أشاد السفير الأميركي لدى لبنان ميشال عيسى، الخميس، بلبنان وإسرائيل لاتخاذهما ما وصفه بـ"القرار الشجاع بفتح قناة حوار في هذه اللحظة الحساسة"، في إشارة إلى اجتماعات "اللجنة التقنية العسكرية" في بلدة الناقورة الأربعاء، والتي شهدت مشاركة مسؤولين لبنانيين وإسرائيليين.
وقال السفير الأميركي إن "هذه الخطوة تشير إلى رغبة صادقة في السعي نحو حلول سلمية ومسؤولة مبنية على حسن النية"، مشدداً على أنه "لا يمكن تحقيق تقدم مستدام إلا عندما يشعر كلا الجانبين، بأن مخاوفهما محترمة، وآمالهما معترف بها". واعتبر أن "التوافق والتفاهم والقيادة المبنية على المبادئ تبقى أموراً أساسية".
وقال السفير الأميركي: "أرحّب بقرار الحكومة اللبنانية اعتماد الحوار بعد عقود من عدم اليقين، يُمثل هذا خطوة بناءة نحو تحديد مسارات قد تسمح يوماً ما لكلا البلدين بالتعايش بسلام واحترام وكرامة". وأضاف: "بصفتي سفير الولايات المتحدة لدى لبنان، أؤكد مجدداً التزامنا بدعم جميع الجهود التي تعزّز السلام والاستقرار والأمن".
والأربعاء، أعلنت الرئاسة اللبنانية تكليف السفير السابق، سيمون كرم، برئاسة الوفد اللبناني في اجتماعات "اللجنة التقنية العسكرية للبنان" في الناقورة، الأربعاء، والذي يشهد مشاركة مسؤولين أميركيين وإسرائيليين.
وجاء في بيان للرئاسة اللبنانية، أنه بعدما أطلع الجانب الأميركي لبنان، على "موافقة الطرف الإسرائيلي ضمّ عضو غير عسكري إلى وفده المشارك في اللجنة المذكورة، وبعد التنسيق والتشاور مع رئيس مجلس النواب، نبيه بري، ورئيس الحكومة، نواف سلام، قرر رئيس الجمهورية جوزاف عون، تكليف السفير السابق سيمون كرم، برئاسة الوفد اللبناني في اجتماعات اللجنة".
وقالت الرئاسة اللبنانية، إن هذا القرار الذي اتخذه عون، يأتي "التزاماً بقسمه الدستوري، وعملاً بصلاحياته الدستورية، من أجل الدفاع عن سيادة لبنان وسلامة أراضيه ومصالحه العليا، وتجاوباً مع المساعي المشكورة من قبل الولايات المتحدة".
تهدئة التوتر
وكان الاجتماع الذي عُقد في بلدة الناقورة، أقصى الجنوب اللبناني على الحدود مع إسرائيل، أول لقاء مباشر وعلني من نوعه بين إسرائيل ولبنان منذ عام 1993، فيما كانت تسعى إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترمب إلى تعزيز هذا النوع من الحوار منذ 9 أشهر، وفق ما أورد موقع "أكسيوس".
ونقل الموقع الأميركي عن مسؤول أميركي قوله، إن "الولايات المتحدة تأمل أن يساعد الاجتماع في تهدئة التوتر بين البلدين، ويساعد على تجنب استئناف الحرب في لبنان".
ورغم التوصل إلى اتفاق وقف إطلاق النار قبل عام، كثفت إسرائيل من ضرباتها في لبنان خلال الأسابيع الأخيرة.
وقبل نحو أسبوعين، اغتال الجيش الإسرائيلي القائد العسكري البارز في "حزب الله" اللبنانية هيثم علي الطباطبائي في غارة جوية في بيروت، التي تعد أبرز الهجمات الإسرائيلية ضد قادة الجماعة منذ التوصل إلى وقف إطلاق النار قبل عام. كما أنها المرة الأولى التي تضرب فيها إسرائيل بيروت منذ 5 أشهر.
وقال مسؤولون إسرائيليون وأميركيون، إن تل أليب أبلغت إدارة ترمب في الأشهر الأخيرة أن الحكومة اللبنانية "لا تبذل ما يكفي من الجهد لتنفيذ قرارها بنزع سلاح حزب الله"، وحذرت من "إمكانية استئناف الحرب".
في المقابل، أدانت الحكومة اللبنانية الضربات الإسرائيلية، وقالت إنها تقوّض عمليات الجيش اللبناني في جنوب لبنان، وطالبت أيضاً بانسحاب إسرائيل من خمسة مواقع تحتلها داخل الأراضي اللبنانية.
"مناورة سياسية" لإسرائيل
وقال مسؤول أميركي إن إدارة ترمب تعتقد أنه "بغض النظر عن خطاب بعض السياسيين والجنرالات الإسرائيليين، فإن استئناف الحرب من قبل إسرائيل ليس وارداً خلال الأسابيع المقبلة".
وكانت إدارة ترمب تحاول إطلاق محادثات مباشرة بين إسرائيل ولبنان منذ شهر مارس الماضي.
ومع استمرار تصاعد التوتر خلال الأسابيع الأخيرة، ضغطت إدارة ترمب على الطرفين لإرسال دبلوماسيين لإجراء محادثات مباشرة بمشاركة الولايات المتحدة، بحسب مسؤول أميركي.
وأفاد "أكسيوس" بأن السفير الأميركي ميشال عيسى أقنع الحكومة اللبنانية بالمشاركة رغم الضربات الإسرائيلية المستمرة، في حين أقنعت نائبة المبعوث الأميركي الخاص للسلام في الشرق الأوسط مورجان أورتاجوس الإسرائيليين بالمشاركة.
والثلاثاء، التقت أورتاجوس رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، وحثته على إرسال دبلوماسي إلى الاجتماع.
ومساء الثلاثاء، وافقت كل من إسرائيل ولبنان على إرسال دبلوماسيين لإجراء محادثات على هامش الاجتماع الشهري للجنة العسكرية لمراقبة الهدنة بينهما.
واجتمعت اللجنة التي ترأسها الولايات المتحدة، الأربعاء، بحضور الممثلين الجدد لمدة ثلاث ساعات تقريباً على الخط الأزرق، الذي يمثل الحدود بين لبنان وإسرائيل. وبعد المحادثات مع قادة عسكريين، عقدت أورتاجوس ودبلوماسيون إسرائيليون ولبنانيون اجتماعاً منفصلاً.
ومنذ تشكيل اللجنة لمراقبة هدنة عام 2024، اقتصرت المشاركة فيها على مسؤولين عسكريين من إسرائيل ولبنان والولايات المتحدة وفرنسا، إلى جانب قوات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة.
اجتماع مرتقب قبل نهاية العام
وقال مصدر مطلع على الاجتماع لـ"أكسيوس"، إنه "ركز في معظمه على تعارف الطرفين على بعضهما البعض"، مضيفاً أن "أهم المسائل الجوهرية في الاجتماع الأول كانت التعاون الاقتصادي بين البلدين في جنوب لبنان، خاصة فيما يتعلق بإعادة إعمار المناطق المتضررة جراء الحرب".
وأشار المصدر إلى أن "الطرفين اتفقا على الاجتماع مجدداً قبل حلول العام الجديد، والجلوس إلى طاولة المفاوضات مع تقديم مقترحات اقتصادية تساعد في بناء الثقة".
وفيما قال مسؤول أميركي، إن الرؤية الأميركية على المدى الطويل تتمثل في إنشاء "منطقة ترمب الاقتصادية" على طول الحدود التي ستكون خالية من عناصر "حزب الله"، والأسلحة الثقيلة.
وأضاف المسؤول: "جميع الأطراف متفقة على أن الهدف الأساسي هو نزع سلاح حزب الله. وستواصل الجيوش الثلاثة (الأميركي واللبناني والإسرائيلي) العمل على ذلك من خلال آلية وقف إطلاق النار".
من جهته، عبر رئيس الوزراء اللبناني نواف سلام في تصريحات للصحافيين، الأربعاء، عن أمله في أن تساعد مشاركة المدنيين في الاجتماعات في "نزع فتيل التوتر"، قائلاً، إن شن إسرائيل المزيد من الغارات في الأسابيع القليلة الماضية كان إشارة تصعيدية واضحة.
وأشار إلى أن المحادثات الاقتصادية ستكون جزءاً من أي عملية تطبيع مع إسرائيل، والتي يجب أن تتبع "اتفاقية سلام"، مضيفاً أنه إذا التزمت الدولتان بخطة السلام العربية لعام 2002، "فسيتبع ذلك التطبيع، لكننا ما زلنا بعيدين"، ورحب رئيس الوزراء اللبناني بعرض مصر المساعدة في خفض التوتر بين لبنان وإسرائيل.
وقال سلام إن لبنان منفتح على قيام اللجنة بدور التحقق المباشر من المزاعم الإسرائيلية بأن "حزب الله" يعيد تسليح نفسه، والتحقق من عمل الجيش اللبناني في تفكيك البنية التحتية للجماعة المسلحة.
ورداً على سؤال من الصحافيين، عما إذا كان ذلك يعني أن بيروت مستعدة لوجود قوات فرنسية وأميركية على الأرض، قال سلام "بالطبع".
من جهته، قال رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو إن الأجواء في الاجتماع كانت "جيدة"، وإن الجانبين اتفقا على طرح أفكار للتعاون الاقتصادي.
وقال مكتب نتنياهو إنه أوفد نائب رئيس قسم السياسة الخارجية في مجلس الأمن القومي الإسرائيلي إلى الاجتماع، وذلك في إطار ما قال إنه الحوار الجاري بين إسرائيل ولبنان والولايات المتحدة. وأضاف مكتب نتنياهو أنه ينبغي نزع سلاح "حزب الله" بغض النظر عن أي تعاون اقتصادي.
وتمثل المباحثات اللبنانية الإسرائيلية الأميركية في الناقورة، الأربعاء، خطوة نحو مطلب أميركي قائم منذ أشهر بتوسيع نطاق المحادثات بين البلدين إلى ما هو أبعد من مراقبة وقف إطلاق النار المبرم في 2024، بما يتماشى مع جدول أعمال الرئيس الأميركي دونالد ترمب الأوسع نطاقاً لاتفاقات السلام في الشرق الأوسط.
وأعرب الرئيس اللبناني جوزاف عون مراراً عن انفتاحه على المفاوضات من أجل التوصل إلى هدنة أكثر تماسكاً، وأرسل مبعوثاً مدنياً، للمرة الأولى، وقالت إسرائيل إنها سترسل ممثلاً لها في محاولة لإقامة علاقة وتعاون اقتصادي مع لبنان.











