واشنطن تتهم حلفاء الناتو بإعطاء الأولوية للشركات الأوروبية على حساب نظيرتها الأميركية

"الصناعات الدفاعية والتسليح".. سجال متصاعد عبر ضفتي الأطلسي

نائب وزير الخارجية الأميركي كريستوفر لاندو خلال اجتماعات الناتو في بروكسل. 3 ديسمبر 2025 - REUTERS
نائب وزير الخارجية الأميركي كريستوفر لاندو خلال اجتماعات الناتو في بروكسل. 3 ديسمبر 2025 - REUTERS
دبي -الشرق

انتقد نائب وزير الخارجية الأميركي كريستوفر لاندو، الأربعاء الماضي، حلفاء الناتو الأوروبيين لإعطائهم الأولوية لشركاتهم الدفاعية على حساب موردي الأسلحة الأميركيين، حسبما نقلت "بوليتيكو" عن ثلاثة دبلوماسيين في حلف شمال الأطلسي، وذلك وسط تحركات أوروبية متصاعدة لتعزيز الصناعة العسكرية التي تعاني من تأخر كبير، وتنامي المخاوف من احتمال هجوم روسي على أوروبا بحلول نهاية العقد الجاري.

وجاءت هذه الانتقادات خلال اجتماع وزراء خارجية الناتو، الأربعاء الماضي، والذي تغيب عنه وزير الخارجية الأميركي ماركو روبيو.

وحث لاندو، وهو من المشككين في الناتو، والذي تحدث أولاً في الاجتماع المغلق، وزراء الناتو، على "عدم التنمر" على شركات الدفاع في بلاده، ومنعها من المشاركة في إعادة تسليح أوروبا.

وقال مسؤول في وزارة الخارجية الأميركية: "وجّه نائب الوزير لاندو رسالتين رئيسيتين. الأولى هي ضرورة أن تحوّل أوروبا التزاماتها المتعلقة بالإنفاق الدفاعي إلى قدرات. والثانية هي أن السياسات الحمائية والإقصائية التي تُقصي الشركات الأميركية من السوق تُقوّض دفاعنا الجماعي".

وتعهد الحلفاء في حلف الناتو، بإنفاق 5% من الناتج المحلي الإجمالي على الدفاع بحلول عام 2035، فيما يخصص الاتحاد الأوروبي 150 مليار يورو، منحاً دفاعية للمشتريات المشتركة، مع وضع ضوابط صارمة تشجع على الشراء من داخل أوروبا، وتقلل الاعتماد على دول أخرى.

انتقادات وضغوط أميركية

ويُعد هجوم لانداو الأخير، حلقةً في سلسلة طويلة من الانتقادات التي وجهتها الإدارة الأميركية الحالية لشركائها التاريخيين في أوروبا، والتي تشمل الضغط على الاتحاد الأوروبي في المفاوضات التجارية، لتجنب الرسوم الجمركية الأميركية.

وانتقد الرئيس دونالد ترمب، التكتل الأوروبي مراراً وتكراراً لمعاملته "غير العادلة" للولايات المتحدة، بينما وصف الاتحاد الأوروبي مطالب واشنطن التجارية بأنها بمثابة "ابتزاز".

ومن المرجح أن تُثير تصريحات لانداو استياءً في بعض العواصم الأوروبية، إذ تأتي في الوقت الذي أعلنت فيه عدة دول أوروبية، مثل ألمانيا وبولندا، عن تبرعات نقدية جديدة بملايين الدولارات لخطة يدعمها حلف الناتو، تُموّل شركات دفاع أميركية لتزويد أوكرانيا بأسلحة حيوية.

وأشار مارك روته، الأمين العام لحلف الناتو، الأربعاء الماضي، إلى تعهدات أوروبية وكندية، بتقديم 4 مليارات دولار لهذه الخطة.

وسبق لترمب أن شكك في الضمانات الأمنية التي يقدمها حلف الناتو، رغم إشادته الكبيرة بجهود الحلف لزيادة الإنفاق الدفاعي إلى 5% من الناتج المحلي الإجمالي بحلول عام 2035.

ويُمثل غياب روبيو، المرة الأولى منذ أكثر من عقدين التي يتغيب فيها كبير الدبلوماسيين الأميركيين عن اجتماع وزاري لحلف الناتو.

سوق دفاعية واعدة

وتسعى شركات الدفاع الأميركية، إلى كسب ود نظيراتها الأوروبية وتعزيز الشراكات معها، في محاولة لضمان عدم استبعادها من موجة الإنفاق العسكري المتصاعد في القارة العجوز.

وترى هذه الشركات، أن ارتفاع الإنفاق الدفاعي في أوروبا، مدفوعاً بالحرب في أوكرانيا والضغوط التي يمارسها ترمب لزيادة مساهمة الدول الأوروبية في أمنها، كلها عوامل تمثل فرصة لا يجب التفريط بها. 

وأوضح خبراء في القطاع، أن شركات الدفاع الأميركية الرائدة، تربطها علاقات طويلة الأمد في أوروبا، والتي تمثل حصة كبيرة من إيراداتها السنوية. وتأمل هذه الشركات في أن تضمن هذه الشراكات استمرار أعمالها داخل القارة.

وشكلت السوق الأوروبية نحو 11% من الإيرادات السنوية لكل من "لوكهيد مارتن" وRTX في عام 2024. وتمتلك عدة جيوش أوروبية مقاتلات F-35 التي تنتجها "لوكهيد مارتن"، في حين تصدرت صواريخ "باتريوت" من RTX، السوق الأوروبية في مجال الدفاع الجوي بفارق كبير. 

ومن المقرر أن تؤسس "لوكهيد مارتن" خطوط إنتاج صواريخ على نطاق واسع بالتعاون مع شركة "راينميتال"، بينما سينتج مشروع مشترك بين "رايثيون" وشركة MBDA الأوروبية لصناعة الصواريخ، صواريخ "باتريوت" لدول حلف الناتو في ألمانيا. 

الشركات الأميركية أكبر المستفيدين

واستحوذت شركات الدفاع الأميركية بالفعل، على 43% من صادرات الأسلحة العالمية في السنوات الخمس الماضية، مقارنة بـ 35% في الفترة السابقة، بحسب معهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام. 

وذكر المعهد أن واردات الأسلحة لدى الدول الأوروبية الأعضاء في حلف الناتو، زادت بأكثر من الضعف خلال السنوات الخمس المنتهية في 2024، مقارنة بالفترة المماثلة المنتهية في 2019، إذ أن ما يقرب من ثلثي هذه الواردات جاءت من الولايات المتحدة، مقارنة بأكثر من نصفها بقليل في الفترة السابقة. 

وتضاعفت واردات الأسلحة من قبل الدول الأعضاء الأوروبية في الناتو، بأكثر من الضعف بين عاميْ (2015-2019) و(2020-2024)، إذ قدمت الولايات المتحدة 64% من هذه الأسلحة، وهي حصة أكبر بكثير عن الفترة بين 2015 إلى 2019، وهي 52 %. وكان الموردون الرئيسيون الآخرون هم فرنسا وكوريا الجنوبية 6.5% لكل منهما، وألمانيا 4.7%، وإسرائيل 3.9%.

وحصلت 13 دولة أوروبية، بينها بريطانيا وألمانيا وإيطاليا، على مقاتلات F-35 الأميركية أو طلبتها، كما عززت الدول الأوروبية مخزوناتها من منظومات الدفاع الجوي "باتريوت" ومنصات الصواريخ "هيمارس"، إلى جانب معدات أميركية أخرى. 

نمو مطرد لصناعة الدفاع الأوروبية

وسجل قطاع الدفاع الأوروبي نمواً بنسبة 13.8% خلال عام 2024 مقارنة بالعام السابق، ليحقق إيرادات بلغت 183.4 مليار يورو (213 مليار دولار)، وفق تقرير رابطة صناعات الفضاء والأمن والدفاع في أوروبا.

وقال التقرير إن هذه القفزة، وهي الزيادة الرابعة على التوالي، جاءت نتيجة سنوات من ضعف الاستثمار، قبل أن ترتفع الميزانيات عقب اندلاع الحرب الروسية الأوكرانية. كما ارتفع عدد العاملين في القطاع بنسبة 8.6% ليصل إلى 633 ألف وظيفة.

غير أن الرابطة حذّرت من استمرار عدد من التحديات، من بينها اختناقات سلاسل التوريد، ونقص المواد الخام الحيوية والمكونات الإلكترونية، وارتفاع تكاليف الطاقة، وضعف سوق العمل، والقيود التجارية الناجمة عن العقوبات المفروضة على روسيا، وفق "بلومبرغ".

وقال ميكايل يوهانسون، رئيس رابطة صناعات الفضاء والأمن والدفاع والرئيس التنفيذي لشركة Saab، للصحافيين في بروكسل، الثلاثاء الماضي: "علينا أن نضمن استمرار الصناعات الدفاعية في دعم بناء القدرات السيادية الأوروبية التي تعزز الردع والدفاع".

وأضاف يوهانسون: "ولا يمكن أن يتوقف ذلك لمجرد التوصل إلى وقف لإطلاق النار أو بدء مفاوضات".

تصنيفات

قصص قد تهمك