نيكولاس مادورو.. خليفة تشافيز في بؤرة التصعيد الأميركي ضد فنزويلا

رئيس فنزويلا نيكولاس مادورو عقب إعلان فوزه بولاية ثالثة في انتخابات الرئاسة بكاراكاس. 29 يوليو 2024 - REUTERS
رئيس فنزويلا نيكولاس مادورو عقب إعلان فوزه بولاية ثالثة في انتخابات الرئاسة بكاراكاس. 29 يوليو 2024 - REUTERS
دبي -الشرق

يُنظر إلى الرئيس الفنزويلي، نيكولاس مادورو، بوصفه أحد أكثر الشخصيات السياسية إثارة للجدل في أميركا اللاتينية خلال العقود الأخيرة، إذ انتقل من العمل كسائق حافلة إلى رأس السلطة في فنزويلا، ليتولى قيادة البلاد في مرحلة اتسمت بالتقلبات السياسية والاضطرابات الاقتصادية والعقوبات الدولية. 

ومن خلال مسيرته، واجه مادورو سلسلة من الأزمات الداخلية والصدامات المتكررة مع الولايات المتحدة، وصولاً إلى تصنيفه وحكومته "منظمة إرهابية أجنبية" في عام 2025.

وُلد نيكولاس مادورو موروس، في 23 نوفمبر 1962 في العاصمة كاراكاس. وعمل في بداياته سائقاً لحافلة في شبكة "مترو كاراكاس"، وكان عضواً في نقابة النقل. كما شارك في حملات تطالب بإطلاق سراح هوجو تشافيز (رئيس فنزويلا السابق) عقب محاولة الانقلاب عليه في عام 1992، ضد الرئيس كارلوس أندريس بيريس، ثم ساعده لاحقاً في تأسيس حزب "حركة الجمهورية الخامسة". 

بدأ صعود مادورو السياسي في عام 1999، حين انتُخب لعضوية الجمعية الوطنية التأسيسية المكلفة بصياغة دستور جديد للبلاد. ثم فاز في انتخابات الجمعية الوطنية (البرلمان) في عام 2000، وتدرج داخل المؤسسة التشريعية حتى وصل إلى رئاستها في الفترة بين عامي 2005 و2006. 

وفي عام 2006، دخل مادورو الحكومة، وزيراً للخارجية حتى عام 2013. وفي 12 أكتوبر 2012، اختاره تشافيز نائباً للرئيس، ثم أعلن في 9 ديسمبر من العام نفسه، قبيل توجهه إلى إجراء عملية جراحية رابعة لاستئصال ورم سرطاني، ترشيح مادورو لخلافته في حال غيابه. 

بعد وفاة تشافيز، أدى مادورو اليمين رئيساً مؤقتاً في 8 مارس 2013. وخاض الانتخابات الرئاسية في 14 أبريل من العام نفسه، ليفوز بفارق ضئيل يقل عن نقطتين مئويتين وسط مطالبة منافسه، هنريكي كابريليس، بإعادة الفرز، التي قضت المحكمة العليا بعدم دستوريتها في 17 أبريل. وفي 19 أبريل أدى مادورو اليمين رئيساً للجمهورية. 

بعد أشهر من توليه السلطة، اتخذ خطوات تصعيدية ضد الولايات المتحدة، فطرد في سبتمبر 2013، ثلاثة دبلوماسيين أميركيين، متهماً إياهم بالضلوع في انقطاع كهربائي واسع. 

احتجاجات وأزمات سياسية 

شهدت سنوات حكم مادورو الأولى، احتجاجات طلابية بارزة. ففي 12 فبراير 2014، لفتت الاحتجاجات الأنظار الدولية بعد مصرع ثلاثة أشخاص، وسط تدهور اجتماعي واقتصادي كبير. وفي 20 فبراير، ألغت فنزويلا تصاريح عمل مراسلي شبكة CNN ورفضت إصدارها لمراسلين جدد بعد تهديد مادورو بطرد الشبكة إذا لم "تُصحح" تغطيتها، متهماً إياها بخوض "دعاية حرب". وبعد يومين، أعادت السلطات إصدار التصاريح. 

وفي 21 فبراير، دعا مادورو، الرئيس الأميركي آنذاك باراك أوباما، إلى قبول "التحدي" وإجراء محادثات مباشرة. 

في 15 يناير 2016، أعلن مادورو حالة الطوارئ الاقتصادية بعد نشر بيانات اقتصادية متأخرة لسنوات. ثم وسع الإجراءات بإعلان حالة طوارئ دستورية في 13 مايو من العام نفسه. 

وفي 30 أكتوبر 2016، شارك للمرة الأولى في محادثات مع المعارضة الفنزويلية. وفي 1 مايو 2017، أعلن توقيعه مرسوماً يمهد لتعديلات دستورية تعيد تشكيل السلطة التشريعية وتوسع صلاحياته.

وفي 30 يوليو، أجريت انتخابات لاستبدال الجمعية الوطنية بهيئة تشريعية جديدة موالية له تسمى "الجمعية التأسيسية"، وسط اشتباكات بين المتظاهرين وقوات الأمن أودت بحياة 6 أشخاص. 

وفي اليوم التالي فرضت وزارة الخزانة الأميركية، عقوبات على مادورو، وحظرت على الأميركيين التعامل معه. 

إعادة انتخاب ومحاولات اغتيال 

أعلن مادورو ترشحه لولاية جديدة في 24 يناير 2018. وشهدت انتخابات 20 مايو، عزوفاً كبيراً بعد حملة تشكيك واسعة من المعارضة والمجتمع الدولي، إذ تراجعت نسبة المشاركة إلى 46% مقارنة بـ80% في 2013. واعتبرت "مجموعة ليما" الانتخابات غير شرعية. 

وبعد أشهر، في 4 أغسطس 2018، تعرض مادورو لمحاولة اغتيال عبر طائرات مُسيرة محملة بالمتفجرات خلال عرض عسكري. وفي 8 سبتمبر، كشفت صحيفة "نيويورك تايمز" عن اجتماعات سرية بين ضباط فنزويليين ومسؤولين أميركيين خططوا لانقلاب عسكري.

وفي 17 سبتمبر، واجه مادورو انتقادات بعد ظهوره يتناول وجبة فاخرة أعدها الشيف التركي، نصرت جوكشيه، في ظل أزمة اقتصادية تعاني منها البلاد. وبعد ذلك، فرضت واشنطن في 25 سبتمبر عقوبات على زوجته وثلاثة من دائرته المقربة. 

اقرأ أيضاً

ما دلالة دعوة واشنطن إلى إغلاق المجال الجوي لفنزويلا؟

قال خبير السياسات الأميركية الدكتور وليد فارس إن دعوة الرئيس الأميركي دونالد ترمب إلى إغلاق المجال الجوي لفنزويلا تحمل رسالة بأن واشنطن تتحرك بغطاء جوي واسع.

في 26 سبتمبر 2018، تحدث مادورو أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، حيث وصف الأزمة الإنسانية بأنها "مختلقة"، واتهم الولايات المتحدة وحلفاءها في أميركا اللاتينية بمحاولة "التدخل في شؤون البلاد". 

وفي 8 أكتوبر، توفي أحد المتهمين في محاولة اغتياله، إثر سقوطه من الطابق العاشر، وقالت الاستخبارات الفنزويلية إنه انتحر. وفي 10 يناير 2019، أدى مادورو اليمين لولاية ثانية، رغم امتناع دول ديمقراطية عن الاعتراف به، فيما أعلنت "منظمة الدول الأميركية" عدم الاعتراف بشرعيته. 

وفي 23 يناير 2019، أعلن رئيس الجمعية الوطنية (البرلمان)،  خوان جوايدو، نفسه رئيساً مؤقتاً، واعترفت به الولايات المتحدة، فيما اتهم مادورو واشنطن بدعم انقلاب، وطرد الدبلوماسيين الأميركيين من البلاد. 

محاولات انقلاب واتهامات أميركية 

في 30 أبريل 2019، أعلن مادورو إحباط محاولة للانقلاب عليه، شارك فيها، على حد قوله، الرئيس الأميركي دونالد ترمب ومستشاره للأمن القومي آنذاك، جون بولتون، بينما قال وزير الخارجية الأميركي حينها، مايك بومبيو، إن مادورو كان يستعد لمغادرة البلاد قبل أن تثنيه روسيا عن قراره. 

وجهت وزارة العدل الأميركية، في عام 2020، اتهامات بالإرهاب المرتبط بالمخدرات وجرائم أخرى، إلى مادورو وعدد من كبار مسؤولي حكومته، متهمة إياهم بقيادة عصابة "كارتل دي لوس سولس" والتعاون مع حركة "القوات المسلحة الثورية الكولومبية" (فارك) لتهريب الكوكايين. 

و"كارتل دي لوس سوليس" أو "كارتل الشموس" ليس تنظيماً فعلياً ولا كارتلاً قائماً بذاته، بل هو مصطلح يُستخدم في فنزويلا للإشارة إلى كبار الضباط العسكريين الذين اتهموا بجمع ثروات طائلة من خلال تهريب المخدرات.

وجاءت تسمية "الشموس" من الشارات الشمسية التي يضعها الضباط الكبار على أكتافهم. ومع اتساع اتهامات الفساد خلال عهد هوجو تشافيز ولاحقاً نيكولاس مادورو، اتسع استخدام المصطلح ليشمل مسؤولين حكوميين يُشتبه بتورطهم في أنشطة فساد متنوعة.

في 10 يناير 2025، أدى مادورو اليمين لولاية رئاسية ثالثة، وسط جدل دولي واسع وانتقادات أميركية على خلفية نتائج الانتخابات. 

طوال رئاسته لفنزويلا التي استمرت لأكثر من عقد، شكل نيكولاس مادورو، محوراً رئيسياً في أزمات بلاده مع الولايات المتحدة، على الرغم من تباين إداراتها المتعاقبة. 

لكن على الرغم من العلاقات بين الجانبين شهدت فترات متلاحقة من التصعيد والانتقادات، وربما التدخلات السياسية، إلى أن التوتر الأخير يمثل نقطة مفصلية في إرث واسع من التوتر استمر لعقود سابقة، خاصة في ظل تصاعد المخاوف من تدخل عسكري أميركي مباشر لتغيير النظام السياسي في كاراكاس، والتي  يهيمن اليسار الراديكالي على مقاليد الأمور فيها طوال عقود خلت.  

تصنيفات

قصص قد تهمك