هجوم سيدني يعيد أستراليا إلى اختبار قوانين حيازة السلاح

وقفة بالشموع على شاطئ بوندي في مدينة سيدني بأستراليا حيث سقط ضحايا في إطلاق نار خلال احتفال بعيد ديني يهودي. 15 ديسمبر 2025 - REUTERS
وقفة بالشموع على شاطئ بوندي في مدينة سيدني بأستراليا حيث سقط ضحايا في إطلاق نار خلال احتفال بعيد ديني يهودي. 15 ديسمبر 2025 - REUTERS
دبي-الشرق

جاء هجوم شاطئ بوندي في مدينة سيدني، والذي أسفر عن سقوط ضحايا ومصابين، ليعيد النقاش بشأن فعالية قوانين حيازة السلاح، بعد أن تبين أن أحد المهاجمين كان يمتلك رخصة سلاح وستة أسلحة مسجلة، ما يسلط الضوء على ثغرات لا تزال موجودة في النظام الحالي.

وقبل نحو 30 عاماً، هزّت مذبحة "بورت آرثر" أستراليا، بعد أن قتل مُسلّح 35 شخصاً وأصاب 23 آخرين ببنادق شبه آلية، وأسفرت الحادثة عن إصدار اتفاقية الأسلحة الوطنية التي وضعت قيوداً صارمة على حيازة السلاح، وجعلت أستراليا نموذجاً عالمياً في مراقبة الأسلحة.

وتشير بيانات المعهد الأسترالي للجرائم إلى أن بين يوليو 2023 ويونيو 2024 سجلت أستراليا 31 جريمة قتل بالأسلحة النارية بمعدل 0.09 لكل 100 ألف نسمة، فيما تجاوز عدد الأسلحة المملوكة قانونياً 4 ملايين سلاح، أي أكثر من الرقم قبل حملة التشديد في 1996.

مجزرة "بورت آرثر"

في أعقاب مذبحة "بورت آرثر"، التي وقعت في 28 أبريل 1996، وعد رئيس الوزراء الأسترالي آنذاك جون هوارد بـ"تقوية قوانين السيطرة على الأسلحة بشكل كبير في أستراليا". وكانت هذه خطوة سياسية شجاعة، إذ كان فرض الرقابة على الأسلحة خياراً غير شعبي بين العديد من مؤيدي حكومة هوارد.

وفي 10 مايو، أي بعد 12 يوماً فقط من المذبحة، أعلنت حكومة هوارد اتفاقية الأسلحة الوطنية (NFA)، وهي مجموعة من الإجراءات التي اتخذتها الحكومات الفيدرالية وحكومات الولايات والأقاليم لتعزيز قوانين السيطرة على الأسلحة في أستراليا.

ونصّت الاتفاقية على حظر العديد من أنواع الأسلحة، بما في ذلك البنادق شبه الآلية وبنادق الصيد ذات التشغيل بالمضخة، وأدخلت برنامجاً إلزامياً لشراء الأسلحة المسترجعة وتدميرها، حيث تم تسليم أكثر من 650 ألف سلاح وتدميره.

كما فرضت الاتفاقية متطلبات صارمة للترخيص، وفحوصات خلفية إلزامية، وفترة انتظار مدتها 28 يوماً قبل الشراء، وحدوداً على من يمكنه امتلاك السلاح، بما في ذلك حظر الرخصة لمن هم دون 18 عاماً.

الإصلاحات التاريخية لحكومة هوارد

  • حظر فئات معينة من الأسلحة، بما فيها البنادق شبه الآلية المستخدمة في المجزرة.
  • برنامج مؤقت لاسترداد الأسلحة المحظورة من المواطنين
  • إنشاء سجل وطني للأسلحة (لم يُنجز بالكامل حتى اليوم).
  • فترة انتظار 28 يوماً قبل شراء أي سلاح.
  • تشديد شروط الترخيص، ومنع من هم دون 18 عاماً من الحصول على رخصة.

وأدت هذه الإصلاحات إلى انخفاض كبير في جرائم القتل بالأسلحة النارية، وجعلت أستراليا نموذجاً يُحتذى به على مستوى العالم في قوانين مراقبة الأسلحة.

في العقد الذي تلا مجزرة بورت آرثر، لم تسجل أستراليا أي حوادث إطلاق نار جماعي تشمل أربعة ضحايا أو أكثر. وشملت العديد من هذه الحوادث عنفاً أسرياً أو هجمات منفردة. ويتم تنظيم ملكية الأسلحة بشكل صارم، وتُقتصر عادةً على أغراض محددة مثل الصيد والزراعة أو الرياضة، وفق "بلومبرغ".

مع ذلك، يشير الخبراء إلى وجود ثغرات، فبينما لا تزال اتفاقية الأسلحة الوطنية سارية، أشار تقرير، أصدره معهد أستراليا، إلى أن بعض بنودها، بما في ذلك إنشاء سجل وطني موحد للأسلحة، لم تُنفذ بالكامل. كما أن قوانين الأسلحة تختلف من ولاية إلى أخرى، ما يخلق ثغرات في الرقابة.

وحذر دعاة السلامة من أن عدد الأسلحة في أستراليا ارتفع بهدوء في السنوات الأخيرة، حيث يوجد الآن أكثر من 4 ملايين سلاح في البلاد، أي بزيادة 25% عن الوقت الذي وقعت فيه مجزرة 1996، وفق تقرير نشره المعهد هذا العام. ويُعزى هذا الارتفاع إلى التنظيم غير المتسق وظهور أسلحة مطبوعة بتقنية ثلاثية الأبعاد.

حادث بوندي

وعلى الرغم من القوانين الصارمة، أظهر هجوم شاطئ بوندي الأخير أن هناك فجوات في النظام، حيث كشفت الشرطة أن أحد المهاجمين كان يمتلك رخصة سلاح ترفيهية وستة أسلحة مسجلة، مما أعاد فتح النقاش بشأن فعالية القوانين الحالية، وفق شبكة CNN.

وتزداد المخاوف بين أنصار مراقبة الأسلحة من أن الوصول إلى الأسلحة ما يزال سهلاً للغاية، رغم ما تُعرف به البلاد من إطار قانوني "معيار ذهبي".

وحذر خبراء السلامة من الوقوع في حالة الارتياح المفرط، مشيرين إلى زيادة أعداد الأسلحة وثغرات في قوانين الولايات والأقاليم يمكن استغلالها بسهولة، أو قد ينتهي بها المطاف في أيدي مجرمين.

حوادث إطلاق النار الجماعي الأخيرة في أستراليا:

  • 8 سبتمبر 2014: قتل مزارع زوجته وأطفاله الثلاثة قرب لوكهارت في نيو ساوث ويلز، قبل أن ينتحر.
  • 16 ديسمبر 2014: احتجز إيراني 18 رهينة بمقهى ليندت في سيدني، ولقي 3 أشخاص حتفهم خلال اقتحام الشرطة، كان بينهم الجاني ورهينة أصيب برصاص الشرطة وآخر أصيب برصاص المنفذ.
  • 11 مايو 2018: قتل مزارع 6 من أفراد أسرته في ولاية أستراليا الغربية قبل أن ينتحر.
  • 4 يونيو 2019: أطلق رجل النار على 4 رجال وأصاب امرأة في مدينة داروين شمال أستراليا.
  • 12 ديسمبر 2022: لقي 6 أشخاص حتفهم في تبادل إطلاق نار بولاية كوينزلاند.
  • 14 ديسمبر 2025: فتح مسلحون النار خلال مراسم الاحتفال بحفل ديني في شاطئ بوندي، ما أسفر عن سقوط 15، فيما وصفته السلطات بأنه هجوم إرهابي.

في الوقت نفسه، تشكل التهديدات الجديدة، مثل الأسلحة المطبوعة بتقنية 3D وحركة المواطنين السياديين المتنامية، تحديات إضافية للسلطات في ما يتعلق بمراقبة الأسلحة.

وحركة المواطنين السياديين (Sovereign Citizens Movement) هي تيار فضفاض من الأفراد والجماعات يؤمنون بأنهم غير خاضعين لسلطة الحكومات ولا للقوانين الوطنية، خصوصاً في الولايات المتحدة، لكن الحركة موجودة أيضاً في دول أخرى مثل كندا وأستراليا وبريطانيا.

ورغم أن الإصلاحات التي أُدخلت في عام 1996 حظيت بدعم شعبي وسياسي هائل، إلا أن الواقع يظهر أن هناك عناصر من اتفاقية الأسلحة النارية الوطنية لم تُطبَّق بعد بالكامل.

فعلى سبيل المثال، لا يزال السجل الوطني الموعود للأسلحة غير موجود، وبدلًا من قوانين موحدة على المستوى الوطني، لدى الأستراليين قوانين مختلفة في كل ولاية، وكلها تُدار بشكل غير متسق.

بعد مجزرة بورت آرثر مباشرة، أدى العفو الوطني عن الأسلحة إلى انخفاض أعدادها في المجتمع بشكل كبير، لكن اليوم يوجد أكثر من 4 ملايين سلاح في أستراليا – أي ما يقرب من ضعف العدد المسجل في عام 2001.

وكان رئيس الوزراء الأسترالي أنتوني ألبانيز قال، الاثنين، إنه سيقترح تشديد قوانين حيازة الأسلحة، للحد من عدد الأسلحة التي يمكن للأفراد حيازتها، أو الحصول على تراخيص لها.

وأضاف ألبانيز، في مؤتمر صحافي، أن تراخيص حمل السلاح لا يجب أن تكون دائمة، وقال إن "ظروف الناس قد تتغير، وقد يتعرض البعض للتطرف على مدى فترة من الزمن، لا ينبغي أن تكون التراخيص دائمة إلى الأبد، ومن الضروري التأكد من وجود آليات الفحص والتوازن المناسبة أيضاً"، وفق ما نقلت صحيفة "سيدني مورنينج هيرالد".

وتابع: "سأعرض على مجلس الوزراء مقترحاً يهدف إلى تمكين الجهات المختصة من دراسة ما يمكن القيام به في هذا المجال. من الواضح تماماً أن قوانين الأسلحة التي أقرتها حكومة (رئيس الوزراء جون) هوارد أحدثت فارقاً هائلاً، وإذا كان علينا تشديدها أكثر، أو إذا كان هناك أي إجراء إضافي يمكن اتخاذه، فأنا مستعد لذلك بكل تأكيد".

تصنيفات

قصص قد تهمك