في خطوة غير معتادة، اختار البيت الأبيض وزير الجيش دان دريسكول، لعرض خطة إنهاء الحرب في أوكرانيا، على الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي في كييف، بدلاً من اختيار دبلوماسي رفيع، أو وزير الخارجية ماركو روبيو، ما سلط الضوء على انقسام بين فريقين متنافسين في واشنطن بقيادة روبيو ونائب الرئيس جي دي فانس بشأن طريقة التعامل مع حرب أوكرانيا.
وقدم دريسكول، وهو زميل دراسة سابق لجيه دي فانس، الخطة إلى زيلينسكي في 20 نوفمبر في كييف، وحذر الأوكرانيين من أنهم يواجهون "هزيمة وشيكة" من الروس المزودين بالعتاد والسلاح، وإن التفاوض على حل سلمي هو الوسيلة الأفضل.
ولاقت الخطة انتقادات أوروبية وأوكرانية لكونها "منحازة لمطالب موسكو"، وهو ما حدا بروبيو، الذي قالت تقارير إنه تم إبلاغه بالخطة، ولم يشارك بصياغتها، إلى المسارعة للانخراط في مفاوضات جنيف، مع الأوروبيين الأحد الماضي، لمحاولة الإمساك بدفة المفاوضات وتعديل الخطة.
وشكل إرسال دريسكول إلى أوكرانيا أحدث مثال على انقسام طويل الأمد داخل إدارة ترمب بشأن كيفية إنهاء الحرب، وهو انقسام يشمل تنافساً سياسياً محتملاً بين فانس ووزير الخارجية ماركو روبيو، اللذان ينظر إليهما كمنافسين محتملين في انتخابات 2028، وفق شبكة NBC News.
معسكران متنافسان بالبيت الأبيض بشأن أوكرانيا
- المعسكر الأول
يضم فانس والمبعوث الخاص ستيف ويتكوف ومسؤولين آخرين، ويرى أن أوكرانيا هي العقبة الأساسية أمام السلام ويدعم استخدام النفوذ الأميركي لإجبار كييف على تقديم تنازلات كبيرة.
- المعسكر الثاني
يضم ماركو روبيو ومسؤولين آخرين، ويرى أن روسيا هي المسؤولة عن بدء غزو غير مبرر لجارتها، وأن موسكو لن تتراجع إلا إذا دفعت ثمن عدوانها عبر العقوبات والضغوط الأخرى.
وأشارت الشبكة إلى أن هذا الانقسام أثر بشكل مباشر على صياغة خطة السلام الأميركية المثيرة للجدل ورسائل واشنطن إلى كييف.
انقسام حاد
وفيما تنافس مساعدوه على جذب انتباهه إلى جانب مشرعين جمهوريين وزعماء أوروبيين، ظل الرئيس دونالد ترمب يتأرجح بين مواقف مختلفة بشأن كيفية إنهاء الصراع، وفق NBC.
وقال دبلوماسي أميركي كبير سابق له خبرة في أوروبا الشرقية: "كان واضحاً منذ مدة وجود انقسام، لكننا لم نره يظهر للعلن بهذه الطريقة من قبل".
وعند سؤاله الثلاثاء، أحال البيت الأبيض إلى منشور على مواقع التواصل الاجتماعي قال فيه ترمب إن خطة السلام الأصلية قد تم "تنقيحها، مع إدخال آراء إضافية من الطرفين، ولم يتبق سوى عدد قليل من نقاط الخلاف".
وأضاف ترمب: "أتطلع إلى لقاء الرئيس الأوكراني زيلينسكي والرئيس الروسي فلاديمير بوتين قريباً، ولكن فقط عندما تكون الصفقة لإنهاء هذه الحرب نهائية، أو في مراحلها الأخيرة".
وقال متحدث باسم وزارة الخارجية الأميركية: "إن فريق الرئيس ترمب بأكمله، بما في ذلك الوزير روبيو، والمبعوث الخاص ويتكوف، والوزير دريسكول، وغيرهم، يعملون بتناغم كامل منذ 10 أشهر لإنهاء هذه الحرب العبثية والمدمرة".
قال مسؤولون في البيت الأبيض للصحافيين إنها مبادرة أميركية، رغم أنها تتبنى مطالب روسيا المتكررة لإجبار أوكرانيا على التنازل عن أراضٍ تسيطر عليها، وتقليص قواتها المسلحة، والتخلي عن الانضمام إلى الناتو. كما احتوت الخطة على عناصر تتناقض مع مواقف سابقة لإدارة ترمب، بما في ذلك لغة توحي بمنع القوات الأميركية من التواجد في بولندا.
دريسكول زميل دراسة لفانس
وقال أعضاء في مجلس الشيوخ من الحزبين إن روبيو أخبرهم أن الخطة صاغها الروس، لكنه نفى لاحقاً صحة روايتهم، وأكد هو والبيت الأبيض أنها خطة أميركية مع "مساهمات" روسية وأوكرانية.
وكان دريسكول، وهو زميل دراسة سابق لفانس في كلية الحقوق بجامعة ييل، في طريقه إلى أوكرانيا في زيارة مقررة مسبقاً لمناقشة تقنيات الطائرات المسيّرة.
وفوجئ الأوكرانيون بشدة من بنود المقترح، وأعرب زيلينسكي عن شكوك عميقة، لكنه لم يرفض الخطة تماماً، قائلاً إن حكومته مستعدة لإجراء محادثات دبلوماسية.
واستخدم روبيو لغة حذرة بعد تسريب الخطة، قائلاً إن السلام سيتطلب "تقديم كلا الجانبين تنازلات صعبة ولكن ضرورية"، وأن الولايات المتحدة ستستمر في "تطوير قائمة بالأفكار المحتملة لإنهاء هذه الحرب".
أما ترمب، فزاد الضغط على أوكرانيا، قائلاً للصحافيين إن زيلينسكي أمام خيارين: قبول اتفاق سلام أو "مواصلة القتال بكل ما أوتي من قوة".
روبيو في جنيف
وسافر روبيو إلى جنيف خلال عطلة نهاية الأسبوع، وبعد محادثات مع الأوكرانيين ونداءات من الدبلوماسيين الأوروبيين، تم حذف أو تعديل البنود الأكثر إشكالية بالنسبة لأوكرانيا، بحسب مسؤولين غربيين ومصادر مطلعة.
وبدل النبرة الحاسمة التي استخدمها مسؤولو البيت الأبيض سابقاً، وصف روبيو المحادثات بأنها مرنة، وقال إن الخطة "وثيقة حيّة تتغير يومياً مع إدخال الملاحظات".
وبحلول الثلاثاء، عبّر الأوكرانيون عن نبرة أكثر إيجابية، مشيرين إلى تقدم في مناقشة نسخة منقحة من 19 نقطة.
وكتب روستم عمروف، أمين مجلس الأمن والدفاع الأوكراني، على مواقع التواصل الاجتماعي: "توصل وفدانا إلى فهم مشترك للشروط الأساسية للاتفاق الذي نوقش في جنيف"، وأشار إلى احتمال زيارة زيلينسكي لواشنطن لإتمام الاتفاق.
وسافر دريسكول لاحقاً إلى أبوظبي حيث عقد محادثات مع وفد روسي يومي الاثنين والثلاثاء. ومع إعادة صياغة الخطة، أصبحت تشبه مقترحات سابقة سبق أن رفضتها روسيا.
وألمح وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف، الذي كان قد "رحّب" بالمسودة الأولية، إلى أن الكرملين قد يرفض النسخة الحالية، قائلاً إن مسودة الاتفاق الجديدة تبدو مناقضة للتفاهم الذي تم التوصل إليه بين ترمب وبوتين خلال قمة أغسطس في أنكوراج بولاية ألاسكا.
وقال لافروف: "هناك قوى تريد تقويض جهود دونالد ترمب وتغيير خطة السلام"، مضيفاً: "إذا جرى التراجع عن روح أنكوراج في هذه الخطة، فسيكون الأمر مختلفاً تماماً".
وكما في الجهود الدبلوماسية الأميركية السابقة، حاول فريق داخل الإدارة الدفع بمقترح يميل لصالح روسيا، بينما قاومه مسؤولون آخرون بدعم من حكومات أوروبية وجمهوريين بارزين في الكونجرس بحسب مسؤولين غربيين ودبلوماسيين أميركيين سابقين.
وقال ويليام تايلور، السفير الأميركي السابق لدى أوكرانيا والزميل حالياً في مركز "أتلانتيك كاونسل": "إذا استمر هذا الانقسام، فسيكون من الصعب جداً اتباع سياسة متماسكة"
اجتماع كييف
وفي اجتماع مع مسؤولين أوكرانيين في كييف الأسبوع الماضي، قدّم وزير الجيش الأميركي دان دريسكول تقييماً قاتماً.
وقال دريسكول لنظرائه إن قواتهم تواجه وضعاً خطيراً في ساحة المعركة، وإنها ستتعرّض لهزيمة وشيكة أمام القوات الروسية، وفقاً لمصدرين مطّلعين تحدثا لـNBC News.
وأوضح دريسكول أن الروس يزيدون من وتيرة وحجم هجماتهم الجوية، وأن لديهم القدرة على مواصلة القتال إلى ما لا نهاية، وفقاً للمصدرين. وأضاف أن وضع أوكرانيا سيسوء مع مرور الوقت، وأن من الأفضل التفاوض على اتفاق سلام الآن بدلاً من الوصول إلى موقع أضعف في المستقبل.
وكان الوفد الأميركي أبلغ الجانب الأوكراني بأن قطاع الصناعات الدفاعية الأميركية غير قادر على تزويد أوكرانيا بالأسلحة وأنظمة الدفاع الجوي بالمعدل المطلوب لحماية البنية التحتية والسكان، بحسب المصدرين.
وجاءت رسالة دريسكول بعد أن قدّم خطة سلام مدعومة أميركياً رآها المسؤولون في كييف بمثابة استسلام لموسكو، وفقاً للمصدرين.
وقال أحد المصدرين: "كانت الرسالة باختصار — أنتم تخسرون، وعليكم قبول الاتفاق".
وكان الاجتماع جزءاً من جهود بعض مسؤولي إدارة ترمب للضغط على الأوكرانيين لقبول مقترح السلام الأميركي الجديد دون تأخير، على الرغم من أنه يتبنّى المطالب القصوى لروسيا، ويتطلب تنازلات قاسية من حكومة كييف، وفقاً لعدد من المسؤولين الغربيين الحاليين والسابقين.












