إذ دعت كولومبيا في اللحظة الأخيرة إلى اتفاق أقوى يتناول الوقود الأحفوري.
وواجهت المفاوضات أيضاً تعقيدات أخرى متعددة، بما في ذلك رفض الولايات المتحدة حضور القمة.
وعلى الرغم من كل هذا، كانت حصيلة الاتفاق الرئيسي أقوى مما اقترحته البرازيل في الأيام الأخيرة من المحادثات. لكن الاتفاق لا يزال يُلمّح فقط إلى سعي 82 دولة، بما في ذلك العديد من الدول الأوروبية، إلى عملية ملموسة لتسريع التحول العالمي بعيداً عن الوقود الأحفوري.
وأثار هذا الاقتراح اعتراضات من كبرى الدول المنتجة للنفط والغاز الطبيعي، التي أشارت إلى ارتفاع الطلب على الطاقة كعامل دافع لاستمرار الحاجة إلى الإنتاج.
وبدلاً من ذلك، وافقت الدول على اتخاذ خطوات هامشية لتسريع جهودها المناخية مع "السعي" لتحسين أدائها، وهي عبارة استخدمتها الصين، القوة العظمى في مجال الطاقة النظيفة، وثاني أكبر اقتصاد في العالم، وأكبر مصدر للغازات المسببة للاحتباس الحراري.
محاولات إبرام "اتفاق جانبي"
كما دفعت البرازيل باتفاق جانبي لوضع "خريطتي طريق" منفصلتين من شأنهما تحديد مسار نحو الحد من استخدام الوقود الأحفوري وإنهاء إزالة الغابات.
وأعلنت كولومبيا وهولندا، وهما من أشدّ المؤيدين للتخلص التدريجي من الوقود الأحفوري، الجمعة، أنهما ستستضيفان قمة مشتركة العام المقبل لدفع هذه الجهود قدماً.
وقال أندريه أرانيا كوريا دو لاجو، رئيس مؤتمر الأطراف الثلاثين، عقب الجلسة الختامية: "بصفتي رئيساً لهذا المؤتمر، من واجبي أن أُشيد ببعض المناقشات المهمة للغاية التي جرت في بيليم، والتي يجب أن تستمر خلال الرئاسة البرازيلية... حتى لو لم تنعكس في هذه النصوص التي وافقنا عليها للتو".
وقال وزير المناخ الألماني، كارستن شنايدر: "لم يكن هناك تراجعاً، بل كان هناك بعض التقدم". وأضاف: "كنت أتمنى أن أرى المزيد، لكننا أردنا أيضاً مؤتمراً للمناخ يُسفر عن نتائج ويُثبت أن التعددية فعّالة، حتى لو كان ذلك صعباً للغاية".
والنص النهائي الذي تم اعتماده غير مُلزم، وحتى التأكيد الحازم على تعهد القمة السابقة لعام 2023 بالتخلص التدريجي من النفط والغاز والفحم لن يكون له أي تأثير على دول مثل الولايات المتحدة التي تسعى جاهدة لتوسيع إنتاجها وصادراتها من الوقود الأحفوري. لكن الدعم الضعيف للمضي قدماً في هذا التعهد يثير تساؤلات حول ما إذا كانت الدول لا تزال متحدة وراء هدف وصفته بالتاريخي قبل عامين فقط، وفقاً للوفود التي أعربت عن خيبة أملها يوم السبت.
انقسام سياسي
وانعقدت المحادثات التي استمرت 13 يوماً في مدينة بيليم الساحلية شمال البرازيل دون حضور مندوبي الولايات المتحدة، بعد أن وصف الرئيس دونالد ترمب الجهود المبذولة لتجنب ارتفاع درجة حرارة الأرض بأنها "خدعة" و"عملية نصب".
وأعلن ترمب في يناير انسحاب الولايات المتحدة مجدداً من اتفاقية باريس لعام 2015، وهي الاتفاقية العالمية للمناخ التي شكلت أهدافها أساساً لمفاوضات هذا الشهر.
وأدى غياب الدفعة الأميركية القوية للتوصل إلى اتفاق مناخي، وهو ما قدمته واشنطن في محادثات سابقة في عهد الرئيسين السابقين باراك أوباما وجو بايدن، إلى استبعاد كتلة من الاقتصادات الناشئة والدول النفطية من النص النهائي لأي ذكر صريح للوقود المسبب لتغير المناخ.
وعلى الرغم من انقسام أعضاء الاتحاد الأوروبي في البداية حول ما إذا كانوا سيؤيدون خارطة الطريق المتعلقة بالوقود الأحفوري، إلا أنهم انتقدوا هذا التجاهل، الجمعة، وكانوا مستعدين للانسحاب من القمة في اليوم الأخير دون التوصل إلى اتفاق.
لكن الاتحاد الأوروبي حصل على بعض التنازلات الصغيرة خلال الليل، وبعد ساعات من المناقشات في وقت مبكر من صباح السبت، قرر تأييد النص المعدل قليلاً.
وقال فوبكي هوكسترا، المفوض الأوروبي لشؤون المناخ: "كنا نتمنى الحصول على المزيد، لكننا نعتقد أنه يجب علينا دعمه؛ لأنه على الأقل يسير في الاتجاه الصحيح".
ارتفاع إنتاج الوقود الأحفوري
وحثت قمة الأمم المتحدة للمناخ لعام 2023 في الإمارات COP28، الدول على البدء في "التحول بعيدًا عن الوقود الأحفوري".
وفي السنوات التي تلت ذلك، استمر إنتاج الوقود الأحفوري في الارتفاع. وفي الوقت نفسه، ازداد استخدام مصادر الطاقة المتجددة مثل الطاقة الشمسية وطاقة الرياح، ويعود الفضل في ذلك إلى حد كبير إلى انخفاض التكاليف وزيادة صادرات المعدات من الصين.
لكن الصين، التي لا تزال تصف نفسها بأنها دولة نامية، رفضت تولي دور قيادي سياسي في المحادثات، على الرغم من حضورها القوي في القمة ودورها المهيمن في سلاسل إمداد الطاقة النظيفة في العالم.
وترك ذلك الاتحاد الأوروبي والدول الأكثر تقدماً في المجال، مثل كولومبيا وبريطانيا، معزولة في سعيها للتوصل إلى اتفاق أكثر طموحاً دون دعم الولايات المتحدة.
وبصفتها الدولة المضيفة والرئيسة لمؤتمر الأطراف الثلاثين، أولت البرازيل أولوية لربط المحادثات بالاقتصاد الحقيقي، وبعث رسالة مفادها أن التعاون العالمي بشأن المناخ لا يزال ينبض بالحياة. وقد حقق الاتفاق النهائي هذا الهدف، ولكن بفارق ضئيل.
وقال وزير الطاقة البريطاني، إد ميليباند: "في ظل التحديات السياسية الكبيرة، اجتمعت 193 دولة في إطار اتفاق باريس لإعادة الالتزام بالعمل على معالجة أزمة المناخ. لقد ناضلنا بجد لتحقيق هذه النتيجة؛ نظراً لأهميتها الحاسمة لحماية الأجيال القادمة، وبفضل الفرص الاقتصادية التي توفرها الطاقة النظيفة اليوم".














