أول رئيسة لـ MI6: تكتلات وهويات جديدة تتشكل.. والتحالفات القديمة يعاد رسمها

استراتيجية الاستخبارات البريطانية الجديدة.. روسيا والصين تتصدران الأولويات

الرئيسة الجديدة لجهاز الاستخبارات الخارجية البريطاني MI6 بليز ميترويلي تلقي أول خطاب لها في لندن. 15 ديسمبر 2025 - REUTERS
الرئيسة الجديدة لجهاز الاستخبارات الخارجية البريطاني MI6 بليز ميترويلي تلقي أول خطاب لها في لندن. 15 ديسمبر 2025 - REUTERS
دبي -الشرق

أرسلت رئيسة جهاز الاستخبارات الخارجية البريطاني MI6 الجديدة، بليز ميترويلي، في أول ظهور علني لها، إشارات قوية إلى عزمها ترك بصمتها الخاصة على المنصب، وذلك من خلال تسليط الضوء على موجة تهديدات مترابطة تواجه "الديمقراطيات الغربية"، على حد وصفها، كما لفتت إلى أن ملفات "مواجهة روسيا" و"التعامل مع الصين"، فضلاً عن العلاقات مع الحليف الأميركي التاريخي، تتصدر استراتجية الجهاز في ولايتها.

وتولت ميترويلي منصبها هذا الخريف، لتصبح أول امرأة تتولى رئاسة جهاز الاستخبارات الخارجية السرية في تاريخه الممتد إلى نحو 116 عاماً، ويُشار إلى رئيس الجهاز عادة بالحرف C، وهو العضو الوحيد المعروف علناً في هذه المؤسسة شديدة السرية.

وتضمن الخطاب الأول لميتروِيلي، في مقر MI6 بالعاصمة البريطانية لندن، الاثنين، كثيراً من الأعداء والحلفاء أنفسهم، الذين اعتاد أسلافها الإشارة إليهم، وفق مجلة "بوليتيكو".

ميتروِيلي، التي تسلّمت مهامها خلفاً لريتشارد مور في أكتوبر الماضي، سلّطت الضوء على اضطرابات جيوسياسية وتقنية، محذرة من أن "خط الجبهة بات في كل مكان". وأضافت: "نحن نعمل الآن في مساحة بين السلم والحرب".

تكتلات وتحالفات جديدة

وفي خطاب تخللته إشارات إلى تحول النظام عبر الأطلسي، وتنامي التضليل الإعلامي، قدمت ميتروِيلي إشارات "محدودة بشكل لافت" إلى العلاقة التاريخية الوثيقة مع الولايات المتحدة في مجال جمع المعلومات الاستخباراتية، التي شكلت على مدى عقود ركيزة أساسية في التفاهم الاستخباراتي البريطاني.

وبدلاً من ذلك، شددت ميتروِيلي، على أن "تكتلات وهويات جديدة تتشكل، والتحالفات يعاد رسمها"، وهذا الطرح سيُنظر على نطاق واسع بوصفه "اعترافاً رسمياً" بأن الإدارة الثانية للرئيس الأميركي دونالد ترمب فرضت على الأجهزة الأمنية التحول نحو بناء علاقات متعددة الأطراف، بحسب "بوليتيكو".

وبالمقارنة مع فقرة مطولة عن خطورة التهديد الروسي لبريطانيا، اكتفت ميتروِيلي بإشارة "عابرة" إلى ميول الصين لشن هجمات سيبرانية ضد بريطانيا، بل وصفتها بأنها "بلد يشهد تحولاً محورياً خلال هذا القرن"، وهو ما اعتبرته المجلة عبارة "أكثر إيجابية".

وقالت "بوليتيكو"، إن المتشددين في وستمنستر (مقر البرلمان البريطاني)، سيلاحظون أن ميتروِيلي، التي نشأت في هونج كونج وتعرف النظام الصيني عن قرب، تعاملت "بحذر" مع مخاطر الصراع في بحر الصين الجنوبي وأنشطة التجسس التي تنفذها بكين مستهدفة سياسيين بريطانيين وحتى أفراداً من العائلة المالكة. وفي عبارة "محسوبة"، قالت إنها "ستكسر التقاليد ولن تقدم جولة عن التهديدات العالمية".

وكان سلفها معروفاً بهذا النهج، الذي راق لمن راقهم مدير MI6 صريحاً يقدم تحليلات موجزة للتوترات العالمية وتداعياتها، لكنه أثار في المقابل استياء بعض المسؤولين في وزارة الخارجية الذين رأوا أن "لطف" رئيس الجهاز السابق، قد يجعله أحياناً مفرط الصراحة في تعليقاته الجيوسياسية.

"نهج مختلف" مع بكين

وحمل خطاب الرئيسة الجديدة لـ MI6، إيحاءً بأن التعامل مع الصين يتطلب نهجاً مختلفاً عن سياسة المواجهة المباشرة مع روسيا "العدوانية والتوسعية والرجعية".

ورجحت "بوليتيكو"، أن أسباب ذلك ربما تُعزى إلى تداعيات نقاش حاد داخل الحكومة البريطانية بشأن كيفية التعامل مع قضية اعتقال بريطانيين اثنين بتهمة التجسس لصالح الصين، فضلاً عن زيارة مرتقبة لرئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر، إلى بكين في مطلع 2026، تهدف إلى دعم النمو الاقتصادي.

وتشير مصادر داخل MI6 إلى أن هدف الاستراتيجية الخاصة بالصين، يتمثل في تجنب المواجهة من أجل تعزيز جمع المعلومات الاستخباراتية وبناء علاقة اقتصادية أكثر إنتاجية مع بكين؛ غير أن مفسرين أكثر تشدداً داخل جهاز الاستخبارات الخارجية البريطاني، ربما يبدون استغرابهم من اقتراحها أن "قوة الجمع" التي يتمتع بها الجهاز يمكن أن تمكنه من "نزع فتيل التوترات".

وفي المقابل، لم تترك ميتروِيلي مجالاً للشك حيال قلقها العميق من آثار التضليل والتشويه عبر منصات التواصل الاجتماعي، في إطار بدا أنه ينظر بالقدر نفسه من الريبة إلى عمالقة التكنولوجيا في الولايات المتحدة، كما إلى التهديدات التقليدية التي تقودها دول.

وقالت: "نواجه منافسة من ساحة المعركة إلى قاعة الاجتماعات، وحتى عقولنا، إذ يتلاعب التضليل بفهمنا لبعضنا البعض".

وترى ميتروِيلي، أن "بعض الخوارزميات أصبحت تضاهي الدول في قوتها"، في إشارة بدت موجهة إلى منصات مثل "إكس" المملوكة للملياردير الأميركي إيلون ماسك، وفيسبوك التابعة لشركة "ميتا" التي يملكها مارك زوكربيرج.

وحذرت من أن "الأدوات فائقة التخصيص قد تتحول إلى مسار جديد للصراع والسيطرة"، إذ تؤثر في المجتمعات والأفراد خلال "دقائق لا أشهر"، مضيفة: "على جهازي أن يعمل في هذا السياق الجديد أيضاً".

وقالت "بوليتيكو"، إن الرئيسة الجديدة استخدمت ضمير الملكية بشكل متكرر وهي تتحدث عن MI6 في خطابها، إذا أطلقت عليه "جهازي"، وهو ما اعتبرته المجلة إشارة أخرى إلى عزمها ترك "بصمة مميزة" في المنصب، خصوصاً بعدما ورثت، في سن 48 عاماً فقط، قلم الحبر الأخضر الشهير الذي يوقع به رئيس الجهاز مراسلاته.

شخصية متمرسة

وتعد ميتروِيلي شخصية متمرسة في العمل داخل مناطق النزاع، إذ عملت في العراق، كما أمضت فترة إعارة في جهاز الاستخبارات الداخلية MI5، ونالت المنصب إلى حد كبير بفضل خبرتها القيادية من خلال عملها في فرع العلوم والتكنولوجيا، الذي يُشار إليه بحرف Q داخل MI6.

وأبدت رغبة واضحة في تسريع وتيرة التغيير داخل الجهاز، قائلة إن على العملاء أن يتقنوا برمجة الحاسوب بقدر إتقانهم اللغات الأجنبية. كما يُتوقع أن تسعى لمعالجة ميل الجهاز إلى جمع المعلومات من دون تركيز واضح على الإجراءات اللاحقة، وهو ما نتج عن وفرة الاستخبارات التي جُمعت عبر الوسائل الرقمية والذكاء الاصطناعي.

وشددت على أن العنصر البشري يظل في صميم العمل الاستخباراتي، في محاولة لطمأنة عملاء ومحللين يتساءلون عما إذا كان الذكاء الاصطناعي قد يحل محلهم، في وقت تزداد فيه صعوبة جمع المعلومات في عصر تقنيات التعرف على الوجوه والقياسات الحيوية.

وبنظرة حازمة وابتسامة خفيفة أحياناً، تتحدث ميتروِيلي "لغة البشر" بطلاقة. وهي أيضاً أول من يتولى المنصب وهو يرتدي دبوساً كبيراً على شكل خنفساء من الحُلي اللافتة فوق زيها الكحلي الرسمي. وقد يستحوذ هذا التفصيل على قدر غير قليل من اهتمام موسكو وبكين في محاولة فك رموزه، بحسب "بوليتيكو".

تصنيفات

قصص قد تهمك