محاولات أوروبية للخروج من "ظل" الولايات المتحدة.. والأنظار نحو "ميركوسور"

الرئيس الأميركي دونالد ترمب يصافح رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين في اسكتلندا. 27 يوليو 2025 - Reuters
الرئيس الأميركي دونالد ترمب يصافح رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين في اسكتلندا. 27 يوليو 2025 - Reuters
دبي-الشرق

أعاد هجوم الرئيس الأميركي دونالد ترمب على القارة الأوروبية وقادتها، إحياء مساعي الاتحاد الأوروبي للتعامل بجدية مع تنويع علاقاته الاقتصادية، والعسكرية، والسياسية، وتقليص اعتماده على الولايات المتحدة، فيما تتوجه أنظار بروكسل نحو السوق المشتركة لدول أميركا الجنوبية (ميركوسور)، وفق مجلة "بوليتيكو".

وفي مقابلة مع المجلة، الأسبوع الماضي، وصف ترمب دول القارة بأنها "متداعية"، وقادتها بأنهم "ضعفاء"، كما أصدر استراتيجية جديدة للأمن القومي دعت إلى "تعزيز المقاومة" داخل القارة.

ورد رئيس المجلس الأوروبي أنطونيو كوستا، على انتقادات ترمب، قائلاً إن الولايات المتحدة يجب أن تتصرف كحليف، وحض الرئيس الأميركي على "إظهار الاحترام".

وأثار الهجوم الأميركي على الاتحاد الأوروبي هذا الشهر، الذي استند أيضاً إلى انتقادات قديمة للتشريعات الرقمية الأوروبية، وقوانين الاستدامة والنهج المتبع تجاه الهجرة، صدمة واسعة داخل المفوضية الأوروبية، وخلافاً بشأن كيفية الرد، بحسب مسؤولين.

اتفاق مع "ميركوسور"

وقالت "بوليتيكو" إن انتقادات ترمب أقنعت قيادة الاتحاد الأوروبي بأن إحراز تقدم في اتفاق التجارة "المتعثر" مع السوق المشتركة لدول أميركا الجنوبية (ميركوسور) سيكون أفضل وسيلة لإظهار ثقلها الجيوسياسي في منطقة تتنافس على استقطابها كل من الصين والولايات المتحدة، غير أن فرنسا ودولاً أخرى لا تزال متمسكة برفضها.

ونقلت عن مسؤول أوروبي رفيع قوله: "الرد على الولايات المتحدة بشأن تدهور أوروبا، والرد على استراتيجية الأمن القومي الأميركية، وعلى اتفاق التجارة الأميركي، والرد على الصين وروسيا، وعلى تزايد النزعة النفعية بين القوى، هو ميركوسور".

ويتطلب إبرام اتفاق مع دول "ميركوسور" أن يواجه قادة الاتحاد الأوروبي مقاومة راسخة في فرنسا وشكوكاً متنامية في إيطاليا، حيث تسود معارضة الاتفاق الطبقة السياسية بأكملها منذ سنوات، بسبب مخاوف من أن يُعرض مزارعيها المؤثرين لتدفق واسع لمنتجات أميركا اللاتينية الأرخص.

وبالنسبة لمؤيدي الاتفاق، يُعد تعزيز الروابط مع تكتل "ميركوسور"، الذي يضم البرازيل، والأرجنتين، وأوروغواي، والبرازيل، اختباراً رئيسياً لما إذا كانت باريس تريد فعلاً أن تقف أوروبا على قدميها بعد سنوات كانت فيها أعلى الأصوات دفاعاً عن سيادة أوروبا.

فرصة ذهبية

تجادل مجموعة من الحكومات، تقودها ألمانيا وإسبانيا، بأن اللحظة قد حانت لكي تدعم فرنسا حديثها عن السيادة بأفعال ملموسة، محذرة من أن تعطيل باريس لاتفاق مع "ميركوسور" يقوض مساعي أوروبا للاعتماد على نفسها.

وبالنسبة إلى تلك الدول، يمثل الاتفاق مع "ميركوسور"، "فرصة ذهبية" لشركاتها للتوسع في أسواق جديدة ذات توجهات مماثلة، بعيداً عن الصين أو الولايات المتحدة.

وقال مسؤول في الحكومة الألمانية: "نحن مقتنعون إلى حد كبير بأنه إذا لم تكن هناك إمكانية للتوصل إلى اتفاق هذا الأسبوع، فربما يكون قد انتهى. نرى أن الاتفاق بدأ بالفعل في التفكك".

وبعد سنوات كانت فيها باريس من أبرز المدافعين عن سعي أوروبا إلى "الاستقلالية الاستراتيجية"، يحذر هؤلاء من أن فرنسا تبدو "عاجزة، أو غير راغبة"، في التوفيق بين هذا الطموح ورفضها الطويل الأمد للاتفاق مع أميركا اللاتينية.

مخاوف فرنسية

وفي فرنسا وبولندا، يُنظر إلى الاتفاق باعتباره "شديد الضرر" عبر جميع الأطياف السياسية، إذ لم تلق تطمينات المفوضية الأوروبية آذاناً صاغية، وذلك رغم مساعي بروكسل لتوفير أموال إضافية للمزارعين وفرض رسوم جمركية إذا ما أدى لحم الأبقار البرازيلي الرخيص إلى الإضرار بالمزارعين المحليين.

وتخشى باريس أن يؤجج الاتفاق غضباً شعبياً ضد المؤسسة السياسية، في وقت يتصدر فيه اليمين المتطرف استطلاعات الرأي للانتخابات الرئاسية المقررة في عام 2027.

ولا تقتصر المسألة على التجارة فقط. إذ تدفع المخاوف المتزايدة بشأن عدم القدرة على التنبؤ بالتصرفات الأميركية، وحجم العدوان الروسي الدول الأوروبية إلى تولي مسؤولية أمنها بنفسها.

انقسام بشأن "مشروعات دفاعية"

وتضغط المفوضية الأوروبية على الدول الأعضاء للانضمام إلى ما يُعرف بـ"المشروعات الدفاعية الرائدة"، وتجميع الموارد في مجالات رئيسية مثل الطائرات المُسيرة وأنظمة مكافحة المُسيرات.

لكن قوى رئيسية في الاتحاد الأوروبي، مثل فرنسا وألمانيا، أبدت تشككها في هذه المقترحات منذ الكشف عنها خلال الصيف الماضي. وتخشى باريس وبرلين أن تُضعف هذه الخطوات أولوياتهما الوطنية، وتمنح بروكسل نفوذاً مفرطاً على سياسة الدفاع.

وقالت "بوليتيكو" إن "المشروعات الرائدة" لم ترد في أحدث مسودة لنتائج القمة. وبينما قالت باريس إنها ليست مدرجة على جدول أعمال قمة الخميس، لا تزال دول الشمال تأمل في إنقاذ هذه الخطط.

وقال مسؤولان في الاتحاد الأوروبي، إن الذراع التنفيذية للتكتل تعمل على طمأنتهم بأن بروكسل لا تتجاوز صلاحياتها، وأن الدول ستحتفظ بسيطرة واضحة على أصولها وإنفاقها.

ويثير التعثر في إقرار مزيد من التعاون، حتى مع اختراق مقاتلات روسية وطائرات مُسيرة الأجواء الأوروبية، قلق كثيرون من أن التحرك لا يتم بالسرعة الكافية في مواجهة دول معادية ومنافسين قادرين على التحرك بقرارات تنفيذية.

واختتمت "بوليتيكو" بالإشارة إلى أن الخلاف بشأن استخدام الأصول الروسية المجمدة، لتوفير قرض تعويضي بقيمة 210 مليارات يورو لتمويل أوكرانيا، هو أكثر ما يبرز الصعوبة التي تواجه الاتحاد الأوروبي في الاعتماد على نفسه.

تصنيفات

قصص قد تهمك