في ظل تصاعد الخلافات داخل حركة "لنجعل أميركا عظيمة مجدداً" (MAGA)، التي ظلت لما يقرب من عقد مرتبطة بالرئيس الأميركي دونالد ترمب كوجهين لعملة واحدة، تشهد الحركة اليوم إحدى أكثر معاركها تأثيراً خارج سيطرة رئيس بات مقيّداً بحدود ولايته، ما فتح الباب أمام أجنحة متنافسة لإعادة تشكيل "ماجا" وفق تصوراتها الخاصة، بحسب موقع أكسيوس الأميركي.
ودخلت MAGA عام 2025 بهالة من المناعة السياسية، مستفيدة من زخم فوز ترمب ومتحدة خلف وعده بـ"عصر ذهبي" جديد، لكنها تنهي العام، وقد انخرطت في صراع وجودي حول مستقبل الاتجاه المحافظ الأميركي.
ويرى أكسيوس أن ثمة خمسة أحداث خلال العام الماضي تساعد على تفسير كيف وصلت "Make America Great Again" إلى هذه اللحظة.
1- ثقافة "التدني" الأميركية
برز أول شرخ داخل حركة "MAGA" في عيد الميلاد (الكريسماس) الماضي، عندما فجّر الجدل حول تأشيرات العمل عالية المهارة (H-1B) مواجهة حادة بين قاعدة "أميركا أولا" من جهة، وإيلون ماسك وحلفاء الرئيس دونالد ترمب الجدد في وادي السيليكون من جهة أخرى.
وأشعلت تصريحات مستشار إدارة الكفاءة الحكومية، فيفيك راماسوامي من ذلك التصعيد، معتبراً أن الثقافة الأميركية "كرست التدني على حساب التميز"، داعياً إلى استقطاب أفضل المواهب العالمية لضمان بقاء الولايات المتحدة قادرة على المنافسة.
وقوبلت تصريحات راماسوامي بحملة هجوم واسعة على منصات التواصل الاجتماعي.
وشكّل الصدام بين قطاع التكنولوجيا وقاعدة "MAGA"، والذي تخللته موجة من الخطاب العنصري المعادي للهنود، الشرارة الأولى لصراعٍ أوسع حول جوهر شعار "أميركا أولا".. أهو مشروع يقوم أساساً على القومية الاقتصادية، أم تعبير عن قومية ثقافية أكثر انغلاقاً؟
2- قصف الولايات المتحدة لإيران
ويرى "أكسيوس" أن أعمق انقسامات "MAGA" في السياسة الخارجية انفجرت علناً في يونيو، عندما شاركت الولايات المتحدة إسرائيل في قصف منشآت نووية إيرانية.
وانقسمت الحركة بين جناح مؤيد لإسرائيل رحب باستعراض ترمب للقوة، وجناح انعزالي، يتزعمه تاكر كارلسون، حذر من جر الولايات المتحدة إلى حرب جديدة في الشرق الأوسط.
ورغم أن الحرب لم تدم سوى 12 يوماً، فإن تدخل ترمب، إلى جانب وحشية الحرب في غزة، سرّع صعود خطاب معاد لإسرائيل ومعاد للسامية بشكل صريح داخل أجزاء من حركة "MAGA".
3- ملفات إبستين
أثارت وزارة العدل الأميركية ردود فعل غاضبة استمرت أشهراً عندما أصدرت مذكرة في يوليو خلصت إلى أن المدان بجرائم جنسية جيفري إبستين انتحر في سجنه، وأنه لم تكن لديه "قائمة عملاء".
محاولات ترمب المتكررة لطي صفحة القضية حطّمت توقعات غذاها مؤثرو "MAGA" لسنوات، مفادها أنه سيكشف شبكة خفية من فساد النخب واستغلال الأطفال جنسياً.
وفي نهاية المطاف، فرض الكونجرس الإفراج عن ملفات إبستين، متحدياً حملة ضغط مكثفة من ترمب، انتهت باستقالة صادمة للنائبة مارجوري تايلور جرين (جمهورية عن جورجيا).
4- اغتيال تشارلي كيرك
هزّ اغتيال مؤسس منظمة Turning Point USA في سبتمبر البلاد بأكملها، وأزال من المشهد أكثر مديري التحالفات فاعلية داخل "MAGA" في لحظة حرجة.
ولسنوات، شكّل تشارلي كيرك جسراً نادراً بين أجنحة الحركة، جامعاً المحافظين المؤسسيين والشعبويين المتشددين والشخصيات الهامشية على منصة واحدة، مع إبقاء الخلافات تحت السيطرة إلى حد كبير.
لكن نظريات المؤامرة التي روجتها كانديس أوينز، بما في ذلك مزاعم عن دور لإسرائيل في اغتيال كيرك، وادعاءات بتورط موظفين في Turning Point في التستر، فجرت خصومات شخصية وسامة جديدة.
5- تاكر كارلسون يحاور نيك فوينتس
وبلغت الانقسامات داخل الحركة ذروتها في نوفمبر، حين أتاح تاكر كارلسون منصة ودّية وخالية من أي مساءلة لنيك فوينتس، القومي الأبيض المعروف بإنكاره للمحرقة.
وكان فوينتس، البالغ من العمر 27 عاماً، يشهد بالفعل صعوداً هائلاً في شعبيته، خصوصاً بين الشباب، لكن مقابلة كارلسون دفعته إلى قلب النقاش داخل "MAGA" حول إسرائيل ومعاداة السامية والتطرف.
تداعيات مستمرة
ولا تزال التداعيات مستمرة بعد شهر من الحدث، إذ غادر أكثر من اثني عشر مسؤولاً بارزاً "مؤسسة هيريتيج" للانضمام إلى مركز أبحاث تابع لنائب الرئيس السابق مايك بنس، عقب دفاع رئيس المؤسسة كيفن روبرتس عن كارلسون.
ويقول "أكسيوس" إن نتائج هذا التفكك الممتد على مدار العام تجلت بوضوح خلال مهرجان AmericaFest السنوي الذي نظمته Turning Point نهاية الأسبوع الماضي، حيث تبادل أبرز الأطراف الفاعلة في إعلام "MAGA" هجمات حادة أمام حشد بلغ 30 ألف شخص.
ودعا نائب الرئيس جيه دي فانس، في خطابه الرئيسي، إلى ضبط النفس والوحدة، مؤكداً أن "لدينا أعمالاً أهم بكثير من الانشغال بتصفية الخلافات الداخلية".
وهيمن فانس على استطلاع الرأي خلال مهرجان AmericaFest حول ترشيح الحزب الجمهوري لعام 2028، محرزاً 84% من الأصوات، ومدعوماَ بالكامل من آلة Turning Point. ومع ذلك، لا تزال قدرته على توحيد الصفوف داخل الحركة غير مختبرة.
فالمحافظون المؤيدون لإسرائيل يرون أن امتناع فانس عن رسم خطوط فاصلة يمثل دعماً ضمنياً لجناح تاكر كارلسون، في حين يدرس السيناتور تيد كروز (جمهوري عن تكساس)، المنتقد لمواقف فانس في السياسة الخارجية، خوض حملة رئاسية منافسة لعام 2028.
على الجانب الآخر، يعتبر متعاطفو نيك فوينتس أن فانس غير شرعي بسبب زواجه المختلط عرقياً وصلاته بشركات التكنولوجيا الكبرى. ورغم صخب هذا الجناح المتطرف على الإنترنت، فإنه يفتقر إلى الدعم المؤسسي والآلة الانتخابية اللازمة لتشكيل مستقبل "MAGA" بعد ترمب.
وبدلاً من ترميم الانقسامات داخل الحركة، أظهر مهرجان AmericaFest مدى عمق الشرخ، وغياب أي رغبة حقيقية لدى الطرفين في تقديم تنازلات.











